هل تبيع تركيا المعارضة السورية مقابل حرب الأسد على الأكراد

بوادر تغير في التعاطي التركي مع الملف السوري تلوح في الأفق مع تقدم الدبابات التركية وفصائل المعارضة السورية المدعومة من أنقرة بشكل كبير داخل الأراضي الحدودية التركية السورية، تحت غطاء إبعاد تنظيم داعش الإرهابي من شمالي سوريا، وإجباره على التراجع نحو الجنوب. كما تحدثت بعض الجهات عن تغيير آخر مفاجئ نقله تصريح رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدريم بشأن دور لبشار الأسد في المرحلة الانتقالية، في خطوات فسرها الخبراء بأنها تأتي ضمن سياسة أنقرة للموازنة بين سياستها للتقارب مع روسيا وحربها ضد الأكراد ودعمها للمعارضة السورية؛ فأنقرة لا ترغب في الاصطدام مع روسيا مرة أخرى، لكنها لن تقبل بتغيير موقفها من النظام السوري.
الخميس 2016/08/25
مناورة سياسية أم تغيير في الأولويات

باريس - لم تثر تصريحات رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدريم، قبل أيام، بأنه “يمكن أن يكون لبشار الأسد دور في القيادة الانتقالية”، قلق المعارضة السورية، ذلك أن صدى الوقائع الميدانية كان أقوى من تصريحات المسؤول التركي، الذي سبق أن قال في أول اجتماع حكومي له “سنعمل على زيادة أصدقائنا والتقليل من أعدائنا”.

وبينما أكّد قسم من المعارضة أن الأمر ليس مفاجئا لأن تركيا يمكن أن تتخلى عن عدائها للنظام السوري في حال كان ثمن استمرارها في معاداته تهديد أمنها القومي، ذهبت الأغلبية إلى اعتبار أن ما قيل كلام دبلوماسي لإرضاء الروس.

وشددت المعارضة على أن ما يجري على الأرض من دعم كبير لوجستيا وتسليحيا، لفصائل المعارضة السورية، يشير إلى عكس ما قاله رئيس الحكومة التركي، مستشهدة بالتقدم الذي حققته فصائل المعارضة السورية المدعومة من أنقرة على المناطق الحدودية التركية السورية. وتؤكد المعطيات الميدانية في سوريا أن تركيا تُقدّم بالفعل، في هذه الفترة بالذات، دعما استثنائيا لعناصر المعارضة السورية المسلحة، وتسمح لها بالانتقال من مناطق إلى أخرى عبر الأراضي التركية. وتساعد المؤسسة العسكرية التركية فصائل المعارضة في تحضير الخطط العسكرية.

ويعطي هذا الأمر انطباعا بأن تصريحات رئيس الوزراء التركي المتراخية تجاه النظام السوري ليست سوى تصريحات دبلوماسية لإرضاء الروس في هذه المرحلة الحرجة بينهما، أي أن تركيا تشدّ وترخي في لعب مكشوف على الحبلين.

مأزق تركيا

عبّر عن هذه القناعة المعارض السوري سعيد مقبل، الذي قال لـ”العرب” إن تركيا “لن تُغيّر موقفها من الأزمة السورية مهما كان الثمن، لأن تخليها عن جزء من موقفها يعني انتصارا إيرانيا، وما يتبعه من تقلّص للنفوذ التركي في كل الإقليم لحساب نفوذ إيران”.

لكن الدبلوماسي السوري المنشق عن الخارجية السورية، خالد الأيوبي، رأى عكس ذلك، وقال لـ “العرب” “بقاء بشار الأسد بالنسبة لروسيا أمر محسوم، وانخراطها العسكري المتزايد في الصراع ضد أعدائه أكبر دليل على ذلك، وكل ما ستُقدّمه روسيا هو مجموعة من الخطط السياسية لإعادة تأهيله، منها بقاؤه في المرحلة الانتقالية وأحقية ترشحه في انتخابات رئاسية بإشراف هيئة حكم انتقالي، تكون له فيها الحصة الأكبر من الأعضاء أو من المعارضين الموالين له، وهذا ما أدركته تركيا”.

تركيا مستعدة للتحالف مع أي طرف يضمن لها لجم التمدد الكردي في شمال سوريا إلا أنها لن تضحي بأهم أوراقها

ويضيف الأيوبي “أدركت تركيا أيضا محدودية خياراتها، خصوصا بعد قيام الولايات المتحدة بدعم حزب العمال الكردي، العدو اللدود لتركيا لبناء حكم ذاتي في شرق وشمال سوريا، وبالتالي فإن احتمال قبول الأتراك ببقاء الأسد وارد، إذا هو أثبت أنه قادر على تحجيم وخنق طموح الأكراد في تحقيق حكم ذاتي، وخصوصا أن إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما لم يعد يُعوّل عليها، وقد تترك حلفاءها الأكراد لمصيرهم”.

الرأي السابق لا يختلف كثيرا عن رأي المعارض السوري محمد صبرا، عضو وفد المعارضة السورية المفاوض، ورئيس حزب الجمهورية، الذي قال لـ”العرب” “للأسف، تعيش السياسة التركية الآن مأزقا استراتيجيا كبيرا، لقد كان المشهد واضحا بالنسبة لنا منذ البداية، لكن التردد الذي اتسمت به سياسة الحكومة التركية فاقم المشكلة، فنحن كنا نعلم أن الجمهورية التركية التي أقامها كمال أتاتورك قامت على رفض معاهدة سيفر، ويبدو أن السياسة الأميركية في المنطقة أعادت الإقليم إلى لحظة هذه المعاهدة، ما يعني ضمنا وضع جميع الدول على الطاولة".

ويشدد صبرا على أن "هذا المعطى لم تُدركه السياسة التركية منذ البداية، بل تعاطت مع المسألة السورية بضغط من سياسات حزب العدالة والتنمية -بنوع من النفعية- الذي رأت فيه ضمانا لنفوذ تركيا في المنطقة بعد خروج مصر وتونس وإلى حد كبير ليبيا من دول الربيع العربي، وبقي أمام تركيا التعامل مع المسألة السورية من باب دعم حركات الإسلام السياسي”.

ويضيف صبرا “لكن هذه السياسة أدت وبشكل كبير إلى إضعاف القوى الوطنية السورية وقوى الجيش الحر، الذي كان من الممكن أن يلعب دور صمام الأمان في الدفاع عن وحدة سوريا، وقد تقود براغماتية النظام التركي في الحقيقة إلى إعادة تموضعه في المسألة السورية، ليصبح فيها الأسد حليفا لتركيا. هذه التغيرات رصدها نظام الأسد وقام بقصف مدينة الحسكة كرسالة لتركيا قبل زيارة أردوغان لطهران، وأظن أن إيران ستقوم بلعب دور في طرح موضوع ترطيب الأجواء بين تركيا والأسد وسيكون هذا الملف مطروحا على الطاولة في مباحثات أردوغان في طهران، هذا مأزق استراتيجي للسياسة التركية، سيؤدي إلى زيادة تعقيد المشهد السوري وتغيير الاصطفاف”.

خالد الأيوبي: تركيا تدرك محدودية خياراتها وقد تقبل بالأسد بسبب الأكراد

معركة جرابلس

دخلت الدبابات التركية مدعومة بمقاتلات حربية وقوات خاصة وبإسناد من التحالف الدولي لمكافحة الجهاديين، إلى سوريا الاربعاء في عملية غير مسبوقة تم على إثرها طرد تنظيم الدولة الإسلامية من مدينة جرابلس السورية.

وسيطرت فصائل سورية معارضة مدعومة من تركيا على البلدة الحدودية في شمال سوريا بعد ساعات من انطلاق العملية العسكرية.

وهي المرة الثانية التي تدخل فيها القوات العسكرية التركية الأراضي السورية، لكن هذه المرة بشكل علني، حيث سبق أن تجاوزت الدبابات التركية الحدود السورية في فبراير العام الماضي حين بعملية عسكرية ليلية، نقلت خلالها رفات سلمان شاه، جدّ مؤسس الدولة العثمانية عثمان بن أرطغرول.

وستبدد سيطرة المعارضة السورية على جرابلس الكثير من هواجس الأتراك والروس، والأميركيين أيضا، الذين يخشون أن يتمرد الأكراد على سلطاتهم، كما جرى مع طالبان أفغانستان والروس، لكن من الواضح أن الأكراد يرضخون للأوامر الأميركية.

ورغم أن تركيا مستعدة للتحالف مع أي طرف، يضمن لها لجم التمدد الكردي في شمال سوريا، إلا أنها لن تُضحّي بأهم الأوراق التي بيدها، أي المعارضة السورية السياسية، وحتى المسلحة، وهي ستعمل وفق المحلل التركي وردا اوزر على التأسيس لسياسة خارجية جديدة، بعد التخلص من عهد أحمد داود أغلو، وعلى خلق توزان جديد يقوم على قاعدة ربح- ربح.

6