هل تستفيد القاعدة في تونس من انتكاسة داعش

بعد المؤتمر الثالث، بدأ أنصار الشريعة باستقطاب الأفراد لتأسيس "دولة إسلامية" بعد تعرضه لهزائم متتالية وتصفية أغلب قادته ومسلحيه على الأراضي التونسية.
الجمعة 2019/03/01
أنصار الشريعة فرع داعش في تونس

يفتح ملف عودة الجهاديين التونسيين إلى بلدهم مخاوف لا تتعلق فقط باستقطاب العائدين في عمليات إرهابية انتقامية ردا على خسارات تنظيم الدولة الإسلامية الفادحة على يد قوات التحالف الدولي بالشرق الأوسط، بل أيضا بإمكانية أن تتحول تونس البلد الذي يكافح للدفاع عن هويته المنفتحة واعتداله إلى ساحة صراع حول النفوذ بين التنظيمات الإرهابية: داعش وتنظيم القاعدة، حيت ترجح توقعات أن تحدث مواجهة بين أنصار تنظيم الدولة العائدين وهو تنظيم أنصار الشريعة مع الجماعات التابعة للقاعدة التي تريد الدفاع عن وجودها وهي كتيبة عقبة بن نافع الفرع المحلي للتنظيم في تونس.

تونس- بينما تنظيم الدولة الإسلامية يخسر أراضيه في العراق وسوريا منذ ربيع سنة 2015، عبّر محللون في شؤون الحركات الجهادية العالمية عن احتمال استفادة تنظيم القاعدة من أخطاء تنظيم الدولة الإسلامية، خاصة في منطقة شمال أفريقيا، حيث تنشط كتائب وجماعات تبايع التنظيم الجهادي الأم.

لكن، وبينما يتوجه البعض من المحللين إلى التحذير من خطر استقطاب تنظيم القاعدة للمقاتلين العائدين الذين يمكن أن يشكلوا جيلا هجينا من الجهاديين، يجمع بين توحش تنظيم داعش وتوجه تنظيم القاعدة، يذهب باحثون آخرون إلى توقع مواجهة بين أنصار داعش العائدين والجماعات التابعة للقاعدة، خاصة في المجتمعات الجهادية الناشئة، على غرار المجتمع التونسي.

يميل إلى هذه القراءة هارون زيلين، الخبير في الجماعات الجهادية العربية السنية في شمال أفريقيا، الذي أصدر مؤخرا دراسة، نشرت ضمن أحدث أعداد دورية مقاربات حول الإرهاب، تركز على الجهادية في تونس، وكيف يمكن أن يتحول أكثر بلد انفتاحا في العالم العربي إلى ساحة صراع ونفوذ بين داعش والقاعدة، منطلقا من المقارنة بين تنظيم أنصار الشريعة، الموالي لداعش، وكتيبة عقبة بن نافع، الفرع الرسمي لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي بتونس.

وتقدر الأمم المتحدة أن حوالي 5.500 تونسي غادروا البلاد للانضمام إلى تنظيمي داعش والقاعدة في سوريت والعراق وليبيا. وعاد أكثر من ألف إرهابي من مناطق النزاع إلى تونس ، حسب ما كشفه أحد كبار المسؤولين الأمنيين في البلاد. و قال مختار بن نصر، رئيس اللجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب، إن "هذا العدد يشير إلى المشتبه بهم من (الجهاديين) الذين عادوا إلى تونس منذ عام 2011 .

كتيبة عقبة بن نافع

كتيبة عقبة بن نافع تستميت لإعلان وجودها والدفاع عن بقائها
كتيبة عقبة بن نافع تستميت لإعلان وجودها والدفاع عن بقائها

عند الحديث عن الجهادية في تونس، لا تركز التحليلات عادة على كتيبة عقبة بن نافع. واكتفى العديد من الباحثين بالإشارة إليها في مقالات حول تنظيم القاعدة في تونس رغم أن هذا الفرع المحلّي لتنظيم القاعدة هو الأكثر نشاطا في تونس، حيث يقف وراء أغلب الهجمات الإرهابية الدموية التي استهدفت البلاد خلال السنوات الماضية.

كانت أولى العمليات الإرهابية التي تبنتها كتيبة عقبة بن نافع في ديسمبر 2012، عندما تم قتل الوكيل بالحرس أنيس الجلاصي في مدينة القصرين، ثم تلتها عدة عمليات بين 2013 و2015. ثم اختفت المجموعة لأكثر من عام، لتعود إلى الظهور في أغسطس 2016 عندها تبنت مقتل 3 عسكريين وإصابة 9 آخرين في جبل سمامة بمدينة القصرين على الحدود مع الجزائر.

وخلال العامين الماضيين، واجه التنظيم حصارا شديدا على معاقله في الجبال، وتعرّض إلى هزائم متتالية، بعد تصفية أغلب قادته ومسلحيه على الأراضي التونسية. لكن، رغم ما تلقته من ضربات، لا تزال كتيبة عقبة بن نافع تستميت لإعلان وجودها والدفاع عن بقائها، خاصة في ظل صراع وجودي مرتقب بين أنصار القاعدة وأنصار داعش في المنطقة الأفريقية.

لكن، لا يبدو الأمر سهلا بالنسبة لكتيبة عقبة بن نافع. ويرجع زيلين ذلك إلى انعزال شبكة كتيبة عقبة بن نافع، وتجارب الجهاديين التونسيين المتغيرة منذ الانتفاضات العربية، وعدم قدرة كتيبة عقبة بن نافع على مواءمة أهدافها مع أنشطتها على أرض الواقع، مما كلفها فقدان قلوب ودعم السكان المحليين.

وتعتبر كتيبة عقبة بن نافع، التي تقودها في الغالب قيادات جزائرية، غير مرتبطة بالحركة الجهادية التونسية، ولا تعتبر طريقة عملها مبتكرة، كما تدفع وتنفر السكان المحليين الذين تحاول كسبهم.

ويقول زيلين “قد يجادل البعض بأن هذه هي حالة داعش في تونس أيضا. لكن على عكس القاعدة، لم يزعم داعش أبدا أنه يحاول كسب قلوب السكان. علاوة على ذلك، نجد معظم السجناء من الجهاديين التونسيين مؤيدين لتنظيم الدولة الإسلامية، مما يسلط الضوء على عدم وجود دعم أوسع للكتيبة في البلاد”.

عزلة الكتيبة

هارون زيلين: كتيبة عقبة بن نافع لم تجد  أرضا خصبة لتجنيد واختراق الأوساط المحلية بسهولة. وبدلا من ذلك، وجدت نفسها محصورة في مناطق جبلية
هارون زيلين: كتيبة عقبة بن نافع لم تجد  أرضا خصبة لتجنيد واختراق الأوساط المحلية بسهولة. وبدلا من ذلك، وجدت نفسها محصورة في مناطق جبلية

تموقعت كتيبة عقبة بن نافع في مناطق لا تملك ارتباطا تاريخيا مع النشاط الجهادي، بينما شنّت الجماعات السابقة لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، الجماعة السلفية للدعوة والقتال والجماعة الإسلامية المسلحة، هجمات على طول الحدود الجزائرية التونسية ثلاث مرات بين 1995 و2001، كانت معظم الشبكات الجهادية التونسية التاريخية أقرب إلى المنطقة الساحلية (أريانة، وبنزرت، وتونس العاصمة) والحدود الليبية (بن قردان).

وتعانق كتيبة عقبة بن نافع الحدود الجزائرية في القصرين، وتتواجد بنسبة أقل في الكاف وجندوبة. علاوة على ذلك، في أعقاب الثورة التونسية عندما كان تنظيم أنصار الشريعة نشطا، ويبني فروعا محلية في مختلف المحافظات والمدن والقرى، كانت مناطق تحصّن كتيبة عقبة بن نافع الأقل نشاطا، ولم تتغلغل تلك المواقع ضمن الشبكات الجهادية.

لذلك، لم تجد كتيبة عقبة بن نافع أرضا خصبة لتجنيد واختراق الأوساط المحلية بسهولة. وبدلا من ذلك، وجدت نفسها محصورة في مناطق جبلية في جبل الشعانبي وجبل سمّامة. ويلفت زيلين إلى أن أنصار الشريعة تفوق على كتيبة عقبة بن نافع على مستوى التجنيد، حيث نشط أنصار الشريعة في عمليات تجنيد للمقتالين وإرسالهم إلى ليبيا وسوريا للانضمام إلى صفوف داعش.

 لتحقيق ذلك، اعتمد تنظيم أنصار الشريعة منفذا إعلاميا عبر الإنترنت يسمى “شباب التوحيد” وهو شبكة من التونسيين المناصرين لتنظيم الدولة الإسلامية، سبق وأن انظموا إلى جماعة أنصار الشريعة قبل أن يتم تصنيفها منظمة إرهابية في سنة 2013.

ويشير زيلين، عند هذه النقطة، إلى أنه اعتقد في ذلك الوقت أن شبكة شباب التوحيد ليست إلا حلّة جديدة لأنصار الشريعة التي كانت تحاول إعادة تنظيم نفسها محليا بعد تصنيفها، لكن تبين له بعد الدراسة والتحليل أن هذا التنظيم كان هيكل تعبئة لتجنيد المقاتلين الأجانب، ولإبعاد أعضاء أنصار الشريعة من القاعدة إلى صفوف داعش.

كما كانت شبكة شباب التوحيد المكان الذي بايع فيه القيادي في أنصار الشريعة كمال زروق، أبا بكر البغدادي. نتيجة لذلك، أصبح جزء كبير من القوات المقاتلة الأجنبية التونسية في الخارج مؤيّدا لداعش وانشقّ عن فروع القاعدة في سوريا (جبهة النصرة) وليبيا.

ساعدت هذه الشبكات، خاصة تلك المرتبطة بمخيمات تدريب الجهاديين التونسيين في صبراتة، في إثراء فرع داعش في تونس، وتدريب الأفراد المسؤولين عن هجوم متحف باردو وشاطئ سوسة، والهجوم الذي استهدف حافلة للأمن الرئاسي بتونس العاصمة، ومحاولة الاستيلاء على بن قردان في 2015-2016.

صعّبت هذه العوامل مهمة كتيبة عقبة بن نافع في تجنيد التونسيين للانضمام إليها في قواعدها الجبلية وفي أجزاء أخرى من البلاد.

وكانت الكتيبة تتعامل بعقلية ما قبل 2011، في تونس، حيث لم يكن المشهد الجديد الذي ظهر في تونس بعد الثورة مألوفا لقادة الجماعة، الذين كانوا يعتمدون على منهجية فرع القاعدة في الجزائر، المبني على مجموعات من الخلايا التي تضع الكمائن وتتحصّن في المناطق الريفية والجبلية.

تقدم أنصار الشريعة

كفة معركة النفوذ تميل لصالح أنصار الشريعة
كفة معركة النفوذ تميل لصالح أنصار الشريعة

تاريخيا، في العالم العربي، ارتبطت معظم الجماعات الجهادية بعمليات إرهابية. وكانت الأدوات التي يمكن أن يستخدمها الجهاديون في محاولة دفع رسالتهم ومحاولة تنفيذ رؤيتهم للمجتمع محدودة. وكانت هذه المجموعات تعمل بشكل سري. لذلك، لم تكن قريبة من السكان المحليين، خاصة في دولة مثل تونس، مما صعّب تقدمها إلى ما بعد مرحلة العنف.

تغيرت هذه الديناميكية مع بداية الانتفاضات العربية، التي سمحت للجماعات الجهادية بتوسيع نطاق أعمالها بسبب فتح الساحات العامة والملاذات الآمنة التي تسيطر عليها المنظمات الجهادية.

مثل كل هذا تحولا نموذجيا، ودفع بالجماعات الجهادية إلى الأمام بسبب توفر فرص التواصل المباشر مع السكان المحليين وجها لوجه، عوض الاعتماد الكلي على مقاطع الفيديو على الإنترنت. استقطبت هذه الظروف الجديدة مجموعة أكبر من الأفراد إلى عدد من المنظمات الجهادية، لم تكن لتنضم إليها لو كانت حركة عنيفة سرية. لذلك، تغيرت التوقعات داخل الحركة الأوسع لتفرض نوعا معينا من العمليات التنظيمية. ولم تقتصر الجماعات الجهادية على الحديث عن تطبيق نوع من الرؤية الدينية في وقت ما في المستقبل، بل نفذت ذلك في العالم الحقيقي بدرجات متفاوتة.

في تونس، بنى تنظيم أنصار الشريعة شبكة واسعة من الأعمال والأنشطة القائمة على التوعية وتقديم الخدمات. ونشط بشكل كبير بين سنتي 2011 و2013.

ويقول زيلين في هذا السياق إنه من المهم ملاحظة أن بناء “دولة إسلامية” هو إطار تحفيزي رئيسي تستخدمه جماعة أنصار الشريعة لتشجيع الناس على الانضمام إلى مجموعتها. كانت هذه النقطة مهمة للجماعة حتى أنها قدمت مؤتمرها السنوي الثاني، الذي أجري في مايو 2012، كـ”حجر أساس في مشروع إنشاء دولة الخلافة”.

ساهمت عزلة كتيبة عقبة بن نافع، وتغيير خبرات الجهاديين التونسيين، وعجز الجماعة التابعة للقاعدة التي تمنع إراقة دماء المسلمين الأبرياء، في خسارة الجماعة لدعم السكان المحليين

 علاوة على ذلك، كان المؤتمر السنوي الثالث، الذي نظّم بعد ذلك بسنة، تحت عنوان “مؤيدو القانون الإسلامي… الدولة الإسلامية التي نبنيها”، مما أشار إلى أن الدولة لم تعد هدفا للمستقبل، وإنما أصبحت عملية بدأها أنصار الشريعة بالفعل.

بعد المؤتمر الثالث، بدأ أنصار الشريعة باستخدام شعار “نحن نبني الدولة الإسلامية” للدلالة على عمليتهم الجارية، واستقطاب الأفراد للانضمام إلى “المشروع التاريخي”. وتعد هذه الاستراتيجية أداة لتعزيز الإحساس بأهمية الفرد الذي يمكن أن يكون جزءا من مشروع أكبر من نفسه: إعادة تأسيس “دولة إسلامية” في تونس.

لذلك، أصبح نفس هؤلاء الشباب، من ذوي المهارات والرغبة في رد الجميل لمجتمعهم الإسلامي، يشعرون بقدرتهم على تحقيق ذلك. وقد سعت جماعة أنصار الشريعة إلى مقارنة هذا الشعور مع المشاعر التي أثارتها الحكومة الرسمية “الفاسدة” التي لا تريد تمكينهم.

أبرز ذلك أهمية تكريم المشاركين في مثل هذا العمل. كما ساعد في تقديم دليل (عن طريق نشر جميع أنشطة الجماعة على صفحتها الرسمية على فيسبوك) على أنهم يعملون على تقديم الأعمال والخدمات في مختلف المناطق التونسية. وكلما زادت الأنشطة الخيرية والتواصلية التي تنظمها الجماعة، زاد عدد الأفراد المنضمين إليها، مما يسمح لها بتنظيم وتسيير المزيد من الأنشطة في أماكن أخرى من البلاد.

يساعد هذا في تقديم تفسير لسهولة انضمام العديد من الأفراد إلى داعش. إذ يرى العديد من الجهاديين التونسيين تنظيم الدولة الإسلامية كاستمرار لأنشطتهم في تونس. ونقل زيلين عن أحد المصادر من أنصار الشريعة “أن الدعوة مستمرة، إنه عمل عالمي، لا يقتصر على تونس”.

علاوة على ذلك، يرى الأفراد التابعون للجماعات الجهادية أنشطتهم كجزء من مشروع تاريخي هادف إلى إعادة تأسيس الخلافة. ونتيجة لذلك، اعتاد الجهاديون التونسيون على نوع معين من الجهادية، يشمل التوعية والخدمة السكانية، ولا يقتصر على أوجه الحركات العنيفة.

القاعدة في تونس لن تكون قادرة على الاستفادة من انتكاسات الدولة الإسلامية، وسط توقعات بصراع وجودي بين أنصارها وأنصار تنظيم داعش في المنطقة الأفريقية
القاعدة في تونس لن تكون قادرة على الاستفادة من انتكاسات الدولة الإسلامية، وسط توقعات بصراع وجودي بين أنصارها وأنصار تنظيم داعش في المنطقة الأفريقية

تمثل هذه العملية التاريخية، خاصة مع تجربة الحركة الجهادية التونسية منذ الثورة التونسية، مفتاحا لفهم فشل كتيبة عقبة بن نافع في تحقيق شعبية لدى السكان المحليين. إذ لا تتوافق الأيديولوجية التي تقدمها مع ما يجري على أرض الواقع.

ساهمت عزلة كتيبة عقبة بن نافع، وتغيير خبرات الجهاديين التونسيين، وعجز الجماعة التابعة للقاعدة التي تمنع إراقة دماء المسلمين الأبرياء، في خسارة الجماعة لدعم السكان المحليين.

حتى ولو شملت رسالة الجماعة مواضيع جذابة مثل عدم المساواة الاقتصادية أو الإمبريالية أو نقاط حوارية اجتماعية تتعلق بمعارضة قضايا مثل المساواة في الميراث بين الجنسين، يصبح كل هذا غير مجد عندما تعزل الكتيبة السكان الذين تحاول الحصول على الدعم منهم.

ويشير زيلين هنا إلى أن هذا هو الحال بالنسبة للمجموعات التابعة لتنظيم القاعدة، والتي تحاول أن تميز نفسها عن التجاوزات الجهادية السابقة من خلال إظهار مؤسسة جهادية أكثر ترحيبا، عبر المبادئ التوجيهية لأيمن الظواهري.

ويخلص هارون زيلين إلى أنه من غير المحتمل أن تستفيد كتيبة عقبة بن نافع من خسائر تنظيم الدولة الإسلامية، رغم قابلية بقاء القاعدة في أعقاب خسائر تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وليبيا وسوريا.

6