هل تجد إسرائيل النوع المناسب من "النصر" في غزة؟

حماس لا تنظر إلى تحويلها من كيان سيادي إلى مجموعة من الخلايا باعتباره هزيمة.
الاثنين 2024/04/08
الحسم العسكري جزء من النصر

واشنطن – مع استمرار الحرب في غزة، تسعى كل من إسرائيل وحماس إلى الوصول إلى المرحلة النهائية وإعلان النصر، في حين أن الأمور قد تبدو مختلفة عندما تصمت المدافع.

وتقول نيومي نيومان، الرئيسة السابقة لوحدة الأبحاث في وكالة الأمن الإسرائيلية، في تقرير نشره معهد واشنطن، إن بعد مرور ستة أشهر منذ هجوم السابع من أكتوبر، فإن الوقت مناسب الآن لدراسة كيفية إدراك إسرائيل وحماس للنصر، وما الذي يتصوره كل جانب وما يتطلبه تحقيق النصر النظامي.

وتضيف نيومان أن النصر هو أحد الأسس الأربعة التي تقوم عليها عقيدة الأمن القومي الإسرائيلي، إلى جانب الردع والإنذار المبكر والدفاع.

وتميز العقيدة الإسرائيلية بين أربعة أنواع من النصر: النصر التكتيكي وهو إبطال قدرات العدو القتالية والنصر العملياتي وهو تفكيك نظام القتال للعدو من خلال سلسلة من الاشتباكات أو المعارك والنصر العسكري الإستراتيجي وهو إزالة التهديد العسكري لسنوات قادمة وأخيرا النصر النظامي وهو تغيير جذري للوضع الإستراتيجي سياسيا وعسكريا واقتصاديا.

وتظهر العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة أن قوات الدفاع الإسرائيلية قد حققت انتصارا تكتيكيا وعملياتيا على حماس، أي السيطرة على “المساحة المعيشية” للجماعة وحرمانها من القدرة على القتال في غزة كقوة عسكرية رسمية أو للحفاظ على نظام منظم للقيادة والسيطرة على الأرض أو تحت الأرض.

وسيحقق جيش الدفاع الإسرائيلي “نصرا عسكريا إستراتيجيا” من خلال حرمان حماس من الصواريخ والأنفاق وتصنيع الأسلحة وقدرات التهريب وتقليص التهديد على الجبهة الداخلية الإسرائيلية بشكل كبير إلى مستوى الحوادث المعزولة.

وهذه عملية طويلة ستأتي بعد النصر العملياتي من خلال سلسلة من العمليات العسكرية التي تمنع فعليا إعادة تأهيل حماس عسكريا. ولكن في نهاية المطاف، تطمح إسرائيل إلى تحقيق نصر نظامي، وهو تغيير جوهري في وضعها الإستراتيجي، من خلال إزالة التهديد الذي تفرضه حماس على المدنيين الإسرائيليين.

gg

ولن يتحقق النصر النظامي من خلال الوسائل العسكرية فحسب، بل يتطلب أيضا إجراءات سياسية ومدنية واقتصادية تؤدي تدريجيا إلى تغيير في المنطق الكامن وراء تصرفات حماس وتقليص دوافع السكان المحليين لمواصلة دعمها.

وتواجه إسرائيل حاليا قضيتين توضحان الفرق بين النصر الإستراتيجي العسكري والنصر النظامي، مما يوضح لماذا لا يمكن أن تكون الأداة العسكرية هي الأداة الوحيدة المستخدمة لإحداث التغيير:

  • بقاء قيادة حماس: لقد فقدت الحركة بالفعل عددا من كبار الشخصيات، ومن المتوقع أن تفقد أيضا نشطاء عسكريين وسياسيين رئيسيين. وهذا من شأنه أن يؤثر على قدرتها على إدارة صراع عسكري فعال ومنظم ضد إسرائيل في مختلف الساحات.

والمسؤولون مثل إسماعيل هنية وخالد مشعل هم قادة سياسيون ولن يتمكنوا من إعادة بناء البنية التحتية العسكرية في غزة، كما أن إنشاء جيل جديد من القادة العسكريين سوف يستغرق وقتا طويلا. ومع ذلك، ومن أجل الحفاظ على الإنجاز العسكري الإسرائيلي، فلا بد من ظهور قيادة سياسية بديلة في غزة بسرعة لإحداث التغيير الحكومي الضروري.

  • العملية البرية في رفح والسيطرة على طريق التهريب في ممر فيلادلفيا: تعتبر إسرائيل رفح المعقل العسكري الأخير لحماس، حيث لا تزال كتائب الحركة تعمل هناك كوحدات عسكرية منظمة. كما أنها تنظر إلى ممر فيلادلفيا باعتباره شريان الحياة للحركة، مما قد يساعدها على التعافي عسكريا في المستقبل.

وحتى الآن، قوبل تصميم إسرائيل على التحرك في رفح بمعارضة واسعة النطاق من مختلف الجهات الفاعلة، وعلى رأسها الولايات المتحدة. ويطالبون إسرائيل بالسماح للاجئين بالعودة إلى شمال غزة، على الرغم من أن إسرائيل تعتزم نقل السكان الفلسطينيين إلى منطقة المواصي شمال غرب رفح لأسباب أمنية.

لن يتحقق النصر النظامي من خلال الوسائل العسكرية فحسب، بل يتطلب أيضا إجراءات سياسية ومدنية واقتصادية
لن يتحقق النصر النظامي من خلال الوسائل العسكرية فحسب، بل يتطلب أيضا إجراءات سياسية ومدنية واقتصادية

وحذرت مصر من أنها ستعلق معاهدة السلام مع إسرائيل إذا انتقل الأشخاص الذين تم إجلاؤهم إلى أراضيها بعد العملية العسكرية الإسرائيلية، ومن المرجح أن يكون رد الأردن على العملية البرية في رفح غير موات أيضا. والسؤال الرئيسي بالنسبة لإسرائيل هو عما إذا كان النصر الإستراتيجي في احتلال رفح يستحق الثمن الذي قد تدفعه في حالة الاصطدام مع الولايات المتحدة وشركائها العرب في عملية السلام.

وحتى الآن، من غير الواضح ما الذي كان زعيم حماس يحيى السنوار يأمل في تحقيقه من خلال هجوم السابع من أكتوبر وكيف يتصور نهاية الحرب. ولكن، خلافا لإسرائيل، التي ترى أن النصر يتكون من عدة عناصر، فإن حماس، باعتبارها حركة مقاومة، تركز على عنصر واحد فقط وهو البقاء.

وفي هذا السياق، فهي لا تنظر إلى هدف إسرائيل ــ تحويل حماس من كيان سيادي إلى مجموعة من الخلايا الإرهابية ــ باعتباره هزيمة. وذلك لأن الحفاظ على السيادة ليس غاية في حد ذاته بالنسبة لحماس، بل هو وسيلة لتسهيل “المقاومة” ضد إسرائيل وتعزيز الدعم الشعبي.

ومن وجهة نظر السنوار، لا يقاس النصر بالأراضي التي تم احتلالها، أو تدمير البنية التحتية، أو وقوع إصابات، بل بقدرة الحركة على إعادة بناء بنيتها التحتية العسكرية والمدنية، وإدارة المقاومة والرأي العام، والأهم من ذلك، ممارسة النفوذ على حكم ما بعد الحرب في غزة. وبما أنه يعتقد أن النصر مضمون طالما بقيت الحركة على قيد الحياة، فهو يجري مفاوضات صعبة مع إسرائيل بشأن الرهائن، بما في ذلك المطالبة بضمانات أميركية بوقف دائم لإطلاق النار والانسحاب الإسرائيلي من غزة.

وعندما ينظر السنوار إلى إدارة حماس الشاملة للحرب في هذه المرحلة، فمن المرجح أنه يرى صورة مختلطة، لكنها تميل نحو الإيجابية.

وجلبت حماس القضية الفلسطينية إلى مركز الاهتمام في المنطقة وعلى المستوى الدولي، وكشفت نقاط ضعف إسرائيل، وألحقت الضرر بقدرتها على الردع، وأوقفت التطبيع مع المملكة العربية السعودية. وفي الوقت نفسه، تتمتع المجموعة بدعم واسع النطاق في الرأي العام الفلسطيني. ومع ذلك، لم تنجح حماس في تحقيق هدفها المتمثل في حشد “محور المقاومة”، أي الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس، وعرب إسرائيل لفتح جبهات متعددة ضد إسرائيل، وهو المبدأ المنظم للحرب الحالية.

dd

وتحتاج إسرائيل إلى نصر منهجي، وإلى عملية طويلة ومستدامة من شأنها أن تغير الواقع في غزة بشكل جذري. وسوف يكون هذا ممكنا إذا شجعت إسرائيل العمليات العسكرية التي من شأنها إضعاف حماس، وفي نفس الوقت إرساء الأساس لإنشاء قوة أمن مدنية بديلة لفرض القانون والنظام في غزة والتصدي للتهديدات الإرهابية.

ولتحقيق نصر نظامي حقيقي، ستحتاج إسرائيل إلى الحد من المعارضة – من الولايات المتحدة في المقام الأول – للإجراءات اللازمة لتحقيق هذا الهدف.

ومع ذلك، يتعين على المسؤولين الإسرائيليين أيضا أن يزيلوا العقبات التي وضعوها بأنفسهم أمام إعادة تأسيس السلطة الفلسطينية في غزة بصيغة منقحة.

وهذا من شأنه أن يتجنب حاجة إسرائيل إلى أن تصبح السلطة المدنية هناك، في حين يوفر لها المجال العسكري لمواصلة إضعاف حماس مع مرور الوقت.

وعلاوة على ذلك، من المرجح أن يؤدي مثل هذا التحول إلى حشد الولايات المتحدة والدول العربية المعتدلة لتشكيل تحالف لتحقيق المزيد من المكاسب العسكرية (على سبيل المثال، إغلاق طرق التهريب إلى السلطة الفلسطينية) والمكاسب السياسية (على سبيل المثال، تعزيز التطبيع مع المملكة العربية السعودية، وتشكيل ائتلاف ضد إيران ووكلائها).

6