هل تلغيم البيجر يعد مصيدة مغفلين وخارج المسموح به من أسلحة الحروب

الانفجارات في لبنان ربما انتهكت القانون الدولي إذا تم تصميم الأجهزة لتكون ملغمة.
الاثنين 2024/09/23
التفخيخ الإلكتروني جبهة مواجهة جديدة

رغم كثرة التفسيرات لما حدث وكيف تم تفجير أجهزة البيجر فإن الهجمة المدوية لانفجار أجهزة عتيقة الطراز في لبنان من شأنها أن تفتح فصلا جديدا في الحرب الإلكترونية وتطرح مفهوما جديدا للأمن السبيراني.

جنيف - يدعو المدافعون عن حقوق الإنسان إلى تنظيم تحقيق مستقل يدقق في الانفجارات التي طالت أجهزة البيجر في لبنان وسوريا. ويشيرون بهذا إلى أن الانفجارات ربما تكون قد انتهكت القانون الدولي إذا تم تصميم الأجهزة لتكون ملغمة.

وأسفرت الانفجارات التي اتُهمت إسرائيل على نطاق واسع بالوقوف وراءها عن مقتل 37 شخصا على الأقل وإصابة أكثر من 3 آلاف آخرين، من بينهم العديد من أعضاء جماعة حزب الله المدعومة من إيران. ولم تؤكد إسرائيل تورطها أو تنفيه.

وتعالت الأصوات من مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان وبعض جماعات المناصرة، بحجة أن الضربات كانت “عشوائية” لأنه يكاد يكون من المستحيل معرفة من يحمل الأجهزة، أو أين كانت، حين انفجرت. لكن بعض الأكاديميين يصرون على أن الانفجارات كانت مركزة بدقة لأن الأجهزة وزعت على أعضاء حزب الله.

وقالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، التي تهدف إلى المساعدة في حماية المدنيين وغيرهم من غير المقاتلين في النزاعات وتهدف إلى الحياد “كانت هذه عملية فريدة من نوعها، وسيستغرق جمع كل الحقائق لإثبات رأي قانوني وقتا”. ورفضت اللجنة التعليق علنا على ما إذا كانت العملية تنتهك القانون الإنساني الدولي، الذي يصعب فرضه وتنتهكه الدول أحيانا.

ولم يتطرق القانون الدولي إلى استهداف أجهزة الاتصال التي يحملها الناس على أجسادهم. وصيغت اتفاقيات جنيف، التي توفر مدوّنة قواعد لحماية المدنيين أثناء النزاعات، قبل 75 عاما، قبل وقت طويل من استخدام أجهزة البيجر والهواتف المحمولة وأجهزة الاتصال اللاسلكي على نطاق واسع.

ويقول الكاتبان جيمي كيتن وكريم شهيب في تقرير للأسوشيتد برس الوضع القانوني يزيد تعقيد حقيقة كون حزب الله جماعة مسلحة غير حكومية تعمل داخل لبنان، وهو بلد ذو سيادة عضو في منظمة الأمم المتحدة.

pp

وشدد مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، فولكر تورك، في بيان على وجوب تنظيم تحقيق مستقل وشامل وشفاف فيما يتعلق بظروف هذه الانفجارات الجماعية ومحاسبة الذين أمروا بهذا الهجوم ونفذوه.

وتركز مسألة كيفية تطبيق القواعد الدولية على الهجوم على ما يبدو على ما إذا كان يمكن اعتبار متفجر سري مضمن في جهاز إلكتروني شخصي فخا متفجرا. وتوجهت أصابع الاتهام لإسرائيل في الضربات المستهدفة والاغتيالات في الماضي، ولكن ضربة كبيرة باستخدام أجهزة الاتصالات المحمولة تبقى غير مسبوقة.

وتعرّف المادة 7 من البروتوكول الثاني المعدل لاتفاقية الأسلحة التقليدية المعينة، التي أضيفت إلى القانون الدولي المتعلق باستخدام الأسلحة التقليدية سنة 1996، والتي صادقت عليها إسرائيل، الفخ المتفجر بأنه أي جهاز مصمم أو مكيف للقتل أو الإصابة، ويعمل بشكل غير متوقع عندما يمس شخص جسما يبدو غير ضار أو يقترب منه.

ويحظر البروتوكول هذه الأجهزة، أو غيرها من الأجهزة التي تتخذ شكل أدوات محمولة تبدو غير ضارة بينما تم تصميمها وتصنيعها خصيصا لاحتواء مواد متفجرة.

وقالت لما فقيه، مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش، إن القواعد تهدف إلى حماية المدنيين وتجنب المشاهد المدمرة التي يشهدها لبنان اليوم. ودعت إلى إجراء تحقيق محايد. كما تحدد الاتفاقية قواعد استخدام الألغام الأرضية ومخلفات القنابل العنقودية وغيرها من المتفجرات.

ويحظر استخدام “الذخائر الموضوعة يدويا” الأخرى، مثل الأجهزة المتفجرة المرتجلة “المصممة للقتل أو الحاق الإصابة، التي يمكن تشغيلها يدويا، عن طريق التحكم عن بعد، أو تلقائيا بعد مرور الوقت”.

الفخاخ هي من الوسائل التي يمكن استخدامها لاستهداف قوات العدو في هدف عسكري ويشمل ذلك أنظمة الاتصالات

واعتمد أعضاء حزب الله أجهزة البيجر لكن لم يكن هناك ما يضمن أنهم من سيحملون الأجهزة عندما تنفجر. وكان العديد من الضحايا من بين أعضاء العمليات المدنية الواسعة التابعة لحزب الله التي تخدم المجتمع الشيعي في لبنان.

وقالت لوري بلانك، الأستاذة في مدرسة الحقوق التابعة لجامعة إيموري في أتلانتا والمتخصصة في القانون الإنساني الدولي وقانون النزاعات المسلحة، إن قانون الحرب لا يحظر استخدام هذه الوسائل بشكل صريح، ولكنه يضع قيودا عليها. وترى أن الهجوم كان “قانونيا على الأرجح بموجب القانون الدولي”.

وقالت إن الفخاخ هي من الوسائل التي يمكن استخدامها لاستهداف قوات العدو في هدف عسكري أو بالقرب منه، ويشمل ذلك أنظمة الاتصالات التي يستخدمها مقاتلو حزب الله. وكتبت في رسالة بريد إلكتروني أن طبيعة الهجوم تبقى غير واضحة، فإذا كان الهجوم يستهدف أجهزة البيجر نفسها، فهذه ليست مسألة تفخيخ.

وقال خبراء إن انفجارات جهاز البيجر تشير إلى عملية مخطط لها منذ فترة طويلة ومصممة بعناية. وربما أمكن تنفيذها بالتسلل إلى سلسلة التوريد وتزويد الأجهزة بالمتفجرات قبل تسليمها إلى لبنان.

وكتبت مي السعدني، التي ترأس معهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط، وهو مركز أبحاث مقره واشنطن، على موقع إكس “لا يوجد عالم لا يكون فيه انفجار المئات، إن لم يكن الآلاف، من أجهزة الاستدعاء هجوما عشوائيا يحظره القانون الدولي”.

وقالت السعدني “كان حاملو أجهزة النداء منتشرين في المناطق المدنية، من مراكز التسوق إلى الشوارع المزدحمة والمباني السكنية إلى المستشفيات، محاطين بالنساء والأطفال والرجال. ولا يمكن أن يتوقع هجوم مثل هذا موقع المارة الأبرياء في منطقة الانفجار أو الطفل المارّ الذي يلتقط الجهاز عندما يصدر صوتا”.

وقال المحامي البريطاني جيفري نيس، الذي حاكم الرئيس اليوغوسلافي والصربي السابق سلوبودان ميلوشيفيتش، في مقابلة “من الواضح جدا هنا أنها جريمة حرب. ويجب أن نسميها على حقيقتها”.

لكنه تطرق أيضا إلى السلوك الإجرامي على جانبي الصراع بين إسرائيل وحماس، في إشارة إلى الهجمات الصاروخية التي يشنها نشطاء حماس على إسرائيل والخسائر الناتجة عن العملية العسكرية الإسرائيلية في غزة، حيث تقول وزارة الصحة إن 41 ألف فلسطيني على الأقل قتلوا منذ هجوم حماس في 7 أكتوبر على جنوب إسرائيل الذي أشعل الحرب الأخيرة.

انفجارات جهاز البيجر تشير إلى عملية مخطط لها منذ فترة طويلة ومصممة بعناية. وربما أمكن تنفيذها بالتسلل إلى سلسلة التوريد وتزويد الأجهزة بالمتفجرات قبل تسليمها

وقال عاموس غيورا، الأستاذ في كلية إس جيه كويني للقانون في جامعة يوتا، إن الضربات “مبررة في سياق الدفاع عن النفس”. لكنه أقر بمخاطر الأضرار الجانبية ضد المدنيين. وأضاف “لا يوضح القانون الدولي رقما للأضرار الجانبية المشروعة أو غير المشروعة، بل يدعو فقط “للتقليل… يفرض واقع الأضرار الجانبية المأساوي أن الأبرياء سيتعرضون للأذى والقتل. وينتابني شعور هنا بوجود جهد واع لتقليله، مع إدراك أنه لن يكون مثاليا أبدا”.

وتابع غيورا، الذي أمضى 20 عاما في الجيش الإسرائيلي ونصح قادته في غزة في تسعينيات القرن العشرين، “يشعرني هذا الهجوم بأن ما نُفّذ كان دقيقا إلى أبعد حدّ ممكن”. وواجهت إسرائيل بالفعل انتقادات دولية شديدة بسبب ردها العسكري في غزة، ومؤخرا في الضفة الغربية منذ هجمات 7 أكتوبر التي شنتها حماس.

وأصدر المدعي العام الأعلى في المحكمة الجنائية الدولية خلال شهر مايومذكرات توقيف بحق كبار المسؤولين الإسرائيليين. وشملت رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، إضافة إلى قادة حماس الذين يقفون وراء الهجمات، بسبب أفعالهم في الحرب.

وتجاهلت إسرائيل أمرا من أعلى محكمة في الأمم المتحدة بوقف هجومها العسكري في جنوب غزة بعد أن اتهمتها جنوب أفريقيا بارتكاب إبادة جماعية. كما وتجاهلت روسيا أيضا دعوة المحكمة لها لإنهاء غزوها لأوكرانيا.

كما طال التحقيق حماس. وأصدرت هيومن رايتس ووتش تقريرا في يوليو قالت فيه الجماعات المسلحة التي تقودها حماس ارتكبت العديد من جرائم الحرب أثناء الهجمات في إسرائيل. وارتبط اسم حزب الله أيضا بالعديد من الهجمات العشوائية على المدنيين على مر السنوات، بما في ذلك في الأرجنتين وبلغاريا، وبالطبع في إسرائيل.

 

اقرأ أيضا:

        • عملية البيجر ومأزق التخلف العربي

6