هل تحتاج الكويت إلى ديون لتمويل العجز والاستثمارات

الكويت - تعتقد المعارضة في الكويت أن البلاد ليست في حاجة إلى ديون لتمويل العجز في ميزانيتها وتوفير السيولة اللازمة لبرنامج الاستثمارات الطموح الذي وعدت حكومة الشيخ أحمد نواف الأحمد بوضع ركائزه. وتتضارب التقديرات بين الخبراء الاقتصاديين حول أفضل السبل المتاحة لتنفيذ هذه الاستثمارات.
ويقول البعض إن التصنيف الائتماني للكويت عال بما يكفل لها الحصول على قروض بفوائد متدنية، وإن معظم دول العالم، غنيها وفقيرها، تلجأ إلى الديون من أجل تمويل الاستثمارات. وبافتراض أن عائد هذه الاستثمارات يتخطى تكاليف “خدمة الدين” (الفوائد + الأقساط)، فإنه يمكن للديون أن تحقق عائدات، مثلها مثل الاستثمارات الأخرى.
أما البعض الآخر فيقول إن لدى الكويت فائضا نقديا غير مستثمر لدى الهيئة العامة للاستثمار (الصندوق السيادي للكويت)، ما يغني البلاد عن أن “تخدم ديونا” لا مبرر لها. ويعني ذلك أنه يتعين على الحكومة أن تقوم باستخدام هذا الفائض النقدي أو حتى تسييل بعض الاستثمارات من أجل تغطية العجز في الميزانية وتمويل المشاريع الاستثمارية الأخرى.
ويخدم هذا التصور حقيقة أن الصندوق السيادي الكويتي الذي تبلغ موجوداته نحو 800 مليار دولار، لا يحقق عائدات تزيد عن 6 في المئة سنويا، ما يجعله واحدا من أفقر الصناديق الاستثمارية، من ناحية العائدات، رغم أنه ثالث أكبر صندوق سيادي في العالم.
ويعزو المراقبون تخلف الصندوق السيادي الكويتي عن تحقيق عائدات جديرة بالاعتبار إلى الأزمات السياسية في البلاد وتدخل الحكومة في قرارات الصندوق الاستثمارية، وتلكؤ مديري الاستثمارات في البحث عن فرص جديدة.
وأدى أحدث الاضطرابات في مسؤولية الإشراف على الصندوق إلى استقالة وزير المالية مناف الهاجري بعد مرور أقل من شهر على تشكيل الحكومة بسبب نقل تبعية الهيئة العامة للاستثمار إلى نائب رئيس الوزراء وزير النفط، وزير الدولة للشؤون الاقتصادية والاستثمار، سعد البراك. وذلك بالتزامن مع إعلان مجلس الأمة موافقته على قبول استقالة رئيس ديوان المحاسبة فيصل الشايع.
ويقول مراقبون إن معضلة الغنى ليست أقل سوءا من معضلة الفقر، من ناحيتين اثنتين على الأقل، هما: جدوى التوظيف، وإغراءات الفساد والكسل. وذلك في مقابل أن الدول الفقيرة قد تتوفر لها فرص استثمارية كبيرة، ولكن ينقصها المال، فتضطر إما إلى الاستدانة بتكاليف باهظة، أو إلى إرجاء تلك الفرص.
وتسابق الحكومة الكويتية الزمن من أجل إقرار قانون الدين العام لتمويل عجز يبلغ 26 مليار دولار. ويستهدف مشروع القانون الاستدانة بحد أقصى قدره 66 مليار دولار وسقف زمني يمتد إلى 30 عاما. وبالنظر إلى المخاوف من فشل تمرير مشروع القانون في البرلمان، حاولت اللجنة المالية البرلمانية في وقت سابق تعديل القانون فقدمت تصورا لاقتراض الحكومة نحو 10 مليارات دولار لمدة ثلاث سنوات مع فترة استحقاق تصل إلى 10 أعوام.
ويقول المراقبون إن الحكومة الكويتية تستطيع في النهاية أن تلجأ إلى خيارات بديلة من قبيل خفض سقف الدين العام، أو الاقتراض من الصندوق السيادي نفسه، بحيث تعود فوائد “خدمة الدين” إلى صالح الصندوق نفسه وليس إلى المصارف المحلية أو الأجنبية. إلا أن المعضلة الأهم تتعلق بما إذا كانت الديون تعطي ثمارا أم أنها مجرد إنفاق على الاستهلاك الحكومي الذي غالبا ما يخصص لتغطية الرواتب والامتيازات لموظفي المناصب العليا، فضلا عن الخدمات التي لا تشهد تحسنا.
وتتعدى الجدوى مجرد توظيف الديون في “الاستثمار”؛ لأن الاستثمارات محدودة الجدوى، أو التي يطغى عليها الفساد أو التي تتحول إلى سبب إضافي من أسباب الإنفاق الاستهلاكي، سرعان ما تتحول إلى عبء. وهناك الكثير مما يبرر المخاوف من أن الأسباب التي دفعت إلى العجز المتراكم في الميزانية خلال السنوات الثلاث الماضية يمكن أن تعود لتطغى على التوظيفات الجديدة للديون أو الاستثمارات المقترحة.
ويقول روبرت موجيلنيكي، وهو باحث أول مقيم يعمل في معهد دول الخليج العربية في واشنطن، إن “نقاط الضعف المعوّقة للاقتصاد الكويتي، والقيود السياسية التي تكبّل صناعة السياسات الاقتصادية، تؤدي جميعاً بالتأكيد إلى تذبذب الصورة المعهودة للهيئة العامة للاستثمار الكويتية، لاسيما من ناحية الثقة بقدرتها على المشاركة في إعطاء دفعة اقتصادية للبلاد”.
وفي ظل هذه الانطباعات المتشائمة يثير اعتزام حكومة الشيح أحمد نواف الأحمد إنشاء صندوق سيادي ثان، بقيمة 100 مليار دولار، التساؤل عما إذا كان قادرا بالفعل على تحقيق الهدف المعلن منه وهو “دفع التنمية وتعزيز النشاط الاقتصادي المحلي وتنويع الاستثمارات، في إطار خطة تمتد لأربع سنوات من 2023 إلى 2027”.
تخلف الصندوق السيادي الكويتي عن تحقيق عائدات جديرة بالاعتبار يعود إلى الأزمات السياسية في البلاد وتدخل الحكومة في قرارات الصندوق الاستثمارية
ومن المرجح أن تأتي الأموال المخصصة لهذا الصندوق (المحلي) من الصندوق السيادي نفسه. إنما مع طموحات أقل من ناحية العائدات حيث تذهب التقديرات المعلنة إلى أن “الكيان الجديد يمكن أن يحقق إيرادات سنوية تقف عند نحو 4 في المئة كحد أدنى و7 في المئة كحد أقصى، وذلك على حسب طبيعة المشروع”. وهو ما يعد هدفا متواضعا للغاية حيال ما تحققه الصناديق السيادية الأخرى. كما أن إنشاء كيان جديد يثير التخوف من إمكانية أن يصبح مؤسسة بيروقراطية زائدة عن الحاجة بوجود الصندوق السيادي نفسه.
ولكن في الوقت الذي يسود فيه انطباع أن الاستثمارات الخارجية تنطوي على وضع خاص، تعني إضافة صندوق سيادي محلي تمويل المشاريع التي ظلت معطلة، ولكن مع مخاطر أكبر، طالما أن الحكومة ستكون طرفا مباشرا فيها. ففي حين تخضع الاستثمارات الخارجية لمعايير صارمة، تقوم عليها خبرات اقتصادية موثوقة، فإن صندوقا خاضعا للسلطة السياسة ليس من المنتظر أن ينجو من اضطراباتها وتفاوت التقديرات بشأن أهمية مشاريعها، أو جدوى العائدات منها.
ومع الأخذ بعين الاعتبار أن الحكومة مازالت تبحث عن سبل لتسديد العجز في الميزانية فإن الخطط الطموحة القائلة إن برنامج الاستثمارات المحلية يشمل توظيفات تقدر بنحو 300 مليار دولار -أو تلك التي تقول إن شركة نفط الكويت تعتزم إنفاق نحو 42 مليار دولار على مشاريعها النفطية خلال السنوات الخمس القادمة حتى 2027 - 2028، أو تلك التي تتحدث عن خطط لتجهيز البنية التحتية المتكاملة لحقل الدرة البحري لإنتاج النفط والغاز- تثير التساؤل عما إذا كانت هذه المشاريع مجرد “مشاريع سياسية” لصرف الأنظار عن الأسئلة الأهم (من أين سيأتي المال؟ وما هي العائدات المتوقعة منه؟ ومن هو الطرف الذي سيكون مسؤولا عن الإشراف على الاستثمارات المعنية؟)، والامتناع عن تقديم إجابات واضحة على هذه الأسئلة يجعل الغنى يثير من المشكلات ما يبدو أن الفقر ليس ممن يعانيها.