هجرة العقول.. أكثر ما يؤرق حكومة الجزائر قبل الانتخابات

الشباب الجزائري يطمح لبناء مستقبل مهني، لكنه محبط من نظام لا يوفر إلا وظائف برواتب زهيدة ويحجب الأمل في فرص معيشة أفضل.
الخميس 2019/02/07
شباب لا يفكرون إلا في طريقة للهرب من البلاد

لمين شيخي

الجزائر - أيا كان من سيفوز بانتخابات الرئاسة في الجزائر، فإن ذلك لا يؤثر على قرار طبيب القلب مؤمن محمد (29 عاما) في التماس الرزق في مكان آخر. فهو واحد من عدد آخذ في الزيادة من الشباب الجزائري المتعلم الذي يسعى للعمل في أوروبا أو الخليج هربا من الدخول المتدنية التي يفرضها اقتصاد تهيمن عليه الدولة في الداخل.

ونزوح الأطباء والمهندسين وغيرهم من أصحاب المهن المتميزة يقض مضجع الحكومة التي تأمل في التواصل مع جمهور الناخبين الواسع من الشباب قبل الانتخابات المقررة في 18 أبريل. ولم يعلن الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة (81 عاما) عما إذا كان سيترشح لفترة رئاسية خامسة، وإن كان حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم والنقابات العمالية وأباطرة قطاع الأعمال يحثونه على ذلك.

أما بالنسبة لأصحاب المهن المتميزة من الشباب، فالأمر لا يكاد يعنيهم. فكثيرون يشعرون بأنهم بمعزل عن نخبة يهيمن عليها كبار شاركوا في حرب الاستقلال عن فرنسا التي دارت رحاها من عام 1954 إلى عام 1962، في عهد لم يعرفوه إلا من خلال روايات الأجداد.

وهم يطمحون لبناء مستقبل مهني، لكنهم محبطون من نظام لا يوفر إلا وظائف برواتب زهيدة ويحجب الأمل في فرص معيشة أفضل. وقال مؤمن الذي يعمل في مستشفى حكومي “قدمت بالفعل أوراق الهجرة… وأنتظر الرد”.

وتشير الأرقام الرسمية إلى أن ما يقرب من 15 ألف طبيب جزائري يعملون في فرنسا الآن وأن أربعة آلاف قدموا طلبات لمغادرة بلدهم العام الماضي.

وقال رئيس الوزراء أحمد أويحيى ردا على سؤال صحافي عن هجرة الأطباء الشبان، إن الصحافة ضخمت من الظاهرة وإن هذه مشكلة بالنسبة لكل الجزائريين لا الحكومة وحسب. لكن في أوروبا، بمقدور الأطباء أن يتقاضوا عشرة أمثال ما يتقاضونه في الجزائر حيث يوجد اقتصاد اشتراكي يتقاضى الطبيب فيه ما يزيد قليلا عن موظف عام أقل كفاءة.

بالجزائر واحد من أبطأ اتصالات الإنترنت في العالم، لكن شبابها رغم هذا لهم قدرة عالية على التواصل من خلاله

وضخت الجزائر المليارات من الدولارات في قطاع الصحة خلال العقد الأخير، وكان بها حوالي 50 ألف طبيب و150 ألف سرير طبي عام 2018 كما تشير البيانات الرسمية. وتكفل هذه الدولة المنتجة للنفط والغاز رعاية اجتماعية للمواطنين من المهد إلى اللحد، لكن غياب المنافسة من القطاع الخاص أصاب بعض الخدمات بالضعف.

وتحتل الجزائر المرتبة الـ85 بين 189 بلدا في مؤشر التنمية الإنساني لمستويات المعيشة والذي يعده برنامج الأمم المتحدة الإنمائي. وتأتي هذه المرتبة بعد دول غرب وشرق أوروبا ودول الخليج، بل وإيران التي تعاني وطأة العقوبات.

ولا يقدم الكثير من المستشفيات العامة نفس مستوى جودة خدمة المراكز العلاجية الخاصة التي تظهر ببطء على الساحة. أما المقتدرون فيسافرون إلى الخارج من أجل العلاج.

ويتعين على بوتفليقة أن يعلن ما إن كان سيرشح نفسه أم لا في موعد غايته الثالث من مارس وفقا للدستور. ويقول محللون إن أعلن ترشحه فمن المتوقع أن يفوز رغم اعتلال صحته لأن المعارضة لا تزال ضعيفة ومتشرذمة. أما كيف يمكن للنخبة الحاكمة أن تتواصل مع جيل الشباب فتلك مسألة مختلفة كلية.

وبالجزائر واحد من أبطأ اتصالات الإنترنت في العالم، لكن شبابها رغم هذا ذو مقدرة عالية على التواصل من خلاله. وبدا هذا جليا حين دعا المغني الشاب فاروق بوجملين (21 عاما) جمهوره عبر تطبيق سناب شات إلى الاحتفال بعيد ميلاده في وسط الجزائر العاصمة.

فقد تدفق حوالي عشرة آلاف شخص وتسببوا في تعطل حركة المرور لساعات واضطرت الشرطة إلى وضع حواجز حول نصب مقام الشهيد كي لا يخرج الحفل عن السيطرة.

وعلى النقيض، لا توجد لبوتفليقة ولا لرئيس الوزراء ولا للعديد من الوزراء حسابات على تويتر يتواصلون من خلالها مع الشعب. والجزائر من الدول القليلة التي لا تزال الوزارات فيها تستخدم أجهزة الفاكس للاتصال بالعالم الخارجي.

وقال المحلل فريد فراحي “كيف تعيد الاتصال بالنخبة من الشباب.. هذه هي الأولوية الأولى لرئيس الجزائر القادم”.

وفي الماضي، تمكنت السلطات من ضمان اقتناص الدعم الشعبي من خلال زيادة الأجور وتمديد العمل بالدعم الاجتماعي.

وعندما اندلعت أحداث شغب بالجزائر العاصمة عام 2011، سعت الحكومة لدرء احتجاجات الربيع العربي بعرض المليارات في صورة زيادات في الرواتب وتوفير قروض حسنة والآلاف من فرص العمل بالقطاع العام.

7