هل تفتح الموصل أبوابها لعودة البيبون والشقائق وزنابق الربيع

الأربعاء 2017/06/28
لمن ستقرع أجراس كنائس نينوى

الموصل(العراق) - تلتقي رؤى الموصليين عند نقطة مفصلية تتعلق بتمكينهم من إدارة شؤون محافظتهم، بعد تحريرها، من منطلق أن أهل مكة أدرى بشعابها.

ويرى عدد من الأكادميين والناشطين السياسيين في تصريحات لـ”العرب” أنه من غير المعقول أن تتحرر الموصل من تنظيم داعش وممارساته الإجرامية لتقع تحت هيمنة الميليشيات الطائفية الإيرانية، بعد أن تحولت إلى مدينة أشباح مدمرة.

وتجمع مواقف المتحدثين على ضرورة وضع خطة أمنية تحسبا لحالات الانتقام التي قد تقوم بها بعض العشائر ممن فقدت أبناءها بسبب ممارسة داعش الإجرامية.

ويرى المهندس مصيب العمري، وهو ضابط سابق في الجيش العراقي، أن تدويل قضية الموصل بعد زوال تنظيم داعش منها ينبغي أن يتصدر أي رؤية جديدة توضع لمستقبل هذه المدينة.

ويبرر العمري موقفه بضعف الحكومة المركزية وعجزها عن تحقيق الأمن نتيجة عدم مهنية الأجهزة الأمنية الحالية، واستخدام الميليشيات الطائفية واستشراء الفساد الإداري.

ويقترح العمري بسط الأمن بأيدي أهل نينوى أنفسهم، وتوفير فرص العمل لإعادة إعمار المحافظة بأيدي أهلها وإنعاش الاقتصاد فيها، مع توفير الخدمات الأساسية وتحسين الأوضاع الإنسانية.

خلال الحرب فقدت الموصل أهم وأبرز مكوناتها، وهم المسيحيون الذين أخرجهم تنظيم داعش من مدينتهم ويحلم بعضهم بالعودة إليها. ويلفت الناشط السياسي المسيحي غازي إبراهيم رحو إلى حقيقة صادمة تتعلق بتراجع الوجود المسيحي بالمدينة إلى مستوى الصفر تقريبا نتيجة التهجير الواسع والإبادة اللذين مارسهما داعش.

ويبين رحو أن المسيحيين مثل سواهم من أبناء الموصل تواقون للعودة إلى التعايش مع الجميع، حفاظا على إرثهم المشترك مع المسلمين.

ويؤكد رحو أن المسيحيين في الموصل اضطروا إلى ترك مدينتهم وأموالهم وتوجهوا إلى إقليم كردستان لإنقاذ أرواحهم، مشددا على أن مناطق الموصل وقرى سهل نينوى عاشت منذ العام 2014 وضعاً مأساوياً دمر فيها الإنسان والحجر.

ويضيف رحو أنه بعد أن بدأت حرب استعادة المدينة بالتعاون بين الجيش العراقي والقوى الأمنية والشرطة بالتعاون مع القوات الكردية تحول الجانب الأيمن والموصل القديمة إلى كارثة، مما جعل من الموصل مدينة أشباح مدمرة وعانى أهلها من القنابل والصواريخ المتساقطة عليهم من جميع الأطراف المتقاتلة.

المسيحيون مثل سواهم من أبناء الموصل تواقون للعودة إلى التعايش مع الجميع حفاظا على إرثهم المشترك مع المسلمين

ويكشف الوزير الأسبق لهيئة الكهرباء العراقية المهندس سحبان فيصل محجوب أن النخب الموصلية عملت مع العديد من الأطراف والجهات حول ملف معالجة الأوضاع في محافظة نينوى بعد خروجها من سيطرة داعش، ووقف التدهور الكبير الذي أصاب الواقع الإنساني وخصوصاً معاناة النازحين.

ويشير محجوب إلى ورشة عمل تم تنظيمها، بإشراف المركز النرويجي لحل النزاعات (نوريف) خصصت لوضع الحلول العملية لمشكلات النزوح وسوف تستمر الورشة في عملها من خلال عقد اجتماع ثان لها خلال الشهر الحالي.

ونوه بأن المشاركين في هذه الدورة نخبة مختارة من الأكاديميين وشخصيات تمثل معظم أطياف وشرائح المجتمع الموصلي القومية والدينية بالإضافة إلى ممثلين عن الحكومتين المركزية والمحلية وعدد من أعضاء مجلس النواب عن نينوى.

ويخالف محجوب المتخوفين من تأثير سيطرة داعش على الحياة في مدن المحافظة، قائلا “أرى أن المواطن يعيش حالة رفض كامل لكل الأفكار والممارسات التي انتهجها داعش والتي عانى منها طيلة السنوات الثلاث الماضية”.

وشهدت محافظة نينوى منذ ستينات القرن الماضي نزوحا واسعا للأكراد من مناطقهم إليها إبان الثورة التي تزعّمها الملا مصطفى البارزاني على حكومة عبدالكريم قاسم، تلتها عمليات نزوح أخرى كلما تجدد القتال في منطقة كردستان العراق، وأصبح هؤلاء الأكراد يشعرون بأنهم جزء من أهل المنطقة ويقفون معهم للدفاع عنها.

ويثني هركي جوهر الهركي أحد شيوخ العشائر الكردية على احتضان إقليم كردستان لنازحي المناطق التي اجتاحها تنظيم داعش الإرهابي على الرغم من الأعباء الأمنية والاقتصادية التي أثقلت سلطات الإقليم متمنيا الاحتذاء بهذه البادرة كتجربة للتعايش والسلم الأهلي البعيد عن الانتقام والثأر.

تقدم الشاعرة الموصلية بشرى البستاني صورة لما يجري في الموصل الآن فتقول “إن أهل الموصل المحررة يستغيثون من ضيق ذات اليد، فهم بلا رواتب منذ أربعة وعشرين شهرا، وبعد أن تحرر الجانب الأيسر منذ شهور، ظنوا أن الفرج قادم، لكن الذي حدث أن رئيس الوزراء يعد ويأمر بالصرف ولا أحد من المسؤولين يستجيب أو ينفذ حتى شاع أمرٌ بأن الرواتب سرقها المجلسان الوزاري والنواب وهم يعملون على توظيفها لحسابهم”.

وتؤكد البستاني أن المئات من جثث المدنيين الذين قضوا بعدوان داعش أو بسلاح قطعات الجيش متناثرة في شوارع الزنجيلي وشعب الموصل يحترق بالفسفور الأبيض السام، وبيوتها التاريخية العتيقة تنهار بالأسلحة الثقيلة.

وأخطر ما تطرقت إليه البستاني قولها إن أهل مناطق الجانب الأيمن من الموصل التي تمت استعادتها غادرتها عوائلها تحت وطأة الخوف من سيطرة الميليشيات الشيعية”.

وتجنح البستاني نحو لغتها الشاعرية لتخاطب الموصل من عمان وتقول “ماذا بعد كلّ ما حدث يا مدينة الربيعين ومدينة الرماح، وعظمي الذي انكسر على ضفتك اليمنى أعرف أنه لن يلتئم في غياب الرجال، وأن شرفتك التي أقفلتها الريحُ سرق مفتاحها اللصُّ الذي خطف جسدَ نبيكِ في ليلٍ بهيم، وأن تلك الدموع المحمومة الطالعة من جحيم الألم كانت دموعي، مغتربةً تطوي المسافات لدجلتك الخالدة ولشميم ترابك الطافح بعبير الحضارات، أعرف أن الطريق إليك محاطة باللهب لكن قلبي، الذي كان عارما بالفرح وورد الصباح سيظل مفعما بحزن صامت عميق وأنت بعيدة، فافتحي الأبواب لعودة البيبون يا سيدة الشقائق وزنابق الربيع”.

6