هل تلغي كندا أكبر صفقة مدرعات مع السعودية

لندن (أونتاريو - كندا) – يواجه رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو معضلة مع اقتراب الانتخابات تتمثل في كيفية التوازن بين رأي عام متأثر بالدعاية الكثيفة التي صاحبت قضية مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، ومسايرة موجة انتقاد السعودية وتهديدها بالعقوبات، والحفاظ في نفس الوقت على صفقة سلاح معها قيمتها 13 مليار دولار.
ويواجه ترودو الذي تعهد بأن تكون هناك “عواقب” لمقتل خاشقجي، ضغوطا من أجل تجميد عقد قيمته 13 مليار دولار لتوريد مركبات مدرعة تصنعها في كندا شركة جنرال دايناميكس، ومقرها الولايات المتحدة.
وردّ رئيس الوزراء الكندي على المطالب بإلغاء الصفقة بقوله إن “العقد الذي وقعته الحكومة الكندية السابقة يجعل من الصعب للغاية تعليقه أو الخروج منه”، مضيفا أن حكومته الليبرالية تدرس عدة خيارات وأنه لا يريد أن يترك الكنديين “يدفعون فاتورة بمليار دولار لأننا نحاول المضي قدما في التصرف بشكل سليم”.
وأشار ترودو إلى أنه من “المخيب للآمال” أن شروط العقد مع السعوديين تمنعه من البحث عن المزيد من التفاصيل، لكن خلف تصريحاته التي تسعى لحماية الصفقة تكمن أسباب أخرى يأتي على رأسها أن هذه الصفقة المغرية تكفل حوالي 3000 وظيفة في مدينة لندن الصغيرة في أونتاريو، وهي مركز صناعي يرجح أن يكون إحدى ساحات معركة الانتخابات الاتحادية في العام المقبل.
وقال مسؤول حكومي إن كندا ستلتزم بأذون التصدير التي صدرت بالفعل. ومن شأن ذلك أن يجنب شركة جنرال دايناميكس أي تأثير فوري. وتظهر وثيقة تعود لعام 2016 صدرت عن وزارة الخارجية أن جنرال دايناميكس حصلت بالفعل على موافقة على صادرات قيمتها 11 مليار دولار كندي.
وتظهر إحصاءات تجارية أن كندا شحنت مركبات مدرعة وقطع غيار قيمتها 166.9 مليون دولار كندي إلى السعودية في يوليو. وقالت فيبي نوفاكوفيتش الرئيسة التنفيذية لجنرال دايناميكس الأسبوع الماضي “نواصل إنتاج هذه المركبة حسب المقرر ولا نرى أي إشارة إلى أن العقد قد تغير”.
ويقول مراقبون إن قضية مقتل خاشقجي وضعت الكثير من الدول والحكومات في مأزق الاختيار بين المصلحة العامة أو ما تعتبره قيما حقوقية، لكنهم يشيرون إلى أن هذه “القيم” هي في الأساس أدوات سياسية توظفها هذه الحكومات عند الحاجة.
وترودو، المقبل على انتخابات حاسمة العام المقبل، يحتاج إلى أن يلعب هذه الورقة جيدا، فمن ناحية الصفقة والعلاقات مع السعودية عموما، تعني وظائف واستثمارات وأموالا، ومن ناحية أخرى يجد خطابه عن حقوق الإنسان تأييدا شعبيا. وتقول المعارضة وجماعات حقوق الإنسان إن على ترودو إلغاء الصفقة إذا كان جادا في الدفاع عن حقوق الإنسان.
وفي السنوات الماضية، صوّر ترودو نفسه وحكومته على أنهما رائدا القيم التقدمية في وقت تنسحب فيه الولايات المتحدة من الساحة العالمية في ظل حكم الرئيس دونالد ترامب.
الصفقة تكفل حوالي 3000 وظيفة في مدينة لندن الصغيرة في أونتاريو، وهي مركز صناعي يرجح أن يكون إحدى ساحات معركة الانتخابات الاتحادية التي ستجرى العام المقبل
ومقتل خاشقجي قضية حساسة بشكل خاص بالنسبة لكندا، بعد أن توتر علاقتها بالسعودية في أغسطس الماضي. ويثير النقاش بشأن الصفقة قلق أعضاء الحزب الليبرالي الحاكم في كندا، الذي يتزعمه ترودو، وبينهم بيتر فراجيسكاتوس النائب عن دائرة لندن نورث سنتر في البرلمان. وقال فراجيسكاتوس في مقابلة “هناك وظائف كثيرة تتعلق بهذا العقد” مشيرا إلى أن ترودو زار المدينة عدة مرات وأن رئيس الوزراء “يفهم جيدا التحديات التي تواجهها لندن. أنا أدافع بشدة عن منطقتي”.
ويقول ماهر، في مقال له في موقع ماكليانس الكندي، “خلال المؤتمر الصحافي الذي تلا إمضاء الاتفاقية الجديدة للتبادل الحر عبر المحيط الهادئ، شرع ترودو يتكلم نوعا ما مثل براين مولروني في أسوأ تبجح سلس له حول صفقته بنبرة متكبرة. عليه أن ينتبه إلى ألا يصدق كلامه حول هذه النوبة المدهشة من الحنكة السياسية”. ويشير خبراء إلى أن ذات الأمر ينطبق على الموقف من السعودية، حيث يعتبرون أن على الحكومة الكندية أن تتصرف بعقلانية، وهي التي، على حد تعبير جيري ماركتني المدير التنفيذي لغرفة لندن التجارية، تربطها علاقات تجارية وصفقات مماثلة بدول أخرى متهمة “بانتهاك حقوق الإنسان”.
يشدد ماركتني في تصريحات نقلها موقع “تفو”الكندي، على أن “كندا تتعامل مع منتهكين آخرين لحقوق الإنسان. والسعودية تقوم بإصلاحات تدريجية. إنه بلد أقدم بكثير من بلدنا، ونود أن تكون أسرع بكثير (في الإصلاح)، بالطبع، لكنّ السعوديين لا يتحركون بنفس السرعة التي ننتهجها”، وذلك بسبب خصوصية المجتمع وتعقيداته وخصوصية السعودية الدينية في العالم الإسلامي.
وقال ترودو “كندا ملتزمة بالتمسك بحقوق الإنسان وحرية التعبير وحماية الصحافيين حول العالم”. وقال كذلك إن أوتاوا تراجع تصاريح التصدير الكندية للسعودية ردا على مقتل خاشقجي.
لكن، يرى ديفيد بيري نائب رئيس المعهد الكندي للسياسات الخارجية، أنه “يمكن أن تكون لتعليق أو إلغاء تصاريح التصدير آثار هامة ليس فقط على جنرال دايناميكس، التي يمكن أن تختار إغلاق مصنع لندن وتحويل التصنيع إلى دول أخرى، لكن آثار ذلك تطال جميع الكنديين العاملين في صناعة تصنيع الأسلحة”.
ويضيف بيري في تصريحاته لموقع “تفو” “أن صناعة الدفاع تعتمد على الصادرات وإذا كانت الحكومة ستسحب التصاريح لأسباب سياسية، فيمكنها أن تجعل مصداقية هذه الصناعة موضع تساؤل”.