هل تستطيع إسرائيل خوض حرب طويلة الأمد

الجيش الإسرائيلي حتى لو تمكن من احتلال كامل قطاع غزة فإن قدرته على البقاء في القطاع لمدة طويلة تبقى محل شك.
الجمعة 2023/10/13
مدة الحرب مرتبطة بأهداف إسرائيل

القدس - يثير إعلان إسرائيل الحرب رسميا واستدعاء نحو 360 ألفا من جنود الاحتياط تساؤلات حول مدى قدرتها على خوض حرب طويلة دون أن يتعرض اقتصادها ومرافقها الخدمية لأضرار كبيرة.

ويقول مراقبون إن جنود الاحتياط هم مدنيون يعملون في قطاعات صناعية وزراعية وخدمية مختلفة، وإن انقطاعهم عن أعمالهم لفترة طويلة من شأنه أن يؤدي إلى تضررها بصورة كبيرة.

ويمثل جيش الاحتياط في المتوسط نحو 65 في المئة من إجمالي أفراد الجيش الإسرائيلي، وفق مركز القدس للدراسات السياسية (مقره بيروت)، أي أنه يمثل العمود الفقري للجيش.

ويتم استدعاء كافة الرجال المؤهلين إلى الاحتياط مرة في السنة، ولفترة معدلها 26 يوما للجنود و24 يوما للضباط، وفق مدير برنامج دراسات الأمن الوطني بجامعة حيفا الإسرائيلية جبرائيل بن دور.

وتنبني عقيدة الجيش الإسرائيلي على نظرية "أمة تحت السلاح" التي تعني التجنيد العام للرجال والنساء مع بعض الاستثناءات، انطلاقا من اعتقاد أن عدد سكان إسرائيل (نحو 8.9 ملايين نسمة) صغير مقارنة بدول الجوار العربية على رأسها مصر (أكثر من 105 ملايين نسمة).

جنود الاحتياط مدنيون يعملون في قطاعات صناعية وزراعية وخدمية مختلفة وإن انقطاعهم عن أعمالهم لفترة طويلة من شأنه أن يؤدي إلى تضررها
◙ جنود الاحتياط مدنيون يعملون في قطاعات صناعية وزراعية وخدمية مختلفة وإن انقطاعهم عن أعمالهم لفترة طويلة من شأنه أن يؤدي إلى تضررها

ولذلك يتم استدعاء كل الرجال والنساء القادرين على حمل السلاح لتعويض النقص في عدد السكان والقدرات البشرية. ووفق موقع "غلوبل فاير باور" الأميركي، فإن عدد القوات الإسرائيلية العاملة يبلغ 173 ألف عسكري، بينما يصل عدد قوات الاحتياط إلى 465 ألفا.

أي أن تل أبيب استدعت نحو ثلاثة أرباع قوات الاحتياط، بينما عدد سكان غزة لا يتجاوز مليوني نسمة، أي أقل من ربع عدد سكان إسرائيل، ومع ذلك يتم حشد أكثر 530 ألف عسكري لقتال بضعة آلاف من المسلحين التابعين لكتائب القسام، الجناح العسكري حركة حماس الفلسطينية.

ولا توجد أرقام محددة لعدد أفراد كتائب القسام، لكن بعض التقديرات تقول إنه يتجاوز 20 ألف مسلح، وقد يصل إلى 50 ألفا عند التعبئة. وتعكس الأرقام عدم توازن القوة بين الجيش الإسرائيلي وكتائب القسام من ناحية العدد، دون الحديث عن نوعية السلاح الذي تتفوق فيه تل أبيب بشكل واضح.

وما يدعو إلى التساؤل لماذا يتم حشد كل هذا العدد من العسكريين وتعريض توازن إسرائيل للاختلال واقتصادها لأضرار كبيرة أمام قوة أصغر عددا وعدة؟ وللإجابة عن السؤال، يجب البحث في الأهداف من الحرب، فهيبة إسرائيل والأهم من ذلك قدرتها على الردع انهارت.

فبعد هجوم كتائب القسام على مستوطنات غلاف غزة في 7 أكتوبر الجاري، تداعت مرة أخرى هيبة الجيش الإسرائيلي وقدراته الاستخباراتية. لذلك ليس من المستبعد، استنادا إلى عدة تقارير إخبارية، أن تلجأ حكومة بنيامين نتنياهو إلى القوة المفرطة لاستعادة قوة الردع الإقليمية.

ويتحدث مسؤولون إسرائيليون عن حرب تدوم أسابيع، ما يؤكد أنهم لن يكتفوا بتطهير مستوطنات غلاف غزة من مقاتلي كتائب القسام، بل سيقومون بمحاولة اجتياح القطاع، لكن ليس بالضرورة أن يكون ذلك إعادة احتلاله.

ووفق السيناريو المطروح، فإن الحرب ستدوم أسابيع، أخذا بعين الاعتبار الحرب على غزة في عام 2014، والتي استغرقت 50 يوما (من 8 يوليو إلى غاية 26 أغسطس).

وأما حرب لبنان 2006 فاستغرقت نحو 34 يوما (من 12 يوليو إلى 14 أغسطس)، فإسرائيل اعتادت على الحروب القصيرة التي لم تستغرق في حرب 1967 سوى ستة أيام.

وحتى حرب أكتوبر 1973، التي تمكن خلالها الجيش المصري من عبور خط بارليف الدفاعي لم تستغرق سوى 20 يوما (من 6 إلى 25 أكتوبر).

ونظرا لإدراك قادة الجيش المصري عدم قدرة الجيش الإسرائيلي على استدعاء جيش الاحتياط لأشهر طويلة، لأنه يمثل القوة العاملة التي يقوم عليها اقتصاد البلاد، أطلقوا ما أسموه "حرب الاستنزاف"، بهدف إنهاك القوات الإسرائيلية واستنزافها على الصعيدين العسكري والاقتصادي. إلا أن حرب غزة 2023 تختلف عما سبق، فهي المرة الأولى منذ نصف قرن التي تعلن فيها إسرائيل الحرب “رسميا”.

كما أن دعوة متحدث عسكري إسرائيلي سكان غزة للفرار إلى سيناء قبل أن يتم نفيها لاحقا بعد ردة فعل مصر الرافضة لسيناريو إقامة جيب فلسطيني داخل أراضيها، تعكس رغبة إسرائيلية في إعادة احتلال القطاع، والقضاء على حماس وجناحها العسكري، وبقية الحركات الفلسطينية الأخرى وعلى رأسها حركة الجهاد الإسلامي.

وهذا السيناريو يتطلب اجتياحا بريا، وخوض حرب مدن، خاصة أن نظرية الحروب التي تحسم جوا التي نجحت ضد صربيا في 1999، لم تنجح لا في جنوب لبنان ولا في غزة خلال السنوات العشرين الأخيرة.

◙ الأرقام تعكس عدم توازن القوة بين الجيش الإسرائيلي وكتائب القسام من ناحية العدد دون الحديث عن نوعية السلاح الذي تتفوق فيه تل أبيب بشكل واضح

فالحركات الفلسطينية أكثر قدرة على الصمود من الجيوش النظامية، وهو ما أجبر تل أبيب على خوض حروب برية في غزة رغم تسيدها سماء المعركة، إلا أنها في كل مرة تضطر للانسحاب نظرا إلى حساسيتها للخسائر البشرية، وتضطر بعدها للتفاوض مع حماس حول تبادل الأسرى.

ولذلك فمحاولة الجيش الإسرائيلي التوغل داخل مدن وأحياء غزة من شأنه رفع الكلفة البشرية للحرب وإطالة زمنها، لأنه سيضع قواته ومدرعاته تحت مدى أسلحة مقاتلي حماس، ما يلغي التفوق التكنولوجي للجيش الإسرائيلي ويجعل القتال من المسافة صفر.

وحتى لو تمكن الجيش الإسرائيلي من احتلال كامل غزة، فإن قدرته على البقاء في القطاع لمدة طويلة محل شك. فمدة الحرب مرتبطة بمدى صمود الفصائل الفلسطينية وتكتيكها، وإن كانت ستخوض حرب مدن أم أنها ستفضل حرب العصابات التي لا تتطلب التمسك بالأرض، وإنما الكر والفر والكمائن.

كما ترتبط مدة الحرب بأهداف تل أبيب التي تريد استعادة قدرتها على الردع. ويتوقف مدى توسيع أو تقليص الأهداف على تطورات الحرب، وعلى وجود ضغط دولي يجبر الجيش الإسرائيلي على التوقف عن المجازر في غزة، أم أن شظايا الحرب ستطال دولًا أخرى مثل لبنان، مما قد يؤدي إلى توسيع نطاقها سواء بقصد أو بدونه.

 

اقرأ أيضا: 

      • هل تغيّر الحرب توازنات المنطقة لصالح حماس وحزب الله

6