هل انتهى عصر شيطنة الطاقة النووية

كوب 28 يصادق على مضاعفة القدرة النووية المثبتة بحلول 2050.
الخميس 2023/12/14
هل تجاوزنا فوبيا فوكوشيما

يجادل أخصائيون بأن للطاقة النووية مساهمة حاسمة في تحقيق أهداف المناخ وذلك باعتبارها مصدرا متجددا لإنتاج الكهرباء بدلا من استخدام الوقود الأحفوري، لكن هذا المنحى يواجه تحديات أهمها غياب المساواة ونقص التمويل.

واشنطن - نهضت حركة قوية مناهضة للطاقة النووية إثر كارثة فوكوشيما في 2011 وشوّهت سمعة التكنولوجيات النووية المتقدمة بشكل غير عادل. وبعد أشهر من الزلزال المدمّر والتسونامي الذي تسبب في انهيار المحطة اليابانية، أمرت ألمانيا بالتخلص التدريجي والكامل من مفاعلاتها النووية السبعة عشر. وهيمن هذا الاتجاه على محادثات الطاقة النووية بصفتها مصدرا حيويا للطاقة المستدامة في جهود مكافحة تغير المناخ.

وتقول المحللة أديتيا سينها في تحليل على موقع سنديكيشن بيورو إنه بينما يستشهد المنتقدون للطاقة النووية بمخاوف السلامة يتناقض التحليل  التجريبي الذي نقله منشور “عالمنا في البيانات” العلمي بين سجل سلامة الطاقة النووية وسلامة مصادر الوقود. وتتسبّب الطاقة النووية في وفيات أقل مقارنة بالوقود الأحفوري التقليدي. وهي أقلّ بنسبة 99.8 في المئة من الفحم و99.7 في المئة من النفط. ويتماشى هذا مع سجلات السلامة المرتبطة بطاقة الرياح والطاقة الشمسية.

وتعاني الطاقة النووية من الشيطنة بسبب ما يسمّى “الإرشاد المتوفر”، وهو مبدأ علم سلوكي تستند الأحكام فيه إلى أمثلة يمكن تذكّرها بسهولة. ويدفع هذا الاختصار المعرفي الأفراد إلى المبالغة في تقدير احتمالية وقوع أحداث لا تُنسى. وفي حالة الطاقة النووية، تهيمن الأمثلة البارزة مثل كارثة تشيرنوبيل وفوكوشيما على التصور العام، ممّا يُحرّف فهم مخاطرها الفعلية ويطغى على فوائدها المحتملة.

◙ الطاقة النووية تعاني من الشيطنة بسبب ما يسمّى "الإرشاد المتوفر" وهو مبدأ علم سلوكي تستند الأحكام فيه إلى أمثلة يمكن تذكّرها بسهولة

ومن حسن الحظ أن العالم يتجاوز في تفكيره الحالي ما هو أبعد من هذين الحدثين. وتشهد الطاقة النووية انتعاشا كبيرا تزامنا مع إعلان المبعوث الأميركي لشؤون المناخ جون كيري عن إستراتيجية الاندماج النووي في مؤتمر كوب 28 المنعقد بدبي في الإمارات العربية المتحدة. ويدل هذا التحوّل على تغيير كبير في خطاب الطاقة، والاعتراف بالدور الأساسي الذي يمكن أن تلعبه الطاقة النووية في تحقيق أهداف الطاقة المستدامة.

واجتمعت أكثر من 20 دولة من أربع قارات في كوب 28 للتوقيع على إعلان يهدف إلى مضاعفة قدرة الطاقة النووية على مستوى العالم ثلاث مرات. ويعترف هذا الإعلان، الذي تدعمه دول تشمل الولايات المتحدة وغانا والإمارات العربية المتحدة، بالمساهمة الحاسمة التي تضيفها الطاقة النووية في تحقيق صافي انبعاثات غازات الدفيئة العالمية بحلول 2050 والحفاظ على هدف الحد من الاحترار إلى مستويات أقل من 1.5 درجة مئوية.

وحددّ نظام معلومات مفاعلات الطاقة التابع للوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إجمالي صافي القدرة الكهربائية من الطاقة النووية في نهاية 2022 بلغ 370.99 جيغاواط، وسجّل 411 مفاعلا عاملا عبر العالم. وتعدّ الولايات المتحدة وفرنسا والصين وروسيا وكوريا الجنوبية وكندا الدول التي تمتلك أكبر قدر من الطاقة الكهربائية المنتجة كليا من الطاقة النووية. ووقّعت كل هذه الدول (باستثناء روسيا) على الإعلان.

لكن الرابطة النووية العالمية أكّدت أن التوسع النووي الأبرز يجري الآن في بلدان ليست جزءا من الإعلان، حيث تقود الصين (25)، والهند (8)، وتركيا (4) جهود بناء مفاعلات جديدة. وسجّلت أكبر عدد من المفاعلات المقترحة في الصين (154)، والهند (28)، وروسيا (21). وتلعب هذه الدول دورا محوريا في مضاعفة الطاقة النووية المتوقعة ثلاث مرات بحلول 2050، على الرغم من عدم توقيعها على الإعلان.

ورغم كل هذا، تبقى مضاعفة قدرة الطاقة النووية ثلاث مرات مهمة صعبة تشمل تعقيدات كثيرة. ويعني هذا الهدف زيادة مساهمة الطاقة النووية من 10 في المئة إلى ما يقرب من ثلث احتياجات العالم من الكهرباء في غضون 25 سنة.وتستوجب مضاعفة قدرة الطاقة النووية ثلاث مرات بناء مفاعلات معيارية جديدة واسعة النطاق وصغيرة الحجم والتغلب على عقبات مالية وتنظيمية كبيرة. وطالما واجهت المشاريع النووية تأخيرات طويلة في البناء وتجاوزات في الميزانية.

كما يبلغ متوسط عمر المفاعلات النووية في الاقتصادات المتقدمة 35 عاما وتواجه عمليات إغلاق واسعة النطاق، ومن المتوقع أن يفقد العالم ربع القدرة الحالية بحلول 2025 بسبب تقادم البنية التحتية. وفي حين تعتبر إطالة عمر المفاعل أقل كلفة من بناء مفاعل جديد، إلا أن ظروف السوق الصعبة تعيق هذا الخيار. وتسبب الانخفاض المستمر في أسعار الكهرباء في تقليص الأرباح، مما جعل المحطات النووية أقل جاذبية لإعادة الاستثمار. ويعتمد نجاح إطالة عمر المفاعل على الظروف الاقتصادية المختلفة من بلد إلى آخر.

◙ تأمين التمويل لبناء المفاعلات النمطية الصغيرة أمر مهم لنجاحها ونجاح التحول بعيدا عن الوقود الأحفوري

ويبقى تحول الطاقة في البلدان النامية أمرا مهما لمضاعفة قدرة الطاقة النووية ثلاث مرات، حيث مثّلت الدول خارج منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية حوالي 60 في المئة من الاستهلاك العالمي للطاقة والكهرباء في 2020. وتعتمد هذه البلدان بشكل كبير على الوقود الأحفوري وهي من المساهمين الرئيسيين في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية. ومن المتوقع أن يتسارع نمو احتياجاتها في الطاقة. وتتواصل القيود المفروضة على الطاقة النووية في بعض البلدان وتجتمع مع العقبات الاقتصادية والسياسية والفنية التي تحول دون توسيع نطاقها.

ويوجد اليوم أقل من 8 في المئة من المفاعلات القائمة في بلدان لا تنتمي إلى منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، ومن أبرزها الصين والهند، وهي لا تولّد سوى 4.3 في المئة من إجمالي الكهرباء التي تعمل بالطاقة النووية. ومن المتوقع أن يرتفع هذا الرقم إلى 15 في المئة بحلول سنة 2030. وستمنع الجداول الزمنية الطويلة والتكاليف المرتفعة التي يتطلبها بناء مفاعلات كبيرة في هذه البلدان زيادة حصة الطاقة النووية في إنتاج الكهرباء على المدى القريب. لكن الجيل الناشئ من المفاعلات النمطية الصغيرة يقدم حلولا أكثر قابلية للتطبيق على المدى الطويل، من 2030 إلى 2050.

وسيضطر العالم (وخاصة النامي) إلى الاعتماد على المفاعلات الصغيرة والمتوسطة لمضاعفة الطاقة النووية العالمية ثلاث مرات. ومن المفيد أن هذه المفاعلات ميسورة الكلفة، ويمكن بناؤها في مصنع وشحنها إلى موقع ما، كما يسهل العثور على مواقع لها بفضل صغر حجمها. وبلغت هذه التكنولوجيات مرحلة العرض التجريبي في بلدان مثل الولايات المتحدة وكندا والمملكة المتحدة. ويمنح التعاون مع الشركات اليابانية والكورية الجنوبية فرصا جديدة للطاقة النووية في البلدان النامية، وخاصة ذات الأنظمة الكهربائية الأصغر حجما والموارد المحدودة.

ويمكن بناء المفاعلات النمطية الصغيرة بسرعة وهي توفّر مرونة تمكّن من التكامل مع مصادر الطاقة المتجددة المتقطعة. وسيكون تحقيق وفورات الإنتاج الكبير وتأمين التمويل من مصادر متنوعة أمرا مهما لنجاحها ونجاح التحول بعيدا عن الوقود الأحفوري.

7