هرب الأغنياء من أفغانستان وبقي الفقراء يعانون

يعرف الأفغان حكم حركة طالبان جيدا لذلك لا يصدقون وعودها، فهرب الأثرياء منهم وبقي الفقراء -وهم أغلبية السكان- يعانون الأزمة التي بدأت بوادرها تظهر في زيادة البطالة وشح السيولة حتى اضطر بعضهم إلى بيع مقتنيات بيوتهم بأسعار أقل من قيمتها ليعيلوا أسرهم دون أن يعرفوا مصيرهم الذي يبدو قاتما.
كابول - تمتلئ أسواق السلع المستعملة في كابول بمقتنيات باعها أفغان بأسعار زهيدة في محاولة يائسة لتمويل رحلاتهم هربا من حكم طالبان أو بكل بساطة لتأمين الغذاء.
تتكدّس أطباق وزجاجات وأدوات المطبخ على طاولات في أسواق أقيمت في الهواء الطلق، إلى جانب أجهزة تلفزيون من التسعينات وماكينات “سنغر” للحياكة، فيما وضعت سجادات ملفوفة على أرائك وأسرّة مستعملة.
يقول الأفغان إن فرص العمل تلاشت منذ أن استولت طالبان على السلطة منتصف أغسطس، فيما لم يعد يسمح لهم بسحب أكثر من 200 دولار في الأسبوع من حساباتهم المصرفية، ما أدى إلى شح في السيولة النقدية.
وباتت طوابير الانتظار الطويلة أمام المصارف للحصول على السيولة مشاهد عادية في مختلف أنحاء أفغانستان.
وقال أحدهم -يدعى عبدالله- إنه سافر ليلا من ولاية تخار المحاذية لطاجيكستان (شمال شرق) للوصول إلى فرع بنك كابول فجرا، وكان لا يزال في آخر الطابور ظهرا.
بالنسبة إلى هذا الرجل الذي كان من أفراد القوات الخاصة في الجيش والبالغ من العمر 31 عاما “تكمن المشكلة في أنه بعد انهيار الحكومة أغلقت جميع البنوك”.
وقال إن بعض العسكريين مثله لم يتمكنوا من تسلم رواتبهم في الأشهر التي سبقت استيلاء حركة طالبان على السلطة، مضيفا “كنت في نقطتي لثلاثة أو أربعة أشهر. راتبي كان في البنك ولم أتمكن من الحصول عليه”.
واشتكى رجال أمن آخرون من عدم تسلم رواتبهم على الإطلاق في الأشهر التي سبقت سيطرة طالبان.
نسبة الأفغان الذين يعيشون تحت خط الفقر قد ترتفع إلى 97 في المئة بحلول منتصف العام المقبل بحسب الأمم المتحدة
وقال محمد إحسان، الذي يعيش في منطقة على سفوح كابول، وهو يحمل بطانيتين للبيع “ليس لدينا أي شيء نأكله، فنحن فقراء ومضطرون إلى بيع هذه المقتنيات”.
وذكر إحسان أنه يعمل في مجال البناء لكن تم إلغاء مشاريع البناء أو تأجيلها، وقال إن “الأثرياء كانوا في كابول ولكن هرب الجميع الآن”.
وإحسان واحد من العديد من الأفغان الذين يأتون إلى أسواق السلع المستعملة لبيع ما يمكنهم مباشرة للمشترين، وهم يحملون ممتلكاتهم على ظهورهم أو يجرونها على عربات صدئة.
وعاصر “تغييرًا بعد تغيير” في أفغانستان، ويقول إنه لا يثق في حديث طالبان عن السلام والازدهار؛ فقد ارتفعت أسعار المواد الغذائية الأساسية، مثلما حدث عندما كانت الحركة في السلطة من عام 1996 إلى 2001. وأضاف “لا يمكنك تصديق أي من منتسبي طالبان”.
وحذر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الأسبوع الماضي من أن نسبة الأشخاص الذين يعيشون تحت خط الفقر قد ترتفع من 72 إلى 97 في المئة بحلول منتصف العام المقبل في حال لم يتم اتخاذ إجراءات عاجلة.
داخل البازار يعمل الناس على إصلاح الأدوات الكهربائية مثل أجهزة التسجيل والمراوح والغسالات قبل بيعها.
ويبيع مراهقون عصير الجزر أو الرمان في أكشاك متنقلة، بينما يتنقل آخرون بين الحشود بالموز والبطاطا والبيض في عربات يدوية.
ويقول أصحاب المتاجر الذين يشترون ويبيعون البضائع المستعملة إنه لم يسبق لهم أن نشطت تجارتهم إلى هذا الحد.
وقال مصطفى لفرانس برس، متحدثا من حاوية شحن حوّلها إلى متجر، إن العديد من الأشخاص الذين اشترى منهم كانوا في طريقهم إلى الحدود على أمل مغادرة البلاد.

وأضاف “في الماضي كنا نشتري أشياء من عائلة أو عائلتين في الأسبوع. الآن إذا كان لديك متجر كبير يمكنك شراء حاجيات 30 أسرة دفعة واحدة. الناس عاجزون وفقراء”.
وأوضح “يبيعون أغراضهم التي تبلغ قيمتها ستة آلاف دولار بنحو ألفي دولار”.
وذكر مصطفى، الذي أكد أنه لا ينوي المغادرة، أن المشترين هم في الغالب ممن فروا من المقاطعات الريفية بحثا عن الأمان في العاصمة عندما شنت طالبان هجومها.
وكشف بائع خردوات آخر، طلب عدم نشر اسمه خوفا على سلامته، لفرانس برس أنه أقام كشكه في الأسابيع الأخيرة فقط.
وقال “كنت مدرِبا في الجيش لمدة 13 عاما”، منوها إلى أنه نتيجةَ ذلك يعيش في خوف من طالبان.
وأوضح “لسوء الحظ انقلب مجتمعنا رأسا على عقب، لذلك اضطررنا إلى القيام بأشياء أخرى. أصبحت بائع خردوات، لم يكن لدينا خيار آخر”.
وعندما عملت لطيفة علي زادة ممرضة في أحد المستشفيات الرئيسية في كابول كانت تؤمن لقمة العيش لعائلتها المكونة من ثلاثة أبناء وزوج عاطل عن العمل. لكن الآن بعد أن استولت طالبان على مقاليد الحكم باتت هي أيضا عاطلة عن العمل ومتخوفة من المستقبل.
والسيدة البالغة من العمر 27 عاما تركت وظيفتها في “مستشفى جمهورية” لأن طالبان قالت إن الرواتب لن تُدفع.
وقالت وهي تمسك بيدي اثنين من أبنائها وهما يأكلان الذرة “تركت عملي لعدم دفع الرواتب. لا راتب على الإطلاق”.
وقالت في سوق في كابول “إذا ذهبتُ إلى هناك سيقولون لا تعملي وأنت لا ترتدين الحجاب، لا تعملي مع الرجال. اعملي مع النساء”.
وعلى غرار علي زادة يخشى الكثير من الأفغان ما هو قادم في ظل حكم طالبان.
وقد ارتفعت أسعار المواد الغذائية في الأسواق كما ارتفع سعر الوقود، وهناك فرص أقل لكسب المال.
وقال بائع لوازم مطبخ في العاصمة، طلب عدم الكشف عن اسمه لأسباب أمنية، إنه ليس لديه زبائن. وأضاف “نواجه عدة مشكلات؛ فقد بقي الناس في منازلهم بسبب عدم توفر وظائف. ليس هناك أي شخص يشتري منا”.
وعبّر عن شعوره بالقلق إزاء إعالة عائلة من خمسة أشخاص، بسبب ارتفاع معاليم الإيجار وضآلة المداخيل.
وقال “لا يمكن الحصول على المال لشراء الطعام. الناس قلقون بشأن تأمين وجباتهم صباحا ومساء.الجميع قلقون إزاء مستقبلهم”.