هروب رئيس الوقف السني الأسبق من سجنه في بغداد

بغداد - عاش العراقيون، ليل الثلاثاء - الأربعاء، "ريمونتادا" لكنها ليست بطابعها الرياضي المعروف إنما الخاص حيث انتظر أبناء الرافدين تنفيذ الحكم الواقع بحق رئيس ديوان الوقف السني الأسبق سعد كمبش إلا أن هروبه من مكان احتجازه داخل أحد مراكز الشرطة في المنطقة الخضراء، وسط العاصمة بغداد، لم يكن في الحسبان، ليسجل المتهم الهارب هدفا عكسيا لطموحات العراقيين الذين يرغبون بمحاكمة الفاسدين وسراق المال العام.
ويعزز هروب كمبش، من سجنه فرص إزاحة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي تزداد، حيث توجه له الاتهامات بان كمبش محسوب عليه وهو من أوصله إلى المنصب، وأن جهات مقربة من الحلبوسي ونواب في حزب تقدم كان لهم يد في فراره.
يتزامن ذلك مع تشكل لوبي سني شيعي لازاحة محمد الحلبوسي من منصبه رئيسا للبرلمان، وقد اضطره ذلك الى الطيران الى السعودية لايقاف مد ازاحته الذي ينضج على نار تستعر بدعم شيوخ عشائر في الانبار وقوى سنية وشيعية.
وتشير المعلومات المتسربة، إلى أن الحلبوسي طلب دعم السعودية لتحالف سني داخل العراق على غرار الاطار الشيعي، ويكون متوافقا مع توجهات السعودية.
لكن مبادرة الحلبوسي، ليست ذات قيمة بالنسبة للسعودية في هذا الوقت الذي يشهد انحسار الاستقطابات الاقليمية، على ضوء المصالحة السعودية الايرانية، ووفق المعلومات فان السعودية أبدت الرغبة في عدم التدخل في الشأن العراقي، وهي تدعم اي وفاق داخلي لصالح الاستقرار، الأمر الذي اصاب الحلبوسي بخيبة أمل.
وقال رسول في بيان اليوم الأربعاء إنه "بتاريخ 18 أبريل الجاري وبعد زيارة النائب أسماء حميد كمبش إلى مركز الشرطة وقت الإفطار ومغادرتها له وعند الساعة 22:30 هرب المحكوم بمساعدة 3 أشخاص من خلف المركز والوصول إلى عجلتين كانتا بانتظاره لتأمين هروبه إلى جهة مجهولة".
وأكد أن الأجهزة المختصة باشرت بالتحقيق، ووضعت يدها على الوثائق والأدلة، وألقت القبض على كل من له علاقة بالهروب والأطراف التي سهلت ذلك.
وأشار إلى أن قاضي التحقيق أصدر أمرا بتوقيف ضباط ومنتسبي المركز المسؤولين عن حماية الموقف.
وجّه وزير الداخلية العراقي عبدالأمير الشمري، بإيقاف ضباط مركز الصالحية، وتشكيل لجنة للقبض على كمبش.
وذكر بيان لوزارة الداخلية، أنّ "الوزير وجّه بإيداع ضابط قسم شرطة الصالحية وضابط مركز شرطة كرادة مريم وضابط خفر المركز التوقيف، في السجن على خلفية هروب المتهم سعد كمبش من المركز، وتشكيل لجنة تحقيقية وجهد استخباري لمتابعة هذا المتهم والقبض عليه".
وتداول نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي ليلي الثلاثاء/الأربعاء مقطع فيديو يوثق لحظة هروب رئيس الوقف السني الأسبق من داخل سجنه في المنطقة الخضراء شديدة التحصين.
وفي مارس الماضي، قامت السلطات العراقية باعتقال رئيس ديوان الوقف السني الأسبق من قبل قوة خاصة، في وقت أعلنت هيئة النزاهة الاتحادية، عن تمكن الفريق المساند للهيئة العليا لمكافحة الفساد من تنفيذ أمر القبض الصادر بحق كمبش المتهم بارتكاب خروقات مالية والإضرار بالمال العام.
وكانت هيئة النزاهة في العراق قد أشارت إلى صدور حكم حضوري بالحبس الشديد لأربع سنوات بحق كمبش.
وقالت في بيان لها إن "قاضي محكمة جنايات مكافحة الفساد المركزية أصدر حكماً حضورياً يقضي بالحبس الشديد لمدة أربع سنوات بحق الرئيس الأسبق لديوان الوقف السني لقيامه بمخالفة واجبات وظيفته عمداً، والتسبب في إضرار بالمال العام".
وكشفت بأن "الضرر المالي بلغ 47 مليار دينار عراقي أي ما يعادل 36 مليون دولار أميركي". وأضافت أن "تفاصيل القضية تشير إلى أن المخالفات التي ارتكبها المدان تمثلت بإقدامه على توجيه هيئة إدارة واستثمار الوقف السني لشراء فندق (RAMAD) الكائن في إقليم كردستان، على رغم عدم وجود جدوى اقتصادية، وموافقته على عكس الأمانات، خلافاً لتعليمات ديوان الرقابة المالية".
وتابعت الهيئة "صدر أمر التنازل عن حق الطعن في دعوى استملاك الفندق، قاصداً بذلك منفعة أصحاب الفندق على حساب الدولة، وأن المحكمة، وبعد اطلاعها على الأدلة المتحصلة والإثباتات في القضية، والأوراق التحقيقية، توصلت إلى تقصير المتهم، فقررت إدانته والحكم عليه حضورياً بالحبس الشديد أربع سنوات استناداً إلى مقتضيات المادة (331) من قانون العقوبات".
وعلّق المستشار الإعلامي لرئيس الوزراء، هشام الركابي، على عملية الهروب، مؤكداً في تغريدة له، أنّ "هروب كمبش سيكون سبباً للقيام بثورة كبيرة على الآليات الفاسدة المعتمدة في احتجاز كبار الفاسدين"، مشدداً على أنه "سيتم اقتلاع الآليات الفاسدة التي حولت مراكز احتجاز كبار الفاسدين إلى فنادق 5 نجوم".
وقرر رئيس الوزراء العراقي السابق مصطفى الكاظمي في مارس من العام الماضي، إنهاء تكليف كمبش من مهام تسيير شؤون ديوان الوقف السني وإعادته إلى عمله السابق كوكيل لرئيس الديوان.
وكان رئيس الوزراء الأسبق عادل عبدالمهدي قد كلف كمبش بتسيير شؤون الوقف السني في فبراير 2020 إثر إقالة رئيس الديوان السابق عبداللطيف الهميم على خلفية شبهات بتورطه بملفات فساد.
ويعادل منصب رئيس ديوان الوقف السني، وظيفيا، درجة وزير، لكنه في الحقيقة كرسي يدير إمبراطورية مالية كبيرة، لذلك كلما صار المنصب شاغرا اندلع صراع طاحن للحصول عليه.
ويتحكم رئيس ديوان الأوقاف في العوائد المالية لآلاف المراقد الدينية التي يتبرع لها زوارها بملايين الدولارات سنويا، فضلا عن عدد كبير من العقارات التجارية والأراضي المؤجرة والاستثمارات وغيرها.
وتقدر قيمة الأموال التي يتداولها الوقف السني سنويا، بنحو ستة مليارات دولار، وهي أقل بقليل من نصف الموازنة العامة لبلد مثل الأردن، لذلك يدور صراع شرس داخل أجنحة الحزب الإسلامي، ذراع حركة الإخوان المسلمين في العراق، للاستئثار بالمنصب الذي يمثل مصدرا ماليا مهما، وخاصة كورقة للمناورة السياسية داخل البيت السني أو في علاقة ببقية المكونات الطائفية والدول الراعية لها، وبينها إيران وتركيا وقطر.
ويشكل الفساد آفة كبيرة وخطرة في العراق، إذ وصف رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني مكافحة الفساد بـ"المعركة الكبرى للعراق"، معتبراً إياها "جائحة" لا بد من مواجهتها.
وذكر السوداني أن كل شيء يتوقف على عزمنا في مكافحة "جائحة الفساد، تلك المعركة الكبرى التي إن تهاونا فيها خسرنا كل معاركنا الأخرى"، مبيناً أن الانتصار في هذه المعركة لا يأتي إلا من خلال التعاون بين كل مؤسسات الدولة.
ولفت في تصريح له خلال إحدى المؤتمرات التي أقيمت في العاصمة بغداد، إلى أن الحكومة لن تتهاون أو تتلكأ مع أي تراجع أو خلل قد يتسبب في استغلال مال الشعب لمصالح شخصية أو حزبية أو فئوية.
ويملك العراق اتفاقات دولية لمكافحة الفساد في العراق، إذ شدد النائب زياد الجنابي رئيس لجنة النزاهة في مجلس النواب، على "تصدي اللجنة لآفة الفساد التي تهدد كيان الدولة والمجتمع عبر انتهاج الأساليب الحديثة التي تغطي الجوانب الرئيسة لوظيفة النائب من رقابة وتشريع، وعبر التعاون المثمر مع لجان المجلس والجهات الساندة في الدولة العراقية، إضافة إلى الاستفادة من التعاون مع المنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني بما يعزز دور البرلمان في مكافحة الفساد".
وأسهم الفساد في تأخير عجلة النمو الاقتصادي في العراق منذ أكثر من عقدين، إذ أشار الخبير الاقتصادي بسام رعد إلى أن الفساد بات وباء مستشرياً ينخر في جوانب المجتمع كافة.