هل تتسبب التهديدات اللبنانية لإسرائيل حول التنقيب عن الغاز بتوترات في المنطقة

رغم التهديدات التي أطلقها لبنان تجاه إسرائيل غداة دخول سفينة تنقيب إلى حقل كاريش من أجل التنقيب عن الغاز، إلا أن مراقبين يستبعدون أن يقود ذلك إلى نزاع أو مواجهات عسكرية بين بيروت وتل أبيب لعدة أسباب، من بينها افتقار لبنان لقوة عسكرية.
بيروت - تثير التحذيرات التي وجهها لبنان إلى إسرائيل بشأن أنشطتها التنقيبية عن الغاز في حقل يعتبره لبنان أنه يدخل في منطقته البحرية الخالصة، تساؤلات حول مآلات ذلك.
وكان وزير الدفاع اللبناني موريس سليم قد حذر الأحد عقب ساعات على وصول سفينة تابعة لشركة “إنرجين” تحمل منصة عائمة، مهمتها استخراج الغاز من حقل كاريش النفطي لصالح إسرائيل، من أن الخطوة تشكل تحديا واستفزازا للبنان، وخرقا فاضحا للاستقرار الذي تنعم به المنطقة الجنوبية من لبنان.
وقال برلمانيون ووسائل إعلام لبنانية إن السفينة دخلت حقل كاريش وتجاوزت الخط 29 الحدودي، الأمر الذي يسمح للإسرائيليين باستخراج الغاز خلال ثلاثة أشهر.
لكن الرئيس اللبناني ميشال عون طلب الأحد من قيادة الجيش تزويده بالمعطيات الدقيقة والرسمية ليتسنى له بعد ذلك اتخاذ القرار المناسب بخصوص هذا الأمر، وفق بيان.
عدم ترسيم الحدود

وائل نجم: من المستبعد أن تندلع حرب أو مواجهة الآن بين لبنان وإسرائيل
مع عودة التصعيد الأخير بين لبنان وإسرائيل حول التنقيب في حقل كاريش، يسلط الضوء من جديد على معضلة عدم تثبيت الحدود بين الطرفين.
فبين لبنان وإسرائيل منطقة متنازع عليها تبلغ 860 كيلومترا مربعا، بحسب الخرائط المودعة من جانب لبنان وإسرائيل لدى الأمم المتحدة، وتعد هذه المنطقة غنية بالنفط والغاز.
وتتخذ إسرائيل من هذه الإحداثيات حجة للتنقيب في حقل كاريش الذي يقع خارج هذه المنطقة، إنما ضمن الخط الحدودي رقم 29 الذي يعتبره وفد بيروت المفاوض حدود لبنان، لكن لم يجر إبلاغ الأمم المتحدة رسميا به.
تأتي هذه التطورات بعد نحو عام على توقف المفاوضات غير المباشرة بين بيروت وتل أبيب لترسيم الحدود البحرية، بعد عقد أربع جلسات في مقر بعثة الأمم المتحدة المؤقتة “يونيفيل” في منطقة الناقورة الحدودية.
لكن، وبحسب خبراء ومحللين، فإن احتمالات التصعيد قد تبقى محصورة ضمن المواقف السياسية وليس العسكرية، نظرا إلى أن أي تصعيد عسكري يحتاج إلى قرار إقليمي، وهذا غير متوافر حاليا، على حد قولهم.
واعتبر الكاتب والمحلل السياسي وائل نجم أن إسرائيل استفادت من مسألة عدم تثبيت الخط 29 كحدود لبنان لدى الأمم المتحدة، لذلك تريد أن تكرس أمرا واقعا عند تلك الحدود.
ولفت نجم إلى أن هذه التطورات قد تدفع بالمسؤولين اللبنانيين إلى توقيع المرسوم الحكومي رقم 6433، الذي يقضي بتعديل خط الحدود البحرية من الخط 23 إلى 29 في الخرائط المودعة لدى الأمم المتحدة.
وكان حزب الله الموالي لإيران قد لوّح باستخدام القوة في مواجهة إسرائيل بشأن هذه القضية، حيث قال الشيخ نعيم قاسم، نائب الأمين العام لحزب الله، الاثنين لوكالة رويترز إن الحزب مستعد لاتخاذ إجراءات “بما في ذلك القوة” ضد عمليات التنقيب الإسرائيلية.
وكان الأمين العام للحزب حسن نصرالله أكد في كلمة في التاسع من مايو الماضي أن حزبه قادر على منع إسرائيل من التنقيب واستخراج النفط من المنطقة المتنازع عليها.
وقال “لن تجرؤ شركة في العالم أن تأتي إلى ‘كاريش’ أو إلى أيّ مكان في المنطقة المتنازع عليها، إذا أصدر حزب الله تهديدا واضحا جديا في هذه المسألة”.
ويرى مراقبون أن تصعيد حزب الله يأتي كمحاولة منه لصرف الأنظار عن المأزق الذي تردى فيه هو وحلفاؤه، بعد خسارة الانتخابات النيابية التي جرت في مايو الماضي.
شبح الحرب بعيد

رغم التهديدات والتحذيرات من انزلاق السجال الشفوي بين بيروت وتل أبيب إلى اشتباك، إلا أن مراقبين ومحللين يستبعدون نشوب حرب بين الطرفين.
واستبعد نجم إمكانية اندلاع حرب أو مواجهة عسكرية حاليا، لأن إسرائيل حريصة على أن تقوم باستخراج الغاز وبيعه دون إحداث ضجة، ولأن “الدولة اللبنانية رسميا لا تملك القوة الكافية والقدرة لفرض معادلة الردع”.
ولفت إلى أن بلاده ستلجأ إلى القوانين الدولية التابعة للأمم المتحدة، وغالبا ما تكون هذه القوانين لصالح إسرائيل.
وينظر اللبنانيون إلى ثروتهم النفطية على أنها قد تشكل ملاذا لإنقاذ اقتصاد بلدهم الذي يعاني من نحو عامين ونصف العام أزمة اقتصادية حادة، أدت إلى انهيار مالي ومعيشي وشح في الوقود والأدوية وسلع أساسية أخرى.
ورأى المحلل السياسي توفيق شومان أن اندلاع حرب في المنطقة بحاجة إلى قرارات إقليمية ودولية، وهذا غير متوافر حاليا، لذلك يستبعد اندلاع حرب جديدة.
وقال شومان إن ما تقوم به إسرائيل بالمنطقة الحدودية البحرية هو أقرب إلى عملية الضغط، من أجل العودة إلى التفاوض وفرض شروط معينة على الجانب اللبناني.
ولفت إلى وجود مراقبة دولية شديدة للمستجدات عند الحدود الجنوبية اللبنانية من قبل الفرنسيين خصوصا والاتحاد الأوروبي عموما، معبرا عن اعتقاده بأن الأوروبيين والأميركيين ليسوا بصدد تأجيج الأمور ودفعها نحو الحرب.
ولم تسفر التراخيص التي منحتها بيروت لشركات أجنبية لاستكشاف المناطق البحرية عن أنشطة تُذكر، ولم يتم اكتشاف احتياطيات كبيرة.
ويحتاج لبنان إلى الوقود لتشغيل مولدات الطاقة. ويعتمد الكثير من اللبنانيين على مولدات خاصة محلية تعمل بالوقود النفطي، والتي لا توفر سوى ساعات قليلة من الكهرباء في اليوم.
وقال الباحث المتخصص في شؤون الطاقة والدول العربية سايمون هندرسون إن هذا الخلاف الأخير على الرغم من أنه يقتصر حاليا على المستوى الدبلوماسي، إلا أن هناك خطرا كبيرا من وقوع هجوم إرهابي أو عمل عسكري أكبر.
وتابع هندرسون في ورقة بحثية لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى أن “التوترات المتزايدة ربما تكون نتيجة جزئية لأخبار وصول الوحدة العائمة لإنتاج الغاز الطبيعي المسال وتصنيعه وتخزينه إلى شرق البحر المتوسط. وستكون عملياتها بعيدة عن الأنظار من الساحل، مما قد يسمح بتجديد الجهود الأميركية لتهدئة التوترات أو حتى حلها بعيدا عن مرأى الجماهير ومسمعهم”.