هل تنهي "اتفاقات أبراهام" صلاحيات جامعة الدول العربية

العلاقات العربية سجلت خلال السنوات العشر الأخيرة أزمات كثيرة أكبر من العثرات في عقد تسعينات القرن الماضي أو بداية الألفية الثانية.
الثلاثاء 2021/01/05
مؤسسة فقدت بوصلة الوحدة

الكويت - انتقلت أنظار بعض المحللين إلى مناقشة أبعاد تأثيرات اتفاقات أبراهام على دور وصلاحيات الجامعة العربية التي تعاني أصلا من تراجع في لعب دورها، الذي تأسّست من أجله، وهو ما جعلها هيكلا مفرغا لا تبدو عليه علامات التعافي أو محاولات النهوض من كبواته المتواترة.

وقد بدا هذا الفشل جليا من خلال الصراعات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط وفي الكثير من الملفات التي لم تتم معالجتها ولم تتحمل الجامعة العربية مسؤوليتها فيها، فمنذ سنوات طويلة والاجتماعات الرسمية العربية تتكرر، وتحت عناوين عديدة تلتقي مضامينها عند إصلاح وإعادة هيكلة جامعة الدول العربية سبيلا للارتقاء بدورها دعما للمصالح العربية المشتركة.

وخلال السنوات العشر الأخيرة، سجلت العلاقات العربية أزمات كثيرة أكبر من العثرات في عقد تسعينات القرن الماضي أو بداية الألفية الثانية، حيث لم تعد تشبه الخلافات التي مرت بها دول المنطقة منذ انطلاق أعمال القمة العربية في مصر سنة 1964.

وبقدر ما كانت أغلب الخلافات تقتصر في قضايا حدودية أو تلك المرتبطة بتقاسم الثروات أو التدخل في الشؤون الداخلية أو أخرى مرتبطة بالأيديولوجيا أو التعاطي مع إسرائيل، بقدر ما باتت اليوم تتركز على قضايا مرتبطة بالاختلاف الجوهري في السياسات الخارجية.

وليس لذلك فقط، بل فرض التعامل مع مطالب التحول إلى الدولة الحديثة والانتقال الديمقراطي ومطالب الحريات نفسه بقوة، فضلا عن التنافس على زعامة العالم العربي وهذه المطالب أثارتها التغيرات التي صاحبت أحداث الانتفاضات الشعبية في بعض الدول ضمن احتجاجات ما يسمى بـ”الربيع العربي”.

أقدم تحالف عربي يواجه خطر التفكك العملي الوشيك رغم بقائه صامدا نظريا
أقدم تحالف عربي يواجه خطر التفكك العملي الوشيك رغم بقائه صامدا نظريا

وفقدت الجامعة العربية دورها بشكل كبير منذ حرب العراق الأولى مع إيران في 1980، حيث لم تستطع التدخل لصالح بلد عضو وهو العراق ضد إيران، ما يتناقض مع المادة الـ6 من ميثاق تأسيسها، وهو ما دفع الدول العربية لاحقا إلى إيجاد تكتلات جهوية بديلة تعمل بشكل مواز وفعّال أكثر من الجامعة العربية على غرار مجلس التعاون لدول الخليج العربية.

كما عجزت عن إيجاد أي حلول لخلافات مستمرة بين الدول الأعضاء كالمغرب والجزائر وأيضا العراق والكويت قبل الغزو الأميركي للعراق في 2003 والدول الأطراف في الأزمة الخليجية، كما لم تنجح في اختراق جدار الأزمتين السورية والليبية.

والآن، وبعد إعلان اتفاقيات السلام بين إسرائيل ودول عربية بشكل منفرد والاعتقاد بنشأة حلف جديد يجمع إسرائيل مع بعض الدول الخليجية والعربية برعاية أميركية في ظل مواقف بين التحفظ والرفض أبدتها بلدان أخرى مخيرة استمرار المقاطعة، تزيد وتيرة المخاوف من احتمالات انقسام العالم العربي إلى جبهتين على المدى البعيد، حيث يواجه أقدم تحالف عربي خطر التفكك العملي الوشيك رغم بقائه صامدا نظرياً.

ولم يعد الواقع العربي، اليوم، يوفر الغرض من تواجد الجامعة العربية بميثاقها التأسيسي الذي بسقوط مواد كثيرة منه في دائرة عدم الصلوحية، قد تنتهي صلاحيات الجامعة كمؤسسة توحد العرب.

ويشرح الباحثون بمركز الخليج العربي للدراسات والبحوث في دراسة حديثة نشرت الإثنين، بعنوان “تحديات وآفاق السلام مع إسرائيل: الكلفة الشعبية والفرص والتداعيات” كيف ستصبح مراجعة أهداف التعاون والشراكة وشروط التكامل والتوحد وفق معايير جديدة حاجة ملحة في المدى القريب.

ويرى الباحثون أن استمرار الجامعة العربية في شكل المنظومة الحالية هو استنزاف للمالية العامة العربية دون أهداف تذكر، خاصة بعد أن تغيرت الظروف الجيوستراتيجية في العالم العربي بالنظر إلى قضايا مركزية وتاريخية كانت تمثل نقاط توافق وفي مقدمتها القضية الفلسطينية التي لم تعد توحد رؤى العرب كما في السابق.

وبات خيار تأخير حل هذه المؤسسة، التي تأسست في العام 1945، بالنظر إلى تعقّد شروط المفاوضات، خياراً يطرح المزيد من انقسام المواقف العربية تجاه العلاقات مع إسرائيل التي لطامات كانت مصدر تهديد مشترك للعرب والمسلمين.

وترجّح الاستنتاجات التي توصل إليها باحثو مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث أن فرضية تراجع الالتزام بمقاومة الاحتلال من شأنها أن تفرغ الجامعة العربية من شرعيتها الشعبية والتاريخية، وتدفع إلى رجّة في التحالفات العميقة وزيادة الانقسام في الداخل الفلسطيني حول خيارات المقاومة والتحالفات مع الدول العربية.

وتعتبر مؤشرات انخفاض التمثيل الرسمي للقادة خلال السنوات الأخيرة في مؤتمرات القمة لمجلس الجامعة العربية السنوي، فضلاً عن مقاطعة بعض الزعماء لهذه المؤتمرات، بوادر أزمة تتجه إلى التفاقم خاصة على مستوى تضرر متوقع لتمويل الجامعة في حال زيادة الاختلاف حول الالتزامات المالية المخصصة للمنظمة العربية.

ويعتقد الباحثون في مركز الخليج العربي أنه عبر الشرق الأوسط، من العراق إلى شمال أفريقيا، يهدد تحالف غير رسمي محتمل دعت إليه الولايات المتحدة منذ سنوات وهو قيد التبلور بين دول عربية وإسرائيل ضمن صفقة القرن التي دعا إليها الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب، بزيادة تعمق الانقسام بين الدول العربية منذرا في الوقت نفسه باحتمال تفكك عمليّ وتدريجيّ لمنظمة الجامعة العربية رغم استمرار وجودها نظرياً.

Thumbnail
6