هل اليسار الغربي حليف موضوعي للإسلاميين
لا يجد المتابع لمواقف وكتابات اليساريين والإيكولوجيين في أوروبا عموما وفرنسا على وجه الخصوص أدنى صعوبة في الوقوف على ذلك الارتباك الذي يعانونه أمام المد الأصولي الذي يهددهم في عقر الديار. ولن أبالغ إن قلت إن ما يشغل أغلبيتهم هو محاولة تجنب تهمة الإسلاموفوبيا أكثر مما هو إدانة التعصب الإسلاموي وتعرية أخطاره على أوروبا والعالم أجمع. ومن الغريب أن يمتنع اليسار عن الاجتهاد في القيام بتحليل عام ونقد شامل للتطرف الإسلاموي. فما الذي يعيق من يرفعون شعار السلم والتقدم والعدالة الاجتماعية في فهم الإرهاب الإسلاموي؟
لا يمل كثير من مثقفي اليسار الأوروبي وكُتّابه من ترديد فكرة غدت مع ما أبدت الأيام بما كان الكثير يجهل إسطوانة مشروخة تقول إن مصدر التعصب الأصولي هو الأمبريالية الغربية والفقر والقمع.
كما لا يتردد آخرون من فصيلتهم في النظر إلى الأصولية على أنها شكل من أشكال مقاومة هذا التعنت الغربي. ويتفقون جميعا في نهاية تحليلهم على أنها أيديولوجية المظلومين. فلا ترى الفيلسوفة الأميركية جوديت بتلر مثلا أيّ مانع من النظر إلى منظمة حماس وحزب الله كحركتين تقدميتين بل من الضروري تصنيفهما ضمن صفوف اليسار إذ هما جزء من اليسار العالمي في رأيها لأنهما يناهضان الأمبريالية.
ولا يختلف رأي الفيلسوف السلوفيني المثير للجدل سلافوي جيجك حينما يعتقد أن التطرف الإسلاموي هو تعبير عن الغضب العظيم الذي يعتمل في نفوس وعقول ضحايا العولمة الرأسمالية. أما طوني نيغري، الفيلسوف الإيطالي المتهم بالانتماء إلى الألوية الحمراء الإرهابية في السبعينات، فيقول بالحرف الواحد إن الإسلاموية في ذاتها مشروع ما بعد حداثي ويرى ذلك في رفضها للحداثة بوصفها سلاحا للهيمنة الأوروبية الأميركية.
ويذهب الشيخ المتهم في الضلوع بقتل ألدو مورو ذات عام، واللاجئ في فرنسا لسنوات عديدة وذائق طعم السجن لمدة أربع سنوات بعيدا عندما يعتبر ثورة الخميني أول ثورة في عصر ما بعد الحداثة لأنها كانت تعبيرا عن رفض عميق للسوق العالمية. ومادام هؤلاء يعتقدون أن غضب الإسلاميين وهدفهم هو نفس غضبهم وهدفهم، فلن يفهموا كنه التطرف الإسلاموي وأخطاره أبدا. وهكذا انعكس هذا الفكر البعيد عن الواقع والمحلق في سماء الأيديولوجيا على مواقف الأحزاب اليسارية، المعتدلة والمتطرفة، على الأرض، فجعل رؤيتها ضبابية حول طاعون الإسلاموية إلى درجة المخاتلة، وبدأ كثير من المناضلين والمتعاطفين يغادرون صفوفها والتحاق بعضهم حتى بأحزاب اليمين المتطرف.
وقد نشرت أسبوعية “ماريان” الفرنسية في عددها 944 الصادر في شهر مايو المنصرم تحقيقا طويلا عنونته على صدر صفحتها الأولى بــ”المتواطئين مع الإسلاموية”، تحدثت فيه عن حلفاء موضوعيين وحملة حقائب وحمقى مستغلين من طرف الإسلامويين، وكانت أغلبيتهم الساحقة من اليساريين والخضر.
وفي رأيي هنا يكمن سر النكبات الانتخابية المتتالية التي تعرفها أحزاب اليسار في فرنسا منذ مدة وصعود اليمين واليمين المتطرف حتى في الدانمارك كما بينت نتائج الانتخابات الأخيرة. وأمام ازدياد عدد الجهاديين في فرنسا واستمرار عمى اليساريين في الأحزاب وهيمنة “المستساغ سياسيا” في الإعلام، سيستغل اليمين المتطرف هذا الوضع ويرسخ وجوده السياسي وقد يصل إلى الحكم وهو ما يفتح الأبواب واسعة أمام حرب أهلية في فرنسا.
كاتب من الجزائر