هالووين لمة عربية من وحي تقاليد غربية

بات الاحتفال بعيد الهالووين يرسخ وجوده عربيا في السنوات الماضية، لكن كثيرين يؤكدون أنه احتفال غربي يعيد إلى الذاكرة عادات عربية كالقرقيعان وعيد القديسة بربارة.
لندن – حاملين سلالهم البرتقالية يجوب الأطفال الأحياء بغية الحصول على الحلويات والسكاكر، في تقليد سنوي ضمن عيد الهالووين. ويعرف الطقس باسم “حيلة أم حلوى” (trick or treat) حيث يقوم الأطفال في فترة العيد بالتجول من منزل إلى آخر مرتدين أزياء الهالووين، ويطلبون الحلوى من أصحاب المنازل، وذلك بإلقاء السؤال “حيلة أم حلوى؟” على من يفتح الباب، وهذه العبارة تعني أنه إذا لم يعط صاحب البيت حلوى للأطفال فإنهم سيقومون بإلقاء خدعة أو سحر عليه.
ويؤكد كثيرون أن الهالووين “احتفال غربي يعيد إلى الذاكرة عادة القرقيعان التي تحتفل بها بلدان الخليج في منتصف شهر رمضان من كل عام، رغم اختلاف دلالات وجذور كل من المناسبتين”.
وحسب بعض النظريات التاريخية، تعود قصة الهالووين إلى أكثر من 2000 عام، وهناك اعتقاد شائع بأن الاحتفالات تعود إلى تقاليد كلتية (أو سلتية) قديمة. والكلت (أو السلت) هي مجموعة الشعوب التي تنتمي إلى الفرع الغربي في مجموعة الشعوب الهندو – أوروبية، ومن امتداداتها اللغوية والأثرية والتراثية الشعب الأيرلندي والأسكتلندي.
وكانت تلك الاحتفالات مرتبطة بمواسم الحصاد وجني المحاصيل. والعلاقة بين المواسم الزراعية والطقوس المرتبطة بالمجهول والقوى الخارقة شائعة في التاريخ.
وكانت تلك الاحتفالات سابقا تتضمن “التنبؤ بالمستقبل” في ما يتعلق بالموت والزواج وأمور شبيهة.
وفي تفسير آخر، فإن الموضوع له علاقة بعيد كلتي يسمى “سامهاين”، يرتبط ببداية البرد والظلام (حيث يقصر النهار ويطول الليل). فوفقا للمعتقد الكلتي، يقع إله الشمس في أسر الموت والظلام يوم 31 أكتوبر. وفي هذه الليلة تتجول أرواح الأموات في ملكوتها، وتحاول العودة إلى عالم الأحياء.
وظهر هذا العيد في شكله الحديث في الولايات المتحدة في القرن التاسع عشر مع هجرة الأيرلنديين إليها ومعهم عاداتهم وتقاليدهم وقصصهم ومنها انتقل إلى بقية العالم.
أما القرقيعان، فيرجع إلى مولد سبط النبي محمد، الحسن بن علي، إذ أن ولادته كانت في النصف من شهر رمضان. وحسب الروايات، فإن المسلمين توافدوا إلى بيت النبي لتهنئته، وبقيت العادة جارية مع مرور الزمن.
ويحيط الاحتفال كثير من الجدل، فهناك من يرى أنها عادة شعبية اجتماعية، في حين يرفضها آخرون ويعتبرونها من الأعياد المبتدعة التي لا أصل لها في الإسلام.
ولا يختلف القرقيعان أو القرقيعانة أو الكركيعان أو قريقشون أو الماجينة (تختلف التسمية من بلد إلى آخر وتعني القرع على الأبواب) عن ذلك، وتُعتبر من أهم العادات الشعبية الرمضانية في بلدان الخليج والعراق وجنوب إيران.
ويصادف العيد بحسب التقويم الهجري القمري منتصف شهري شعبان ورمضان، إذ يجوب الأطفال الشوارع والأزقة بلباسهم الشعبي ويردّدون الأهازيج ومعهم أكياسهم أو أوانيهم التي يجمعون فيها ما يحصلون عليه من حلوى ومكسرات.
ووفقا للباحثة في التراث الكويتي غنيمة الفهد، يتجمع الأطفال، ذكورا وإناثا، على شكل مجموعات لكل منها زعيم، ويستخدم بعضهم الفحم أو الألوان للرسم على الوجوه ليظهروا بشكل غريب خلال الاحتفال. وأضافت أن بعض الأطفال يحملون صندوقا حديديا أو خشبيا ويضربون عليه بعصى لإصدار صوت إيقاعي وسط ترديد الأهازيج الخاصة بهذه المناسبة.
وتوجد في البلدان العربيّة تقاليد مشابهة، إذ يحتفل المسيحيون في سوريا ولبنان والبلدان المجاورة بعيد القديسة بربارة (عاشت في القرن الثالث للميلاد) في شهر ديسمبر.
ويرتدي الأطفال في هذا العيد الأزياء التنكرية، وتكون الحلوى الخاصة به مصنوعة من القمح، اعتقادا بأن القمح نبت فجأة بطريقة خارقة للعادة لمساعدة بربارة على الاختباء، ويتم الاحتفال به في ديسمبر من كل عام.
أما الكبار فيلبسون الأردية مقلوبة، أو ترتدي المرأة ثياب زوجها، والزوج ثياب امرأته أو لباس أبيه (السروال مثلا)، ويسلقون القمح ويصنعون القطايف، والقمح المسلوق كما هو معلوم، هو باكورة الحصاد والباكورة تقدَّم قربانا للإله في الديانات القديمة.
بينما يحتفل اليهود في إسرائيل بعيد “البوريم”، أي عيد المساخر، وفيه يتنكر المحتفلون بأزياء هزلية، ويُسرفون في الشراب والضحك، وتقع فيه، جراء ذلك، حوادث العنف، وهذا العيد لدى اليهود يقع في الرابع عشر من أبريل، وهو اليوم الذي أنقذت فيه أستير أو عشتار يهود فارس من الموت، كأنها طردت إله الموت عن شعبها.
ولا يحبذ المتدينون في البيئات المسيحية والإسلامية وحتى اليهودية الاحتفال بالهالووين. وبالطبع، يهاجم الهالووين في كل عام كغيره من المناسبات على غرار الفلانتاين والكريسمس. ويندد البعض بما تعنيه هذه الاحتفالات من تبعية وتقليد للغرب وتهديد للهوية. وكل عام تتجدد دعوات مقاطعة عيد الهالووين وهذا العام علت أصوات مسيحية – عربية واصفة إياه بـ”عيد الشيطان”.
ويرد الموقع على ما يسمّيه “أقاويل” أن الهالووين حاليا هو مجرد وقت يفرح فيه الأطفال ويتمتعون فيه بالحلوى والملابس، ويقول إن الاحتفال به “بما يتضمنه من سحرة وشياطين ومشعوذين ليس سليما، لأنها عملية تطبيع لتلك الرموز الشيطانية”. واعتبر المشاركة فيه “مساهمة في عملية الارتداد عن المسيحية”.
وفجأة، أصبح الشباب يترقبون الـ31 من أكتوبر بعدما كان مجرد يوم آخر في الروزنامة.
وتقول سامية خضر أستاذة علم الاجتماع بكلية التربية بجامعة عين شمس المصرية “قبل أن نحكم على هؤلاء الشباب بأنهم ضائعون أو أنهم مستهترون ويقلدون الغرب لا بد أن نستوعبهم ونعرف لماذا يتجهون لهذه الاحتفالات الغريبة عن المجتمعات العربية”.
دعوات مقاطعة عيد الهالووين تتجدد كل عام وهذا العام علت أصوات مسيحية – عربية واصفة إياه بـ"عيد الشيطان"
وقال جمال فرويز استشاري الطب النفسي بالأكاديمية الطبية، إن الاحتفال بالهالووين هو تقليد أعمى دون وعي، ولا فهم لخطورة مثل هذه الاحتفالات التي تسبب الرعب في نفوس الأطفال خاصة أن هناك بعض المدارس تقوم بها وتنظم احتفالات لها، فالهالووين هو نوع من الغزو الثقافي، والغرب نجح في ذلك بطرق مختلفة وللأسف نحن منساقون خلفه.
ويقول الكاتب السعودي عبدالله بن بخيت “حاولت أن أضع قائمة بما نقلد به الغرب وقائمة أصيلة لا علاقة لها بالغرب لكي أعرف. أسأل هؤلاء الذين يتعبهم التقليد ما الشيء الذي لا نقلد الغرب فيه غير العبادات؟ عندما يكتب صحافي مناديا بعدم التقليد لا يدرك أن الصحافة برمتها تقليد للغرب، والذي ينادي على تويتر يقلد الغرب، الجوازات تقليد للغرب وبطاقة الهوية تقليد للغرب وركوب السيارة تقليد للغرب والنزول منها أيضا تقليد للغرب وحتى لو جاء يوم وصنعنا طائرات فنحن نقلد الغرب، ويجب على هؤلاء المهولاتية أن يعرفوا أن السعوديين بشر وجزء من العالم وسوف يشاركونه أفراحه وأتراحه. هذه اسمها الحضارة الحديثة، في التاريخ ثمة قومية أو شعب تنطلق منه الحضارة ثم تصبح بعد ذلك ملكا للشعوب كلها”.
وباتت فئات هامة من التونسيين بمختلف شرائحهم العُمرية تحتفل بعيد الهالووين، منهم من يُنظّم الاحتفالات وسط العائلة، أمّا البعض الآخر، فيختار الأصدقاء ليُشاركهم هذا الاحتفال.
ورغم أنّ أغلبهم لا يعلم تاريخ هذه المناسبة وتفاصيلها الدقيقة، إلا أنّهم شدّدوا على أنّ غايتهم الأساسية هي الترفيه عن النفس ومشاركة الأصدقاء والأقارب هذه الحفلة التنكريّة.

وتقول سيدة (54 عاما) التي تشتغل في بنك إنها اضطرت هذا العام لاقتناء لباس تنكري من محل في حين أنها كانت تقتني لباسا خاصا لابنها (13 عاما) كل عام في الهالووين للمشاركة في احتفالات تقيمها مدرسته، وتضيف أنّها بعد تلقّيها دعوة من أصدقائها للسهر في منطقة بضاحية قمّرت أصبحت مجبرة بدورها على اقتناء لباس سهرة هالووين.
وتؤكد بائعة في المحل بضاحية المرسى الراقية أنّ نسبة الإقبال على شراء ملابس الهالووين تعتبر هامة هذا العام، حيث أنّ هذه المناسبة أصبحت عبارة عن تقليد سنوي بالنسبة للتونسيين.
وأصبح الهالووين مناسبة يهتمّ بها التونسيون كغيرهم في البلدان العربية سنة بعد أخرى وتُثير فضولهم ويصل البعض حتّى إلى مرحلة إنفاق مبالغ هامة من المال للاحتفال بها.
وبدأت الفنون التنكريّة في السعودية تحظى بشعبية وتؤكد ممثلة عن متجر “مملكة التنكّر Kingdom of Costumes” المختصّ ببيع الأزياء التنكرية عبر الإنترنت زيادة المبيعات في شهري أكتوبر ونوفمبر.
ويعدّ متجر “مملكة التنكر” الأول من نوعه في السعودية، ولديه فروع في الإمارات والكويت والبحرين ومختلف المدن السعودية.
وتعلّم راكان أحمد تقنيات الماكياج المتقدّمة بجهد شخصي، وهو واحد من فنانين سعوديين كثر يهتمون بفنّ الماكياج السينمائي والتنكّر. ويقول “يعطيني هذا النوع من الرسم حريّة أكبر، فلا أكون محدودا فقط بمساحة الورقة”. ويضيف “هناك رفض اجتماعي نوعا ما لهذا النوع من الفنّ، لأنّ البعض لا يميّزون بين الماكياج التخصّصي الفني والماكياج التجميلي، ما يضع حواجز في وجه بعض الفنانين العاملين في هذا المجال”.
وهناك أشكال وألوان من ملابس وأقنعة الهالووين، تتغير عبر الأجيال وتتابع آخر تقليعات الموضة، ولكنها تدور حول فكرة الموت والأشباح بشكل عام.
وفي السنوات الأخيرة بدأت الملابس والأقنعة تستقي أفكارها من شخصيات أفلام هوليوود، وحتى من السياسيين. ويحاول الشبان والفتيات الإبداع في اختيار ملابس مثيرة للدهشة، ولا يندر أن يطعموها بمظاهر رومانسية أو مثيرة جنسيا.
وفي العراق قال صابر “اتفقنا على تنظيم حفلة بأقنعة الغاز، اقتنيناها في وقت سابق”، وذلك من وحي الاحتجاجات التي شهدها العراق.
وكانت أقنعة الغاز والرسوم على الخدود والكمامات والأوشحة التي تخفي ملامح الوجه من العلامات الفارقة للاحتجاجات الشعبية، كأنّه مهرجان تنكريّ سياسي، سابقٌ للهالووين، في شهر الاحتفال به.
وفي العاصمة اللبنانية بيروت تزينت المحال التجارية بالأزياء التنكرية وثمار اليقطين. إذ يحتل هذان المنتجان واجهات المحال استعدادا للاحتفال بعيد الهالووين.

وتقول الكاتبة الإماراتية العنود المهيري “أجهل كيف ومتى تسلل إلينا هذا الهالووين، وبات يستسيغه جيلي الذي لم يترعرع على نحت اليقطين وتزيين المنازل. فحتى مطلع القرن الحالي، لم نعرف سوى ‘حق الليلة’، وهي مناسبةٌ إماراتيةٌ محليةٌ تُقام مع انتصاف شهر شعبان. يخرج الأطفال، في النهار غالبا، فالخروج ليلا مدعاةٌ لتلبس الجان، طالبين الحلوى والسكاكر. ومن المفترض بهم ترديد ترنيمة لطيفة تقول ‘أعطونا الله يعطيكم، بيت مكة يوديكم’، ولكن الطمع في أصابع ‘تويكس’ أفسد النفوس، فلم نعد نسمع سوى الطَّرقات النزقة على الجرس”.
ويؤكد ميشال طيار وهو طبيب من محافظة طرطوس السورية، أنّ الاحتفالات بالهالووين ليست منتشرة كثيرا، إذ يقول “منذ سنوات قليلة بدأت ألاحظ موضة حفلات الهالووين في البلد، لكنها تقتصر على بعض المقاهي والحانات، وغير شائعة بين عامة الشعب، بعكس عيد البربارة. ومن يشاركون في حفلات الهالووين هم من الفئة العمرية من سنّ العشرين وما فوق، أمّا الأطفال ومعهم عائلاتهم فمازالوا يحتفلون بالبربارة”.
وأضاف “وصلتنا موضة الهالووين إلى سوريا عام 2009، لكنها بقيت ضمن حفلات خاصة، بعكس عيد البربارة الذي تنظمه المدارس والكنائس”.
وفي القاهرة، تنحصر احتفالات الهالووين بأبناء الطبقات الأكثر حظا. وتحتفل بعض المدارس الدولية والمقاهي والمجمعات التجارية ببعض الزينة المتناسبة مع أجواء الرعب.
وفي الإمارات وخاصة دبي تخصص بعض الأماكن للاحتفال بهذ اليوم، وتشترط في بعض الفنادق ارتداء الزائرين للأزياء التنكرية، وتقديم الجوائز لأجمل أزياء مرعبة.
أما في الأردن فاحتفال الهالووين ممنوع، وذلك بسبب أحداث العنف الذي رافقته عام 2014، حيث كانت هناك أعمال شغب وقعت بمنطقة عبدون غربي العاصمة عمان، على خلفية محاولة مجموعة من الشبان منع إقامة احتفال هالووين، وتخللت ذلك أعمال شغب.
كما ألقت السلطات الأمنية في الكويت القبض على عدد من الشباب والفتيات، كانوا يحتفلون بالهالووين. وأوضح حساب “مفتش الكويت” على تويتر المصرح من وزارة الإعلام الكويتية أنه جرى ضبط المحتفلين متلبسين في سهرة أطلق عليها “سهرة الأشباح”.