هامش المناورة ضيق لدى الأوروبيين في مواجهة روسيا

مع استمرار الحرب في أوكرانيا رغم جولات المحادثات التي دارت بين المسؤولين الروس والأوكرانيين، تعود إلى واجهة الأحداث التساؤلات عن الخيارات التي يملكها الغرب والأوروبيون خاصة لدفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى التراجع وسحب قواته من أوكرانيا، لكن يبدو أن الغرب يقف أمام معادلة صعبة في هذا الصدد.
واشنطن - مع دخول الغزو الروسي لأوكرانيا أسبوعه الثاني تتزايد التساؤلات عن خيارات الأوروبيين لمواجهة رفض موسكو التراجع ووقف الهجمات، حيث يبدو هؤلاء أمام معادلة صعبة جدا بين فرض حظر جوي على أوكرانيا أو تشديد العقوبات أو انتهاج الدبلوماسية لوقف النزاع.
ورغم فرض عقوبات غير مسبوقة وتقديم دعم هائل لأوكرانيا، لم ينجح الغربيون في وقف الغزو الروسي لهذا البلد بل يتوقعون “الأسوأ”، غير أن خياراتهم لتشديد الضغط على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تبدو معقدة.
وتوعدت دول مجموعة السبع الجمعة بفرض “عقوبات صارمة جديدة” على روسيا، وتعهد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بـ”إبقاء الضغط” إلى أن “تنتهي الحرب”.
وحذر الأميركيون قبل بدء الغزو بأنهم سيفرضون تدابير تكون “في أعلى السلم منذ البداية”، وهذا ما فعلوه.

وليام تايلور: لست واثقا أن المزيد من العقوبات سيقنع بوتين بالانسحاب
فقد فرضوا مع حلفائهم الأوروبيين عقوبات غير مسبوقة على النظام المالي الروسي وعلى الأثرياء المقربين من الكرملين، كما حظروا صادرات التكنولوجيا الحيوية وفرضوا حصارا جويا على روسيا. وأقصيت روسيا من المسابقات الرياضية الكبرى وانسحبت العشرات من الشركات من البلد.
وقال السفير الأميركي السابق في كييف وليام تايلور “أنا من الذين كانوا يعتقدون أن التهديد بالعقوبات سيكفي لردع الرئيس بوتين” عن شن هجومه العسكري “لكن هذا لم يكن الحال”.
وأضاف “لست واثقا بالتالي أن المزيد من العقوبات سيقنعه بالانسحاب”.
وتم حتى الآن تحييد قطاع الطاقة نسبيا، لكن العديد من البرلمانيين الأميركيين يطالبون الرئيس جو بايدن بحظر واردات النفط الروسي إلى الولايات المتحدة.
ورد الرئيس الأميركي “لا شيء مستبعدا”.
كما يطالب بعض الصقور بقطع النظام المالي الروسي تماما عن باقي العالم، في وقت حرص الغربيون على استهداف المصارف الأقل ارتباطا بقطاع المحروقات.
وحذر بلينكن من حلول تخفض العرض العالمي للطاقة وتتسبب تلقائيا بزيادة في “الأسعار في محطات الوقود” في الولايات المتحدة وأوروبا. وحذر من أن هذا ليس من “المصلحة الاستراتيجية” للغرب، موحيا بأن واشنطن تراهن بالأحرى على مفاعيل العقوبات المفروضة حاليا.
ويطالب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الحلف الأطلسي بفرض منطقة حظر على المجال الجوي لبلاده للحد من الغارات الروسية على كييف ومدن أخرى.
غير أن هذا يبقى في الوقت الحاضر خطا أحمر يرفض الحلف الذي لا تنتمي إليه أوكرانيا اجتيازه، وهو ما أثار غضب كييف حيث لم يتردد زيلينسكي ليل الجمعة - السبت في التنديد برفض الناتو فرض حظر على المجال الجوي لبلاده.
وأوضح الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ أن “الوسيلة الوحيدة لفرض منطقة حظر جوي هي إرسال طائرات مقاتلة للحلف الأطلسي إلى المجال الجوي الأوكراني، ثم إسقاط طائرات روسية لفرض احترامه”، محذرا بأن ذلك سيؤدي حتما إلى نشوب “حرب شاملة في أوروبا”.
ويعتقد العديد من الخبراء بالتالي أن الأميركيين والأوروبيين سيلتزمون بهذا الموقف طالما أن النزاع يبقى محصورا في أوكرانيا، أو أقله خارج دول الحلف، مشيرين إلى مخاطر نشوب مواجهة نووية.
غير أن بعض الجمهوريين في الكونغرس الأميركي مثل آدم كينزينغر وروجر ويكر يعتبرون أنه سيتحتم على الحلفاء في نهاية المطاف أن يجازفوا ويفرضوا منطقة حظر جوي.
وإزاء رفض اعتماد مثل هذا الحل، تلتزم واشنطن والاتحاد الأوروبي في الوقت الحاضر بمواصلة تسليم أسلحة إلى القوات الأوكرانية، مع ارتفاع أصوات مطالبة بإمدادها بأسلحة أكثر هجومية مثل مقاتلات سوفييتية الصنع تملكها بعض دول أوروبا الشرقية ويعرف الطيارون الأوكرانيون كيفية قيادتها وتشغيلها.
ودعا السناتور الأميركي ليندسي غراهام صراحة إلى اغتيال بوتين، معتبرا أن “أحدا داخل روسيا” يجب أن يقدم على ذلك.
غير أن البيت الأبيض رد الجمعة بشكل قاطع “لا ندعو إلى اغتيال قائد بلد أجنبي ولا إلى تغيير نظام. هذا لا يمثل سياسة الولايات المتحدة”.
لكن بعض المراقبين يرون أن العقوبات، بخنقها الاقتصاد الروسي واستهداف أصول الأوليغارشيين من أوساط الكرملين الذين حققوا ثروات طائلة، قد تدفع بعض أفراد الدائرة المقربة من بوتين إلى الانقلاب عليه.

صمويل شاراب: جو بايدن يجدر به مواصلة المحاولات لإقناع بوتين بالتراجع
ورأى مدير معهد الأبحاث الاستراتيجية في المدرسة الحربية في فرنسا جانجين فيلمر أن ثمة “احتمالا كبيرا بحصول انقلاب من داخل القصر أو تمرد أوليغارشي”.
لكن هذا الاحتمال يلقى تشكيكا لدى البعض ومنهم صمويل شاراب من مؤسسة راند للدراسات. وقال إن “الأفراد الذين يمكنهم التأثير على مجرى الأمور في غاية الولاء وهم في موقعهم تحديدا بسبب ولائهم”.
ويرى شاراب أنه يجدر بجو بايدن مواصلة المحاولات لإقناع بوتين بالتراجع على غرار ما يفعله الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني أولاف شولتس بالاستناد إلى “توازن القوى” الناجم عن العقوبات.
وقال “قد يكون هذا مستحيلا، لكنني أعتقد أنه أفضل ما يمكننا القيام به في الوقت الحاضر”.
ويراهن البعض على خصم آخر للولايات المتحدة والأوروبيين هو الصين.
وقال دبلوماسي غربي إن “بكين مستاءة بشكل متزايد من الوضع”، مشيرا إلى أنها “لم تهب لنجدة الاقتصاد الروسي والتعويض عن مفاعيل العقوبات. بإمكان الصين من الآن فصاعدا لعب دور أكثر فاعلية من الغربيين في الكواليس”.