هل تقبل روسيا الاقتراح الأميركي لوقف إطلاق النار مع أوكرانيا

موسكو تتعرض لضغوط أكبر من كييف لإظهار التزامها بالسعي إلى السلام.
الثلاثاء 2025/03/18
القبول الروسي بالاقتراح الأميركي الأكثر ترجيحا

توجد آمال في التوصل إلى وقف مؤقت لإطلاق النار في أوكرانيا منذ اللقاء الذي جمع بين ممثلين عن الولايات المتحدة وأوكرانيا في مدينة جدة السعودية. وبعد موافقة كييف عن مضض على المقترح الأميركي للسلام فإن الكرة الآن في ملعب الكرملين.

موسكو - لأول مرة منذ أن بدأ الرئيس الأميركي دونالد ترامب ولايته الثانية في يناير وأطلق حملةً لإنهاء حرب روسيا ضد أوكرانيا، أصبحت موسكو – وليس كييف – هي التي تتعرض لضغوط أكبر من الولايات المتحدة لإظهار التزامها بالسعي إلى السلام.

واتجه مسؤولون أميركيون إلى موسكو في 12 مارس، بعد أن وافقت أوكرانيا على خطة أميركية لوقف إطلاق نار فوري وقابل للتمديد لمدة 30 يومًا، وذلك في اجتماع عُقد في المملكة العربية السعودية قبل يوم. ما يثير تساؤلات: هل ستقبل روسيا الاقتراح؟

ويرى ستيف غوترمان، محرر قسم روسيا/أوكرانيا/بيلاروسيا في غرفة الأخبار المركزية لإذاعة أوروبا الحرة ، أن الرفض الروسي القاطع وارد ولكنه ليس حتميًا.

وكتب المحلل الروسي سام غرين في تدوينة “بينما تشير التوقعات بوضوح إلى رفض روسيا لعرض وقف إطلاق النار، لن أتسرع في استبعاده تمامًا.” وأضاف “بناءً على رؤية موسكو لمسار السياسة الأوروبية، قد تتوصل إلى استنتاج مفاده أن وقف إطلاق النار يصب في مصلحتها.”

ثلاثة احتمالات

بناءً على رؤية موسكو لمسار السياسة الأوروبية، قد تتوصل إلى استنتاج مفاده أن وقف إطلاق النار يصب في مصلحتها

يشير مراقبون إلى وجود ثلاثة احتمالات للرد الروسي على الاقتراح الأميركي للسلام.

وإذا اتبعت أفعال روسيا تصريحاتها العلنية، فإن الرفض هو السيناريو الأكثر ترجيحًا بفارق كبير. وقد صرّح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ومسؤولون روس آخرون مرارًا وتكرارًا بأن ما تريده موسكو ليس وقف إطلاق نار، بل اتفاق سلام شامل يعالج الأسباب الجذرية للحرب.

وتشير هذه التصريحات إلى أن روسيا قد لا تكون مستعدة لوقف القتال ما لم يتم التوصل إلى اتفاق من شأنه أن يلبي متطلبات الكرملين، من بين أمور أخرى، توفير الحياد الأوكراني، وتقليص حجم الجيش الأوكراني، وتغيير الحكومة في كييف، أو على الأقل مسار واضح لرحيل الرئيس فولوديمير زيلينسكي.

وتريد روسيا أيضًا اتفاقًا يتجاوز أوكرانيا، ويُقلل من نفوذ حلف شمال أطلسي ( الناتو) في أوروبا الشرقية، ويُعطي موسكو نفوذًا أكبر في القرارات الأمنية التي تؤثر على القارة بأكملها، وهي أهداف تتجاوز بكثير حدود الهدنة المؤقتة. ومع تقدم القوات الروسية ببطء ولكن بإصرار في شرق أوكرانيا، وتراجع قوات كييف في منطقة كورسك الروسية، قد لا يرى بوتين سببًا وجيهًا لوقف إطلاق النار الآن.

وألمح كونستانتين كوساتشيف، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الروسي، إلى هذا الأمر بشكل غير مباشر في 12 مارس، قائلاً إن على واشنطن أن تفهم أن “الاتفاقيات الحقيقية لا تزال تُكتب… على خط المواجهة.”

وبالإضافة إلى ذلك، فإن الرفض القاطع سيُرضي المدونين الروس المؤيدين للحرب – ناهيك عن الأعضاء المتشددين في دائرة بوتين – الذين من المرجح أن يعتبروا الموافقة على اقتراح وقف إطلاق النار بمثابة رضوخ من الكرملين.

وتشير هذه العوامل إلى أن قبول روسيا غير المشروط لاقتراح وقف إطلاق النار أمر مستبعد للغاية. وإذا كان الكرملين يفكر في قبول هدنة مؤقتة، فقد يرغب في وضع بصمته على الاتفاق.

وكتب كوساتشيف على تيليغرام “أي اتفاقات… ستكون بشروطنا، لا بشروط الولايات المتحدة.”

وفي حين يبدو القبول غير المشروط مستبعدًا، كتب غرين، الأستاذ في معهد كينغز روسيا ومدير المرونة الديمقراطية في مركز تحليل السياسات الأوروبية، في تدوينة على مدونته “قد تتوصل روسيا إلى استنتاج مفاده أن وقف إطلاق النار يصب في مصلحتها.” وأشار إلى أن بوتين قد يبتلع الطُعم إذا رأى فيه وسيلة جيدة للاقتراب من تحقيق أهدافه.

وأضاف “الهدف الأسمى لموسكو هو السيطرة على أوكرانيا. وفي غياب فرصة لتحقيق ذلك في ساحة المعركة، قد ترضى روسيا – مؤقتًا – بممارسة السيطرة من خلال التهديد بتجدد العدوان.”

وتابع “قد يمنح وقف إطلاق النار روسيا درجة السيطرة التي تسعى إليها على أوكرانيا، شريطة ألا تُشكّل شروطه رادعًا حقيقيًا ضد تجدد العدوان.”

المحادثات مستمرة
المحادثات مستمرة

إن الهمهمات حول نشر قوة أوروبية في أوكرانيا قد تكون جزءاً من حسابات موسكو، كما كتب غرين “إذا كانت موسكو تعتقد أن أوروبا جادة بشأن إرسال قوات برية، فقد تتحرك من أجل وقف إطلاق النار قبل أن تتمكن أوروبا من تنظيم صفوفها، ثم تجعل غياب القوات شرطاً للحفاظ على وقف إطلاق النار.”

وأشار مارك غاليوتي، الخبير في الشؤون الروسية والأستاذ الفخري في كلية الدراسات السلافية وأوروبا الشرقية بجامعة لندن، إلى أن بوتين يواجه خيارًا صعبًا.

وكتب في مجلة “ذا سبيكتاتور”، “يزعم المتشددون بالفعل أن هذا يعني تبديد الزخم الحالي لروسيا” في ساحة المعركة. “وفي الوقت نفسه، فإن الرفض سيُضيّع الفرصة الاستثنائية التي منحها لهم ترامب لتعزيز مكاسبهم، وهم يسيطرون على خُمس أوكرانيا، وتطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة جزئيًا على الأقل.”

وكتب غاليوتي أن بوتين قد يحسب أن الموافقة على وقف إطلاق النار قد تُسهم في تخفيف العقوبات الغربية المفروضة على روسيا، ولكنه قد يخشى أيضًا من أن رفضه، على العكس من ذلك، قد يدفع ترامب إلى اتخاذ موقف أكثر صرامة تجاه موسكو.

وفي 12 مارس، قال ترامب إن الولايات المتحدة قد تفرض عقوبات إضافية على روسيا إذا ما عارضت، لكنه أضاف “آمل ألا نضطر إلى ذلك.”

وعلى غرار غيره من المحللين، توقع غاليوتي أن تضع موسكو شروطًا على أيّ اتفاق لوقف إطلاق النار، مثل انسحاب أوكرانيا من منطقة كورسك الروسية، حيث سيطرت قوات كييف على أراضٍ منذ غزوها المفاجئ في أغسطس الماضي الذي أحرج بوتين.

وكتب “قد يحاول بوتين تربيع الدائرة بالموافقة على وقف إطلاق النار بشرط انسحاب القوات الأوكرانية المتمركزة في منطقة كورسك، والتي تُدفع بالفعل للخلف، انسحابًا كاملًا من الأراضي الروسية.”

وقال سيرجي ماركوف، المستشار السابق للكرملين، إن هناك شرطًا آخر محتملًا يتمثل في تعليق المساعدات العسكرية الغربية لكييف خلال وقف إطلاق النار.

وكتب ماركوف على تيليغرام “قد لا يكون رد روسيا على اقتراح وقف إطلاق النار ‘لا‘ بل ‘نعم، ولكن‘. أي الموافقة على اقتراح هدنة لمدة 30 يومًا بشرط فرض حظر على إمدادات الأسلحة إلى أوكرانيا طوال تلك الفترة.”

ففي 12 مارس، جدد ترامب آماله في إحراز تقدم سريع في إنهاء الحرب، قائلاً “لا نريد إضاعة الوقت، فالناس يموتون.” لكن قد لا يأتي رد روسي حاسم على مقترح وقف إطلاق النار بالسرعة التي ترغب بها الولايات المتحدة وأوكرانيا.

وأفادت وكالة بلومبيرغ للأنباء في 12 مارس، نقلاً عمّن وصفتهم بأشخاص مطلعين على الوضع، بأنه “من المرجح أن يحاول بوتين إطالة أمد الجدول الزمني للموافقة على أي وقف للقتال في أوكرانيا لضمان الحصول على أفضل الشروط الممكنة لموسكو.”

وكتب غرين على موقع إكس “لم يُبدِ الكرملين أي إشارة إلى اهتمامه بوقف إطلاق النار، بل هناك الكثير من الدلائل على عدم اهتمامه.”

وأضاف “في حين أن كل ذلك قد يكون مجرد كلام فارغ، فمن المرجح أن يحاولوا جعل واشنطن تتلوى، سواء بشأن سرعة التوصل إلى اتفاق أو معالمه.”

مصالح واشنطن

قد لا يكون رد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على الاقتراح الأميركي لوقف إطلاق النار في أوكرانيا {لا} بل {نعم، ولكن}
قد لا يكون رد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على الاقتراح الأميركي لوقف إطلاق النار في أوكرانيا {لا} بل {نعم، ولكن}

من المعروف أنَّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب يريد أن يظهر نفسه كوسيط للسلام. وعلى الرغم من عدم تمكنه من الوفاء بوعده الانتخابي بإنهاء الحرب في أوكرانيا خلال 24 ساعة بعد توليه منصبه، إلا أنه نجح في زيادة الضغط على كييف وموسكو.

وفي هذا الصدد أعلن وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو في اجتماع وزراء خارجية مجموعة السبع، المنعقد في شارلوا بكندا، أنَّه سيكون “مثاليًا” إذا خرجت من هذا الاجتماع رسالة تفيد بأنَّ “الولايات المتحدة فعلت شيئًا جيدًا من أجل العالم.”

وأضاف أنَّ السلام من شأنه أيضًا أن يسهّل على ترامب خفض النفقات على المساعدات العسكرية والإنسانية لأوكرانيا.

وهذا يتوافق مع خطط ترامب الهادفة إلى تقليص حجم التزام الولايات المتحدة تجاه حلف الناتو وإجبار الدول الأوروبية الأعضاء في الحلف على زيادة نفقاتها الدفاعية.

والولايات المتحدة مهتمة أيضًا بالوصول إلى المواد الخام وأوكرانيا لديها مواد خام أحفورية مثل الغاز ومعادن مهمة. ومع ذلك فقد فشل الاتفاق بين أوكرانيا والولايات المتحدة على الموارد الطبيعية بعد الفضيحة في البيت الأبيض نهاية فبراير. ولكن في هذه الأثناء، أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي موافقته على توقيع الاتفاق.

ويخشى الخبراء من أنَّ الالتزام الذي فرضه ترامب على نفسه من خلال وعده بإنهاء الحرب بسرعة ربما يدفعه إلى تقديم تنازلات بعيدة المدى لبوتين.

7