هجوم سيناء محاولة من داعش لإثبات وجوده

القاهرة – يثير الهجوم الإرهابي الذي شنه تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في محطة خدمية بشرق قناة السويس غرب محافظة شمال سيناء المصرية الأسبوع الماضي، تساؤلات حول دلالات الهجوم ومدى قدرة التنظيم الذي تلقى ضربات موجعة على العودة.
ونفذ التنظيم السبت عملية إرهابية بدت أقرب إلى “محاولة لإثبات الوجود”، في توقيت متأزم بالنسبة إلى التنظيم المنهك من العمليات العسكرية ولمصر المتأثرة كغيرها من الدول بالأزمة الاقتصادية العالمية.
وهذا التحول الإرهابي اللافت مكانا وتوقيتا ارتكبته ما يبدو أنه “خلية داعشية نائمة” أو “ذئاب منفردة” تابعة، و”لن يكتب له البقاء كما حدث للتنظيم الذي كان أكثر عتادا وأفرادا وتواجدا”، بحسب خبراء في الجماعات المتطرفة.
أحمد كامل البحيري: هجوم داعش الأخير في سيناء المصرية لم يأت صدفة
وتبنى داعش الأحد، هجوما استهدف نقطة رفع مياه غرب سيناء شرق قناة السويس، ما أودى بحياة 11 عسكريا مصريا.
وهجوم داعش الأخير، بحسب الخبراء المعنيين بشؤون الجماعات المسلحة، هو تطور “لافت لمكانه الجديد ومن المهم التصدي إليه حتى لا يتحول إلى بؤرة مزمنة”، بالرغم من أنه “دعائي ولإثبات الوجود مع تصاعد الضربات العسكرية الموجهة للتنظيم في الأشهر الثلاثة الماضية”.
وأفاد الأحد بيان متداول لـ”وكالة أعماق” التابعة للتنظيم، لم يتسن للأناضول التأكد من صحته، بأن عناصر تابعة للتنظيم قاموا بـ”هجوم مباغت وسريع” بغرب سيناء، في أول ظهور عملياتي للتنظيم بهذه المنطقة.
وتحدث البيان عن استخدام هذه العناصر “رشاشات خفيفة ومتوسطة”، وهدد بـ”استمرار العمليات”.
ويُشير هذا الحديث إلى تراجع تسليح عناصر التنظيم، التي كانت تستخدم أسلحة ثقيلة في عملياتها على مدار سنوات.
وجاء إعلان داعش بعد ساعات من اجتماع للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، برئاسة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وإصدار توجيه للجيش والشرطة باستكمال “تطهير” مناطق في سيناء من الإرهاب.
ولم تشهد سيناء رسميا منذ أغسطس 2021 أي مواجهات مسلحة عقب مقتل 9 عسكريين و13 إرهابيا خلال تحرك عسكري لمكافحة الإرهاب آنذاك.
وتراجعت، وفق مراقبين، العمليات الإرهابية في هذه المنطقة خلال العامين الماضيين، لاسيما مع بدء ضخ استثمارات تنموية وعودة مواطنين إلى مساكنهم بعد هدوء الأوضاع.
وترى داليا زيادة، وهي ناشطة مصرية حقوقية أن “الهجوم الإرهابي على نقطة رفع مياه في غرب سيناء يمثل تحولا لافتا في سلوك الجماعات الإرهابية التي تسكن شبه الجزيرة المصرية الضخمة منذ عام 2013”.
وشككت زيادة في صحة تبني داعش الهجوم، ورجحت احتمالية أنه “يحاول ربما استعادة صورة التنظيم في أعين داعميه ومموليه”.
ماهر فرغلي: الهجوم يظهر رفض التنظيم للتنمية في سيناء
وأوضحت أن “هذه هي المرة الأولى منذ عام 2013 التي تشهد هجوما إرهابيا مميتا بالقرب من المنطقة الاستراتيجية الاقتصادية لقناة السويس في نقطة بعيدة بغرب سيناء عن المسرح التقليدي للتنظيمات الإرهابية طيلة السنوات السبع الماضية في شمال شرق سيناء دون أي تمدد خارجها”.
ورجحت زيادة سيناريوهين لهذا التحول اللافت، أولهما انتقال جماعات إرهابية من المنطقة الشمالية الشرقية إلى نظيرتها الغربية لشن الهجوم، لكنها استبعدته نظريا لصعوبة حركة عناصر تلك الجماعات في مسافة تصل إلى 300 كيلومتر، مع سهولة اصطيادهم أمنيا.
وافترضت في السيناريو الثاني “ظهور جماعة إرهابية جديدة في غرب سيناء (..) مع تنسيق بطريقة ما مع التنظيمات الإرهابية الموجودة في شمال شرق سيناء، بأهداف غير رئيسية مختلفة عما سبق، وهي إتلاف مرافق ذات أهمية استراتيجية للاقتصاد المصري”.
ودعمت الناشطة المصرية هذا السيناريو بالقول “ربما لم يكن مصادفة أنه قبل أسبوع من مهاجمة نقطة رفع المياه شرقي قناة السويس، قام مسلحون مجهولون بتفجير أنبوب غاز (أوائل مايو الجاري) يمر عبر بلدة بئر العبد شمال سيناء”، داعية إلى التحقق من هذا السيناريو وأهدافه ووضعه في الاعتبار عند المواجهة.
وفور الهجوم، قال الباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية (مملوك للدولة) أحمد كامل البحيري في تصريحات تلفزيونية إن العملية لم تأت صدفة.
واعتبر أنها “محاولة لإثبات تواجد من بقايا التنظيم الإرهابي عقب تقدم نوعي خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة تسبب مؤخرا في مقتل أحد أهم قيادات التنظيم بسيناء، وهو أبوعمر الأنصاري وستة آخرين”.
ولفت إلى أنه منذ 2018، مع انطلاق العملية العسكرية الشاملة، حدث تباطؤ شديد جدا في قوة التنظيم وعملياته وعددها ومستهدفاتها، مقارنة بتنفيذ عمليات كبرى قبلها، والعملية الأخيرة دليل انحسار وليست بقوة وتكتيكات عمليات كبيرة سابقة.
ومن جهته، قال الباحث المصري في شؤون الجماعات ماهر فرغلي، في تصريحات متلفزة، إن تلك العملية واستهداف محطة مياه يتزامن مع التنمية بسيناء، وهو أمر يرفضه التنظيم لأنه يعيش على عزلة سيناء ويتمنى عدم وجود تضافر شعبي سيناوي مع القيادة ولا استشعار بالتنمية.
وتتجه سيناء نحو التنمية بعد سنوات من المواجهات المسلحة التي خاضها الجيش المصري ضد الجماعات المتطرفة هناك.
وأضاف فرغلي أنه من الواضح من العملية أنها لإثبات الوجود بعد ضربات كبيرة، ولذا تمت خاطفة ومن مجموعات متناثرة وأقرب إلى خلية.
وقال الأكاديمي المصري في الشؤون السياسية خيري عمر إن العملية العسكرية بسيناء عام 2018 لعبت دورا واضحا في تفكيك التنظيمات العنيفة في مناطق شمال شرق سيناء، وبعد نجاحها تمت إعادة السكان إليها مؤخرا.
وتابع عمر، وهو أيضا خبير في شؤون الجماعات المسلحة، أن “هذه العملية في شرق قناة السويس بغرب سيناء تمثل نوعا آخر من التحول العملياتي والمخاطر يتطلب التصدي له حتى لا يتنقل إلى مناطق أخرى في غرب منطقة السويس الحيوية والاستراتيجية”.
وأردف أن “المجلس الأعلى للقوات المسلحة انعقد ودرس لا شك خارطة الاحتمالات وبناء على تقديرات قرر استئناف العملية (العسكرية) لإجهاض المحاولات المحتملة لتحرك هؤلاء الأفراد في سيناء أو غيرها”.
وأكد عمر أنه “مع بدء العملية الشاملة تم التعامل مع مخططات لتلك الجماعات، وجرى إحباط كثير منها كما هو ملموس نتائجه منذ فترة”.
واستدرك “لكن العملية الأخيرة تشكل تحديا جديدا يتطلب التصدي له حتى لا يُعاد إنتاج عدم الاستقرار في سيناء وتتكون فقاعة أو بؤرة مزمنة جديدة”.
واعتبر أنه “من الصعب رصد دلالة التوقيت لدى تلك الجماعات الغامضة التي تتحرك عادة عندما تجد الفرصة سانحة”.
وتابع: “لكن بشكل أولي ربما تتزامن مع وقت متأزم عالميا في الشق الاقتصادي وبعد وقت قصير من أحاديث شبه رسمية بقرب القضاء على الإرهاب في سيناء”.