هل ترافق الاحتفال الأول بيوم تأسيس السعودية الجديد قرارات إصلاحية أخرى

تتصاعد التكهنات بأن يشهد الثاني والعشرون من فبراير المقبل الذي يصادف يوم تأسيس السعودية الجديد، الإعلان عن خطوات إصلاحية جديدة من شأنها أن تزيد من إضعاف وتقليص نفوذ الوهابية، خاصة أن تغيير يوم تأسيس المملكة يعتبر في حد ذاته خطوة تستهدف إضعاف المؤسسة الوهابية وفقا لمراقبين، يرون أن الإصلاحات التي يقودها الأمير محمد بن سلمان تحتّم على الولايات المتحدة فتح قنوات التواصل المباشر معه، خاصة أنه منذ وصول جو بايدن إلى الرئاسة الأميركية لم يتم إجراء محادثات بين الطرفين.
الرياض – تحتفل المملكة العربية السعودية في الثاني والعشرين من فبراير الجاري بيوم تأسيسها الجديد، وسط ترقب لما ستحمله تلك الاحتفالات من قرارات سياسية، خاصة في ظل تكهنات بأن تكون تلك القرارات متصلة بإصلاحات جديدة.
وقامت السعودية منذ تولي ولي العهد محمد بن سلمان قيادة البلاد في انتظار اعتلائه رسميا العرش، بتغييرات عميقة أدت إلى تقليص نفوذ الوهابية وتهميش عدة هيئات دينية على غرار هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لكن تلك الإصلاحات لا تقتصر على المجال الديني، حيث تمتد إلى أكثر من مجال آخر مثل القضاء والأمن وغيرهما.
ولطالما اعتبر الأمير محمد بن سلمان الحاكم الفعلي للسعودية منذ تعيينه وليا للعهد في يونيو 2017، حيث بات يقوم بهندسة السياسات المحلية والخارجية أيضا، من خلال استقبال وإجراء محادثات مع زعماء الدول الأجنبية وغيرها.
إصلاحات عميقة
نجح الأمير محمد بن سلمان منذ بدء قيادته للسعودية في إقرار إصلاحات جريئة في محاولة لإنهاء سطوة رجال الدين، لكن الإصلاحات لم تتوقف على المجال الديني، حيث كشف القرار الأخير المتعلق بتغيير يوم تأسيس المملكة أن الإصلاحات تتعلق أيضا بمراجعة تاريخها.
سايمون هندرسون: تعديل تاريخ تأسيس السعودية خطوة تضعف الوهابية
قررت السعودية في وقت سابق اعتبار يوم الثاني والعشرين من فبراير من كل عام يوما لذكرى تأسيس الدولة السعودية باسم “يوم التأسيس” وجعله عطلة رسمية.
وجاء في بيان للديوان الملكي السعودي “بما أن منتصف عام 1139 الموافق لشهر فبراير من عام 1727 هو بدء عهد الإمام محمد بن سعود وتأسيسه للدولة السعودية الأولى، أمرنا أن يكون يوم الثاني والعشرين من فبراير من كل عام يوما لذكرى تأسيس الدولة السعودية، باسم ‘يوم التأسيس’، ويصبح إجازة رسمية”.
ويرى مراقبون أن السعودية بقيادة الأمير محمد بن سلمان لا تقوم بإعادة كتابة تاريخها برمته، ولكنها تقوم بتعديله في سياق خطواتها الإصلاحية.
وقال سايمون هندرسون، وهو زميل في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى ومدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في المعهد، إن “الحكومة السعودية ربما لا تعيد كتابة التاريخ بالكامل، إلّا أنه من المؤكد أنها تعمل على تعديله. وترد على الموقع الإلكتروني التابع للسفارة السعودية في العاصمة واشنطن، الذي تم الاطلاع عليه في التاسع والعشرين من يناير، السطور التالية حول تاريخ الدولة السعودية الأولى: عقدَ محمد بن عبدالوهاب ومحمد بن سعود اتفاقا من أجل تكريس نفسيهما لإعادة التعاليم الإسلامية النقية إلى المجتمع المسلم. ومن هذا المنطلق، أسس بن سعود الدولة السعودية الأولى، التي ازدهرت في ظل الإرشاد الروحي الذي قدّمه بن عبدالوهاب، المعروف ببساطة بلقب الشيخ”.
وتابع أن “بحلول التاسع من فبراير، أصبح هذا الجزء نفسه من الموقع الإلكتروني: ومن هذا المنطلق، أسس بن سعود الدولة السعودية الأولى عام 1727، التي ازدهرت في ظل الإرشاد الروحي الذي قدّمه بن عبدالوهاب، المعروف ببساطة بلقب الشيخ”.
ويرى هندرسون أن هذه الخطوة تضعف المؤسسة الدينية الوهابية أكثر في مواجهة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي العهد.
واشنطن والإصلاحات الجديدة
مع إقرار تغيير يوم تأسيس المملكة يتقرب السعوديون إصلاحات جديدة بدأت تلوح في الأفق، خاصة في ظل القناعة التي ترسخت لدى الأمير محمد بن سلمان بضرورة تحقيق المزيد من الانفتاح في شتى المجالات، لكن الإصلاحات المرتقبة ستزيد من إضعاف علاقة الحكومة في الرياض برجال الدين والمؤسسة الوهابية.
يقول هندرسون في دراسة لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى إن “التغييرات المحتملة ستزيد من إضعاف روابط ولي العهد حتما بتيار الإسلام الأصولي في المملكة”.
ويرى مراقبون أن الإصلاحات التي تقوم بها السعودية تحتم على الولايات المتحدة فتح جسور التواصل مع ولي العهد الذي يقوم بنفسه بقيادة تلك الإصلاحات، خاصة أن الإدارة الأميركية الجديدة بقيادة جو بايدن لم تقم بأي تواصل مباشر مع الأمير محمد بن سلمان.
وكان بايدن قد قام بمكالمة هاتفية في التاسع من فبراير الجاري مع العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، ناقشا خلالها ملفات الطاقة والحرب الدائرة رحاها في اليمن وإيران.
وما يحتم أكثر ضرورة التواصل المباشر بين الأمير محمد بن سلمان وبايدن هو تحركاته على أكثر من صعيد، حيث لم تقتصر على الإصلاحات الداخلية، إذ يحاول التصدي لأجندات إيران في المنطقة التي تسعى لزعزعة استقرار المنطقة وتهديد أمنها القومي بدعمها ميليشيات إسلامية متمردة.
السعودية بقيادة الأمير محمد بن سلمان لا تقوم بإعادة كتابة تاريخها برمته، ولكنها تقوم بتعديله في سياق خطواتها الإصلاحية
وتعهد بايدن بإنهاء التفويض المطلق الذي منحه سلفه دونالد ترامب للسعودية، ولم يتواصل مباشرة بعدُ مع ولي العهد، لكنه أكّد أنه لا مفر من التعامل معه. ولطالما شدد الأمير محمد بن سلمان على أن الولايات المتحدة شريك استراتيجي، وأن الرياض ليس لديها سوى خلافات قليلة مع إدارة الرئيس بايدن، وتعمل على حلها، ملتزما بأن بلاده لا تقبل أيّ ضغوطات خارجية أو التدخل في شأنها الداخلي.
واعتبر هندرسون أن “التغييرات التي تشهدها المملكة العربية السعودية والتوترات في المنطقة، تعني للولايات المتحدة أن الوقت قد حان للتعاطي بشكل أكثر مباشرة مع الأمير محمد بن سلمان”.
وعلى موقع السفارة السعودية في الولايات المتحدة على الإنترنت، تم إدراج جميع الملوك ابتداء من عبدالعزيز تحت عنوان “الزعماء السعوديون” في لائحة تتضمن سيرهم الذاتية. وتم إدراج اسم الأمير محمد بن سلمان أيضا ضمن هذه اللائحة، لكنّ الرابط إلى سيرته الذاتية لم يبصر النور بعدُ.
وأتاحت جائحة كورونا والمخاوف على صحة العاهل السعودي (85 عاما) لابنه الشاب (36 عاما) أن يتولّى زمام الأمور في اللقاءات العلنية والاستقبالات، فيما قلّل الملك سلمان من مشاركته في التجمعات.
وعاد الملك سلمان بن عبدالعزيز مؤخرا إلى الرياض، بعد أن فرض عليه وباء كوفيد – 19 إمضاء عامين في أحد قصور نيوم، المدينة المستقبلية التي يتم بناؤها على الساحل الشمالي للبحر الأحمر، وهو ما يضاعف من التكهنات بشأن اتخاذ إعلانات جديدة في علاقة بالإصلاحات في الثاني والعشرين من فبراير الجاري.
