هل تنطبق مقولة "المرأة سيدة جسدها" على واقع النساء العربيات

تطلعنا الأخبار يوميا عن تعرّض النساء للعديد من الاعتداءات العنيفة المهينة لهن، اعتداءات تنتهك حرماتهن الجسدية بطرق مختلفة وتظل تلك المتعلقة بالتحرش الجنسي والاغتصاب الأكثر غموضا لأنها تحاط بالتكتم والخوف حيث لا يتم الإعلام بها من الضحايا ولا تمتلك الجهات الرسمية في الدول العربية أرقاما دقيقة عنها.
فالمرأة المعتدَى عليها تخشى الإفصاح عمّا تعرّضت له خوفا من حكم الآخر ومن محاسبة المجتمع لها. صمت يرتقي إلى مرتبة المشاركة في جريمة الاعتداء مهما كانت تعلاّته وهو ليس إلا أولى خطوات تخلّي المرأة عن الدفاع عن نفسها وعن سيادتها على جسدها.
وبعيدا عن حالات تفريط المرأة في حقوقها أو عجزها أمام الانتهاكات التي تتعرّض لها والنابع من قبولها اللاواعي بالضعف، فإن هناك من الفتيات، ممّن يفرض عليهن واقعهن الاجتماعي والسياسي والاقتصادي سواء في ظل الحروب والنزاعات المسلحة أو داخل المجتمعات الذكورية التي لا تعترف بالمرأة ككيان مستقلّ له حرمته الجسدية أن يكنّ من ضحايا الاعتداءات الجسدية من عنف وتحرّش جنسي واستغلال، ممن لا يقدرن على مواجهة هذه الظواهر وصدها بقوة، ويجدن أنفسهن مجبرات على الخضوع لما يفرضه عليهن محيطهن حيث لا تتكافأ موازين القوى بينهن وبين التيار المضاد الذي يفسح المجال لهذه الممارسات ضدهن. لكن هذا لا ينفي وجود بعض النساء اللاتي تسعين للمقاومة وتتحدين هذا الواقع وأحيانا تدخلن في معارك تعرفن مسبقا أنّها خاسرة ولكن رغم ذلك يقمن بالتضحية.
ومهما كانت درجة تحمل المرأة لمسؤولية ما يلحق بها من أضرار تطال جسدها فإن الثابت أنه لا يمكن التسليم بصحة مقولة المرأة سيدة جسدها حتى في حالات الاستقرار وفي المجتمعات التي تعدّ متقدمة في مجال حقوق المرأة فإن وعي المرأة بسيادتها على جسدها يبدو ناقصا فعلاقتها به تدل أحيانا على ملكيتها له لكن سيادتها عليه تظل نسبية فهي غالبا ما تهتم بجماله ليس فقط احتفاء به بل لترضي الآخر ولتبدو جميلة في عين الزوج ولتطلق عليها أحكام تمنحها مكانة ترغب في بلوغها في المجتمع.
وخلال السنوات الأخيرة، وبالتوازي مع تصاعد وتيرة الحروب والنزاعات المسلحة في العديد من الدول العربية مثل سوريا والعراق واليمن وليبيا وغيرها، ارتفع منسوب العنف والانتهاكات المسلطة على النساء من قتل وخطف واغتصاب وبيع وشراء وتزويج وتهجير.. الخ، وفي غالب الأحيان يستهدفهن لمجرّد كونهن نساء طالما أن محرّك هذه الانتهاكات الرئيسي هو جماعات إرهابية متشددة دينيا ترمي إلى تغيير نمط العيش المعاصر بضرب كل مقوّمات الحداثة والديمقراطية والتي تأتي على رأسها مكاسب المرأة والمساعي لترسيخها.
التمييز والعنف ضد المرأة وسيلة تدام بها تبعيتها وهو في الوقت نفسه نتيجة لتلك التبعية، ويعمل العنف ضد المرأة والعنصرية تجاهها بمثابة آلية للمحافظة على سلطة الرجل حتى على جسد المرأة
وبالتالي فإن استهداف المرأة وانتهاك حرمتها الجسدية والاعتداء عليها يشكل إحدى سبل فرض الوجود وأحد أركان ضرب كيان وثقافة المجتمعات.
ومن المهمّ الإشارة إلى أن انتهاك حرمة جسد المرأة بات من الأحداث اليومية التي تعيشها جميع النساء في العالم وتطلعنا الأرقام مثلا على أنه يتم سنويا تزويج 15 مليون فتاة من القاصرات. وتقول أرقام منظمة الصحة العالمية الصادرة في مارس 2015 أن نحو 35 بالمئة من النساء حول العالم عشن أحد مظاهر العنف الجسدي سواء كان ذلك من قريب، كالزوج، أو من غريب، كما تؤكد التقارير أن 30 بالمئة من النساء حولالعالم تعرضن في حياتهن مرة واحدة على الأقل لشكل من أشكال العنف الجنسي.
وفي مصر، على سبيل المثال، يصل عدد حالات اغتصاب النساء سنويا إلى أكثر من 200 ألف حالة، وفقا للمركز المصري لحقوق المرأة، وقد ارتفع عدد هذه الحالات مع المشاكل السياسية التي شهدتها مصر في الآونة الأخيرة. وكشفت دراسة ميدانية حديثة أجرتها شركة أبحاث عالمية لصالح وكالة “رويترز” للأنباء أن السعودية تحتل المركز الثالث من بين 24 دولة في قضايا التحرش الجنسي في مواقع العمل، وأوضحت الدراسة التي أجريت على 12 ألف موظفة من دول المسح أن 16 بالمئة من النساء العاملات في السعودية تعرضن للتحرش الجنسي من قبل المسؤولين في العمل.
وفي إيران ودول أخرى منها العراق وسوريا، التي تسيطر فيها الجماعات الإسلامية على بعض المدن، تتعرض النساء لعقوبات جسدية بدعاوى أنهن لم يلتزمن بالقوانين والتشريعات الإسلامية المفروضة عليهن فترمى وجوههن بالمواد الكيميائية الحارقة لتشويهها، كما أنهن يجلدن ويرجمن ويبعن في أسواق للنخاسة ويزوّجن بعقود زواج ذات مسميات مختلفة لمجرد المتعة.
|
وفي أغلب البيوت العربية المسلمة التي تتبع أسلوب معيشة محافظ فإن النساء والفتيات إن لم يتعرضن للعنف الجسدي والمعنوي فإنهن لا يتمتعن بحرية التصرف في أجسادهن وتفرض عليهن أنماط لباس وماكياج وتسريحات معينة ترضي الجميع عداهن. فكيف يقال لهن أنتن سيدات أجسادكن؟
كما أن الرجل العربي الذي تعلم منذ الصغر أن جسد المرأة عورة ومحرم ويعامل كأداة للمتعة، وأن الفعل الجنسي هو هيمنة جسدية، لا يمكن أن يعترف بسيادة المرأة على جسدها. والمرأة بدورها تربت على نفس الموروث الاجتماعي وهي عندما تهتم بجسدها إنما تفكر بأنها تصونه لزوجها وهي تتربّى على الإحساس بأن جسدها موجود من أجل الآخرين لينال إعجابهم ويكون مصدرا لإمتاعهم وهو يتخذ قداسته من كونه الوعاء الذي يحمل الجنين ويضمن تواصل البشرية عبر الإنجاب.
وفي هذا الصدد يقول سامي نصر المختص في علم الاجتماع بتونس إن المرأة العربية ما تزال تعيش أزمة اجتماعية بامتياز رغم كل التطورات التي عرفتها المجتمعات العربية والعلاقة التفاعلية مع مختلف شعوب العالم خاصة مع تطور وسائل الإعلام والاتصال والتواصل الحديثة.
وتتجسّد أزمة المرأة العربية في عدة جوانب نذكر منها التهميش في مجال التموقع السياسي، والتموقع الجمعياتي، وضعف الحضور الإعلامي.. الخ، إضافة طبعا إلى تعدد أشكال الاعتداءات المرتكبة تجاهها وتفاقمها مثل العنف الرمزي (التهميش، عدم تكافؤ الفرص) والعنف اللفظي والعنف المادي والتحرش والاغتصاب. فهناك استهداف لجسد المرأة بكل الأشكال، فالصورة التي نحملها اليوم عن المرأة تكاد تختزل في جسدها.
الأكيد أن حل الأزمة الراهنة للمرأة العربية يتوقف بشكل أساسي على التشخيص الجيد والدقيق للممارسات المرتكبة تجاهها ولكن الأهم أولا هو الإجابة عن السؤال الجوهري وهو “من المسؤول عن كل ذلك؟”.
المرأة تتربى على الإحساس بأن جسدها موجود من أجل الآخرين لينال إعجابهم ويكون مصدرا لإمتاعهم وهو يتخذ قداسته من كونه الوعاء الذي يحمل الجنين ويضمن تواصل البشرية عبر الإنجاب
ويصرّح نصر أنه لا يتحمل أيّ طرف بمفرده مسؤولية الأزمة الراهنة للمرأة العربية بل نشترك جميعا في تحمل المسؤولية، وفي هذا الإطار نشير أوّلا إلى الثقافة المجتمعية السائدة التي تم استبطانها عبر ما يسميه عالم الاجتماع الفرنسي بيار بورديو بالـ”الهابيتيس” ثم إعادة إنتاجها من جديد في مجالات أخرى، فالنظرة الدونية للمرأة في الشارع وفي تركيبة الأحزاب والجمعيات وفي المؤسسات هي عبارة عن إعادة إنتاج لزاوية النظر للمرأة داخل الأسرة. كما تحدد سوسيولوجيا شكل وطريقة التعامل مع المرأة من خلال الصورة التي نحملها عنها. نحن اليوم نعيش ما يمكن أن نسميه بصراع الصور النمطية، وحل الأزمة الراهنة للمرأة العربية يتجسد بشكل رئيسي في هذه المعركة السوسيو-ثقافية.
وثانيا، الصورة الدونية للمرأة، فكل العلاقات الاجتماعية مهما كان الفاعلون فيها تتحكم فيها أربع صور نمطية هي الصورة النمطية التي نريد إخفائها عبر التظاهر بممارسة سلوكيات معينة، والصورة النمطية التي نريد الظهور عليها وترويجها والترويج لها لكسب معارك والحصول على منافع مادية أو معنوية، والصورة النمطية الحقيقية التي تظهر في وضعيات معينة مثل الغضب وردود الفعل وتضارب المصالح، وكذلك الصورة النمطية التي تنطبع لدى الآخر وتترسخ في ذهنه.
ويستنتج عالم الاجتماع أن المرأة ساهمت بدورها في تجذّر هذه الأزمة من خلال تقبلها الوضع الراهن ودعمها بشكل مباشر أو غير مباشر للصورة التي يحملها الطرف الآخر عنها وأيضا للثقافة الذكورية المهيمنة على الساحة الثقافية والاجتماعية والسياسية وحتى الاقتصادية.
صحافية من تونس