هل تتخلى مصر عن دور الفاعل الإقليمي لصالح دور الوسيط

القاهرة – تضاعف القاهرة من تحركاتها للقيام بدور الوسيط في بعض الأزمات الحالية في المنطقة وتتخلى عن دورها كفاعل إقليمي. ومنذ نجاحها في وقف الحرب على قطاع غزة في مايو الماضي وما وجدته من ترحيب دولي تسعى مصر للحفاظ على هذه المهمة وتوسيعها بما يجعلها حاضرة في الواجهة من دون تحمل تكلفة سياسية كبيرة.
وكشفت مصادر ليبية لـ”العرب” أن مصر فكرت منذ حوالي شهر في الجمع بين رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح وقائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر ورئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة، غير أن هذه المحاولة اعترضتها معوقات عديدة بسبب بعد المسافات السياسية بين أضلاع هذا المثلث.
وفكرت قوى دولية، مثل إيطاليا وفرنسا، في هذه الخطوة أيضا عندما بدأ تطبيق مخرجات اجتماع جنيف يشهد تعثرا، وبدت المصدات كبيرة وبحاجة إلى تجسير الهوة، لأن قرار اللقاء، خاصة لدى الدبيبة، ليس قرارا فرديا ويخضع إلى توازنات مختلفة.
وأكدت المصادر ذاتها أن استقبال الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الثلاثاء الماضي لكل من عقيلة وحفتر، قبل يومين من استقباله للدبيبة في القاهرة الخميس لحضور اجتماعات اللجنة المشتركة المصرية – الليبية أوحى بأن مساعي الوساطة والجمع بين الثالوث قائمة.
دور القاهرة كوسيط في الأزمة الليبية يمكن أن يكون منتجا بعد مراجعة انحيازها لعقيلة وحفتر
جاءت التحفظات من قبل الدبيبة أولا لأن عقد لقاء في الوقت الراهن في القاهرة يضع على رئيس الحكومة ضغوطا أمنية وسياسية لن يستطيع تحمل تبعاتها من جانب تركيا وحلفائه في التيار الإسلامي والميليشيات المسلحة القريبة منه، وثانيا من جانب عقيلة وحفتر اللذين يريدان وعودا قاطعة بعزم الدبيبة على عدم تعطيل الانتخابات.
ويخشى الدبيبة أن يفهم اللقاء مع عقيلة وحفتر برعاية مصرية في هذه الأجواء القاتمة على أنه قبول ضمني برؤية القاهرة التي تريد عقد الانتخابات في موعدها وتلحّ على إنهاء كافة التدخلات الخارجية وحل الميليشيات.
وأراد الدبيبة التخفيف من اتهامه المتوقع بالتخلي عن حلفائه الرئيسيين في طرابلس وأنقرة ففضل الاعتذار عن اللقاء المباشر مع عقيلة وحفتر في القاهرة، بما لا يمنع قيام مصر بتوصيل رسائل متبادلة بين الأطراف الثلاثة.
ويقول مراقبون إن القاهرة تسعى للاقتراب أكثر من الملف الليبي بتفعيل وساطتها بين أطرافه الرئيسية بعد أن أعادت صياغة تحركاتها بما مكّنها من زيادة الانفتاح على القوى الفاعلة، وأسهم التقارب مع تركيا مؤخرا في تسهيل محادثات القاهرة مع المعسكر التابع لأنقرة في طرابلس والذي كان يجد صعوبة في الحوار علنا مع مصر.
ويشير المراقبون إلى أن دور القاهرة كوسيط في الأزمة الليبية يمكن أن يكون منتجا بعد مراجعة انحيازها لعقيلة وحفتر في الشرق على حساب القوى الأخرى في الغرب، وعقب تمسكها بثوابتها في الدفع نحو الحفاظ على وحدة ليبيا واستقرارها.
هذا علاوة على بناء القاهرة لعلاقات جيدة مع قوى إقليمية ودولية أصبحت أقل انزعاجا من تدخلها بهدف ترسيخ أقدامها في المنطقة عبر تبني مقاربات لا تتعارض مع مصالح القوى الكبرى.
وترى دوائر معارضة لفكرة الوساطة أنها لا تتناسب مع حجم القاهرة في المنطقة وأنها تحصرها في نطاق ضيق يعيق تطلعاتها للقيام بدور مؤثر، فاستقبال كبار المسؤولين وتوديعهم وتقريب وجهات النظر بين القوى المتصارعة ينزع عن مصر حيويتها التاريخية ويهمل جغرافيتها السياسية ويشغلها عن دورها كفاعل.

وقال الخبير المصري في الشؤون الإقليمية جمال عبدالجواد إن مصر تلعب دورا أكبر من مجرد الوساطة في أزمات لها مصلحة مباشرة في حلها، كما هو في الأزمة الليبية التي تقوم فيها بدور مهم لإنهاء الصراع المسلح والبناء لمرحلة سياسية جديدة.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “الأمر ذاته بالنسبة إلى غزة لأن الدور المصري الحالي أكبر من مجرد وساطة بين الفلسطينيين والإسرائيليين ولديها رؤية فاعلة في إحياء عملية السلام وتشكل ثقلا يدعم قيام الدولة الفلسطينية”.
وأوضح عبدالجواد أن الدور الذي تقوم به القاهرة يتخطى الوساطة في صراعات لا تعنيها وتنخرط بشكل قوي في أزمات يمثل حلها مصلحة مباشرة لها، ولديها ميزة أنها تستطيع أن تتحدث مع أطراف مختلفة وعلى دراية بأجندات كل الأطراف.
وعززت مصر رؤيتها في مجال الوساطة عقب نجاحها الأخير في غزة وما حصدته من إطراء من قبل الولايات المتحدة وقوى متباينة شجعتها على إمكانية تمديد هذا الدور إلى ليبيا.
وتستفيد القاهرة من التطورات الإيجابية مع قطر وتركيا، فضلا عن تونس والجزائر، وحيرة المجتمع الدولي في الوصول إلى الانتخابات في الرابع والعشرين من ديسمبر المقبل والمساهمة في إنقاذ خطة الأمم المتحدة من الفشل وبالتالي عدم العودة إلى المربع الأول.
وتتحرك مصر في القضايا التي تهمها مباشرة ولها تداعيات على أمنها القومي، وبدلا من أن تتصرف كطرف رئيسي فيها بحكم القواسم المشتركة تتصرف كطرف يرمي إلى التسوية السياسية، الأمر الذي راكمته في القضية الفلسطينية ويمكن أن تظهر تجلياته بشكل كبير في الأزمة الليبية.