هل تخدم انعزالية ترامب سياسة واشنطن الخارجية

تغييرات ترامب المفاجئة في ما يتعلق بالعديد من سياسات عهد الرئيس السابق باراك أوباما ستبقى هي القاعدة.
السبت 2020/10/03
شعار ترامب "أميركا أولا" ليس بدعة انتخابية

واشنطن – تعيد انعزالية الرئيس الأميركي دونالد ترامب بعد أربع سنوات من دخوله البيت الأبيض، الجدل مرة أخرى بين المحللين بشأن ما إذا كان الأميركيون لا يزالون ملتزمين بسياسة خارجية عالمية أم أنهم باتوا مستقطبين بشكل خطير بشأن قضايا تتعلق بكيفية تعامل بلدهم مع العالم وكيف ينبغي أن تنظر البلاد إلى نفسها.

وبالنظر إلى مراجعة التاريخ ثبت أن شعار “أميركا أولا”، الذي يتبناه ترامب ليس بدعة انتخابية، بل يعود إلى القرن التاسع عشر، وتصريحاته بشأن النظام العالمي والمبادئ الرئيسية للسياسة ليست سوى نزعة قديمة من التفكير حول دور الولايات المتحدة في العالم.

وتعطي دراسة استقصائية حديثة أجراها مجلس شيكاغو للشؤون العالمية إجابة واضحة عن ذلك، فقد ثبت أن المخاوف من هروب الأميركيين إلى الانعزالية تحت حكم ترامب لا أساس لها من الصحة، إلا أن مجالات رئيسية للخلاف ظهرت بين الديمقراطيين والجمهوريين، والتي يمكن أن تسبب عدم استقرار في التعاملات الأميركية مع عالم غير مستقر.

ومنذ أن أعلن ترامب عن سعيه للترشح للرئاسة في 2015، انتقد مرارا منطق النزعة الدولية للولايات المتحدة. وقال في خطاب تنصيبه “لقد جعلنا دولا أخرى غنية، بينما تلاشت ثروة وقوة وثقة بلادنا في الأفق”. ومع ذلك لا يبدو أن معظم الأميركيين يتبنون حجته بأن العالم يستغل قوة عظمى ساذجة وسخية للغاية.

وتشير وكالة بلومبرغ استنادا إلى تلك الدراسة إلى ارتفاع عدد الأميركيين الذين يعتقدون أنه ينبغي على بلدهم أن يلعب دورا أكبر في الشؤون العالمية بعد أن وصل إلى أدنى مستوى عام 2014، بينما يرى أكثر من الثلثين تأييدهم لحلف شمال الأطلسي (ناتو) ومبدأ التشاور الوثيق مع الحلفاء.

وحتى وسط جائحة انتشرت عبر عالم مفتوح، ظل الدعم للعولمة مرتفعا كما كان في العقود القلائل الماضية، والمفارقة في رئاسة ترامب هي أنه يبدو أن الأميركيين أصبحوا أكثر التزاما بالعديد من الترتيبات والسياسات التي هاجمها.

وهناك أيضا توافق ناشئ، وإن ظل غير مكتمل، بشأن الصين، حيث تعطي الأغلبية العظمى في كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي أسبقية لعلاقات واشنطن مع الحلفاء في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، على علاقاتها مع بكين.

ومع ذلك، وبالنظر عن قرب قليلا، سيبدأ التوافق الواسع في الآراء في التبدد، وعلى وجه الخصوص هناك ثلاثة خطوط صدع حزبية في كيفية رؤية الأميركيين إلى الشؤون العالمية. ويتعلق أحد تلك الصدوع بما إذا كان ينبغي على الولايات المتحدة أن تركز بشكل رئيسي على التهديدات الأمنية “الخشنة” أو “الناعمة”.

وعلى الرغم من أن الديمقراطيين يشككون في الصين، إلا أنهم قلقون أكثر بشأن التهديدات غير التقليدية التي يمكن أن تعرض استقرار وسلامة المجتمع الأميركي للخطر دون إطلاق رصاصة مثل تغير المناخ ومرض كوفيد – 19 وآثار عدم المساواة العرقية والاقتصادية، وفي الوقت نفسه من المرجح أن يحدد الجمهوريون القضايا الأمنية التقليدية، مثل إيران والإرهاب بالإضافة إلى المهاجرين واللاجئين باعتبارها التهديدات الرئيسية للولايات المتحدة.

ويرتبط الصدع الأول بالصدع الثاني، الذي يتضمن مسألة الاعتماد على الذات مقابل التضامن. ولا يزال الديمقراطيون يميلون إلى الاعتقاد بأن الولايات المتحدة جزء من عالم أكبر ويعتقد 80 في المئة منهم أن التصدي للتهديدات العابرة للحدود مثل كورونا سيتطلب تعاونا دوليا معززا.

 العالم يدخل حقبة من الاضطرابات المستمرة في السياسة الخارجية للولايات المتحدة
 العالم يدخل حقبة من الاضطرابات المستمرة في السياسة الخارجية للولايات المتحدة

في المقابل، ترغب غالبية من الجمهوريين في اكتفاء ذاتي أكبر وتعتقد أن أفضل نهج لمواجهة المخاطر، التي يجلبها التكامل هو عزل الولايات المتحدة عن العالم بشكل أفضل.

أما خط الصدع الثالث فهو الأكثر صراحة إذ يؤمن الجمهوريون بشدة بالاستثنائية الأميركية، حيث يوافق الأغلبية منهم على أن الولايات المتحدة ليست فريدة من نوعها فحسب، بل إنها أيضا أعظم دولة في العالم. وقد تراجع الدعم الديمقراطي لهذه الفرضية في عهد ترامب.

ومن المفارقات أن ترامب جادل مرارا وتكرارا بأن بلاده ليست أفضل من القوى العالمية الأخرى حتى أنه دعا في الآونة الأخيرة إلى برنامج “للتعليم الوطني” في مدارس الدولة. وبعد أربع سنوات من مشاهدته وهو يعمل، يعد الديمقراطيون هم الأكثر اقتناعا بهذه النظرة.

ووجهة النظر المتشائمة إزاء هذه الانقسامات هي أن العالم يدخل حقبة من الاضطرابات المستمرة في السياسة الخارجية للولايات المتحدة.

ويرى محللون أنه في ظل قيادة الديمقراطيين والجمهوريين، ستظل الولايات المتحدة تقوم بدور مهم للغاية في الشؤون العالمية لكنها ستتأرجح في ما يتعلق بقضايا مثل تغير المناخ والصحة العالمية وربما حتى المشاركة في اتفاقيات ومؤسسات التجارة الدولية مثل منظمة التجارة العالمية.

ومن المرجح أن تختلف درجة تعدد الأطراف أو أحاديتها في السياسة بشكل كبير تبعا لكل إدارة، والمبادرات الكبرى التي اتخذتها إدارة واحدة قد لا تنجو من فترة الانتقال إلى إدارة أخرى.

وستصبح تغييرات ترامب المفاجئة في ما يتعلق بالعديد من سياسات عهد الرئيس السابق باراك أوباما هي القاعدة، وستكون الولايات المتحدة لاعبا مضطربا على نحو متزايد، وإن يكن قويا للغاية، وسوف يجعل الاستقطاب المحلي من الصعب تخطيط مسار ثابت ومتسق يمكن للأصدقاء والحلفاء اتباعه بثقة.

ويعتقد البعض أن الأمور لن تكون بهذا السوء فليس من المستغرب الوقوف على اختلافات حزبية وحتى اختلافات حادة داخل اتفاق أساسي حول الحاجة إلى أن تكون الولايات المتحدة نشطة عالميا.

وبعض الانقسامات التي تبدو عميقة اليوم يمكن في الواقع تجاوزها من خلال سياسة تجعل الولايات المتحدة أقل اعتمادا على الصين، على سبيل المثال، من خلال تعميق اندماجها مع الديمقراطيات الصديقة.

وقد تكون بعض الانقسامات الحالية حول ترامب، وهو رئيس فريد من نوعه، أكثر من أي شيء آخر. ولا ينبغي لأحد، بحسب مراقبين، أن يصدم إذا قرر الديمقراطيون مرة أخرى أن تصبح الولايات المتحدة دولة خاصة عندما يقودها مرة أخرى رئيس ديمقراطي.

ومن السابق لأوانه تجاهل قدرة واشنطن على تنفيذ نهج متماسك طويل الأمد تجاه عالم يعاني نقصا كبيرا في الاستقرار في الكثير من الأحيان ولكن ليس من السابق لأوانه التساؤل عما إذا كانت قوة عظمى تجد نفسها تتأرجح بسبب الانقسامات المحلية الخاصة بها قد ينتهي بها الأمر إلى المزيد من هذا التقلب.

6