هل تأخرت حماس في القبول بالهدنة

في جميع الهدن التي يعقدها الخصوم بوساطات دولية أو إقليمية يعتبر عامل التوقيت بالغ الأهمية، وهو عنصر لم تحسن حماس استغلاله ما فوّت فرصة كانت في المتناول لإقرار وقف إطلاق نار يحشر رئيس الوزراء الإسرائيلي في الزاوية.
غزة - مع دخول الجيش الإسرائيلي مدينة رفح الثلاثاء وسيطرته على محور فيلادلفيا (صلاح الدين) من الجانب الفلسطيني المتاخم لمصر، تبدو فرصة الهدنة التي تحاول دول الوساطة (الولايات المتحدة، مصر، قطر) إنقاذها في الساعات الأخيرة ضئيلة.
وأعلنت حركة حماس الاثنين قبولها باتفاق صاغه الوسطاء لوقف إطلاق النار على ثلاث مراحل فيما لم تقبل إسرائيل ذلك رغم أن مصادر دبلوماسية غربية تحدثت عن أن الاتفاق المعروض على حماس عرض على القادة الإسرائيليين قبل ذلك.
ويرى محللون أن حركة حماس قد تأخرت في الاستجابة لدعوات وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن من العاصمة الأردنية عمان الأسبوع الماضي التي حض فيها الحركة على قبول الاتفاق عندما قال “لا مزيد من التأخير ولا مزيد من الأعذار.. إن وقت العمل قد حان الآن”.
وكانت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية قد قالت الأسبوع الماضي إن إسرائيل قد أمهلت حماس أسبوعا للموافقة على صفقة تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار وإلا فإنها ستشن عملية عسكرية في رفح وهو ما بدأ أمس الثلاثاء.
ويشير المحللون إلى أن حركة حماس لم تأخذ التحذيرات الأميركية والإسرائيلية على محمل الجد وصنفتها على أنها جزء من الضغوط النفسية عليها لانتزاع تنازلات، فيما كانت الولايات المتحدة لديها وقتها (الأسبوع الماضي) وتمتلك هامش ضغوط أكبر.
وانتظرت حماس الساعات الأخيرة لقبولها بالاتفاق مراهنة على حركة دبلوماسية نشطة لعل أهمها لقاء العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني بالرئيس الأميركي جو بايدن في البيت الأبيض وتحركات إقليمية مكوكية في عدة عواصم أبرزها القاهرة والدوحة.
حماس ماطلت في الرد على اقتراح الوسطاء الدوليين لتحقيق مكاسب أفضل وتنازلات أقل، لكن ذلك لم يحدث
ويقول مراقبون إن حماس ماطلت في الردّ على الاقتراح المطروح لتحقيق مكاسب أفضل وتنازلات أقل، لكن ذلك لم يحدث.
ويشير المراقبون إلى أن إعلان حماس القبول باتفاق وقف إطلاق النار الذي طرحه الوسطاء جاء تزامنا مع التحشيد العسكري الإسرائيلي الضخم على تخوم رفح، ما يؤكد فشل الرهان على الضغوط الدولية والإقليمية في كبح اجتياح المنطقة المكتظة سكانيا.
وتقول إسرائيل إن الاتفاق الذي أعلنت حماس الموافقة عليه غير مقبول بسبب “تخفيف” بنوده.
واستنادا إلى التفاصيل التي أعلنها حتى الآن مسؤولون من حماس ومسؤول مطلع على المحادثات ووردت في نسخة من المقترح، فإن الاتفاق الذي أعلنت الحركة الفلسطينية موافقتها عليه يشمل ثلاث مراحل: مرحلة أولى تفضي إلى وقف إطلاق النار لمدة 42 يوما تسلم حماس لإسرائيل بمقتضاه 33 من الرهائن، أحياء أو أمواتا، ومقابل كل رهينة منهم يتم الإفراج عن 30 معتقلا من الأطفال والنساء الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية بناء على قوائم قدمتها حماس تعتمد على تواريخ دخول هؤلاء المعتقلين السجون بداية من الأقدم.
واعتبارا من اليوم الأول لوقف إطلاق النار، تدخل كميات مكثفة وكافية من المساعدات الإنسانية ومواد الإغاثة والوقود (600 شاحنة يوميا منها 50 شاحنة وقود ويتم توجيه 300 منها إلى شمال القطاع)، بما في ذلك الوقود اللازم لتشغيل محطة توليد الكهرباء والأنشطة التجارية وكذلك المعدات اللازمة لإزالة الأنقاض وإعادة تأهيل وتشغيل المستشفيات ومراكز الرعاية الصحية والمخابز في كافة مناطق قطاع غزة، مع استمرار ذلك في جميع مراحل الاتفاق.
وتطلق حماس سراح ثلاث رهائن إسرائيليين في اليوم الثالث من تنفيذ الاتفاق، ثم تطلق سراح ثلاثة رهائن آخرين كل سبعة أيام، مع إعطاء الأولوية للنساء قدر الإمكان، على أن يشمل ذلك المدنيين والمجندين.
حماس لم تأخذ التحذيرات الأميركية والإسرائيلية على محمل الجد وصنفتها على أنها جزء من الضغوط النفسية عليها لانتزاع تنازلات
وفي الأسبوع السادس تطلق حماس سراح باقي الرهائن المدنيين الذين تشملهم هذه المرحلة. وفي المقابل تفرج إسرائيل عن العدد المتفق عليه من المعتقلين الفلسطينيين بالسجون الإسرائيلية وفقا للقوائم التي ستقدمها حماس.
وتسحب إسرائيل قواتها جزئيا من غزة والسماح للفلسطينيين بحرية الحركة من جنوب القطاع إلى شماله، إضافة إلى إيقاف عمليات الطيران العسكرية فوق قطاع غزة لمدة 10 ساعات يوميا، ولمدة 12 ساعة يوم إطلاق سراح الرهائن والأسرى.
وفي اليوم الثالث بعد إطلاق سراح الدفعة الأولى من المعتقلين الفلسطينيين، تنسحب القوات الإسرائيلية بشكل كامل من شارع الرشيد شمال غزة، وتفكيك كافة المواقع العسكرية.
وفي اليوم الثاني والعشرين من المرحلة الأولى، تنسحب القوات الإسرائيلية من وسط القطاع شرق طريق صلاح الدين إلى منطقة قريبة من الحدود الإسرائيلية.
وأما المرحلة الثانية فتشمل فترة أخرى مدتها 42 يوما تتضمن اتفاقا لاستعادة “هدوء مستدام” في غزة، وانسحاب كامل لمعظم القوات الإسرائيلية من غزة وإطلاق حماس سراح أفراد من قوات الاحتياط الإسرائيلية وبعض الجنود مقابل إفراج إسرائيل عن أسرى فلسطينيين.
وتتمثل المرحلة الثالثة الانتهاء من تبادل الجثامين والبدء في إعادة الإعمار وفقا لخطة تشرف عليها قطر ومصر والأمم المتحدة وإنهاء الحصار الكامل على قطاع غزة والبدء بتنفيذ خطة مدتها ثلاثة إلى خمسة أعوام لإعادة إعمار قطاع غزة تشمل المنازل والمرافق المدنية والبنية التحتية وتعويض جميع المتضررين، وذلك تحت إشراف عدد من الدول والمنظمات من بينها مصر وقطر والإمارات والأمم المتحدة.
رغم التحرك الإسرائيلي في رفح الذي يشي باتخاذ قرار الاجتياح ولو تدريجيا لا يزال الوسطاء الدوليون يكثفون جهودهم لإقرار الاتفاق
وكشفت مصادر إسرائيلية، الثلاثاء، عن وجود العديد من النقاط الشائكة بين إسرائيل وحماس بشأن التوصل إلى اتفاق يفضي إلى وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن مقابل سجناء فلسطينيين.
وبحسب المصادر، فإن من بين النقاط الخلافية بين الجانبين مطالبة إسرائيل لحماس بإطلاق سراح 33 رهينة على قيد الحياة كجزء من المرحلة الأولى من الصفقة. بينما تشمل المرحلة الأولى، وفق اقتراح حماس، إطلاق 33 رهينة “أمواتا أو أحياء”، دون تحديد عدد الرهائن الذين سيتم إعادتهم أحياء.
وبالإضافة إلى ذلك، طالبت إسرائيل حماس بإطلاق سراح 3 رهائن كل 3 أيام، بينما اقترحت حماس إطلاق سراح 3 رهائن كل أسبوع.
ووفق للمصادر، هناك نقطتان إضافيتان تثيران اعتراضات في إسرائيل، وتتمثل الأولى في عدم تمكنها من الاعتراض على أيّ من السجناء الفلسطينيين المقرر إطلاق سراحهم بموجب الصفقة، بما في ذلك أولئك الذين أدينوا بقتل إسرائيليين.
وأما النقطة الثانية، فهي أنه ينبغي على الجيش الإسرائيلي الانسحاب من الطرق المركزية في غزة، مما يسمح للفلسطينيين بالتنقل بحرية بين شمال غزة وجنوبها.
ورغم التحرك الإسرائيلي في رفح الذي يشي باتخاذ قرار الاجتياح ولو تدريجيا لا يزال الوسطاء الدوليون يكثفون جهودهم لإقرار الاتفاق، ما يتطلب حسب محللين تنازلات أكبر من حماس لتغلق أمام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هامش المناورة.
وخلال الأشهر الاخيرة، أبدى مسؤولون إسرائيليون كبار ودبلوماسيون أجانب شكوكا كبيرة بشأن ما إذا كان نتنياهو، ينوي بالفعل التوصل إلى اتفاق.
وقال دبلوماسي أجنبي يعمل في إسرائيل لصحيفة هآرتس الإسرئيلية “كلما كثف نتنياهو القتال، زادت فرصه في البقاء رئيسا للوزراء”، مشيرا إلى أن “التوصل إلى صفقة رهائن يعرّض استمرار حكمه للخطر؛ لأن وقف القتال بسبب الصفقة من شأنه أن يزيد الضغط الداخلي عليه للدعوة إلى انتخابات”.