هارون الرَّشيد وموسى الكاظم.. ما زالا على قيد الحياة

التعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي جاءت غاضبة ضد هذا الإسفاف في السياسة، وضد توظيف آل البيت ومعارك الماضي لنيل ثمارها في الحاضر.
الأربعاء 2018/09/19
مغالاة طائفية

لم تكن مفاجأة لمتابعي الشَّأن العراقي أن تحصل مشادة بسبب هارون الرشيد وموسى بن جعفر، مع أن الأول متوفى السنة 193 من الهجرة والثَّاني قبله بعشر سنوات، فبغداد باتت محكومة بالماضي بلعناته لا ببركاته.

كان هذا رد النائب عن حزب الفضيلة الإسلامي عمار طعمة، على النائب عن التيار المدني الاقتصادي محمد علي الزيني، لأنه تحدث عن مآسي بغداد، في عصر حكم الإسلاميين، بعد الاجتياح الأميركي لبغداد 2003، وأشار إلى زمن زهو بغداد أيام الرشيد ونجله المأمون، فرفع عمار طعمة عقيرته راداً على أكبر النواب سناً بأنه لا يجوز ربط بغداد بهؤلاء الحُكام (القتلة)، فهم قتلوا أئمة أهل البيت.

كان النائبان من الشيعة الإمامية، بل الذي ربط زهو بغداد بالرشيد والمأمون مِن النجف، وانتخبه المجتمع النجفي، ولم يكن مدعوماً من حزب ولا جماعة ولا مرجعية، كمرجعية محمد علي اليعقوبي نفسها، التي يُقلدها النائب عمار طعمة وحزب الفضيلة كافة، مع علمنا أن مرجع حزب الفضيلة كان مهندساً عسكرياً يعمل في وزارة الدفاع العراقية قبل 2003، وبقدرة قادر أصبح مرجعاً ومُقلّداً مِن قبل الجمهور، الذي جمعه له حزب الفضيلة. صرخ أحد النواب محتجاً على طعمة بالقول: أنت طائفي! مما أغضب الأخير، وزاد من عيار الشعبية للرشيد والمأمون.

جاءت التعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي غاضبة ضد هذا الإسفاف في السياسة، وضد توظيف آل البيت ومعارك الماضي لنيل ثمارها في الحاضر، ومنها أن أحدهم قام بعد المداخلة العصماء لنائب (الفضيلة)، يدعو إلى إلغاء تسمية شارع الرشيد، وقبلها كان الاسم العثماني “جادة خليل”، وتسميته بشارع “عمار طعمة”، وكذلك إلغاء تسمية حي المأمون وقلبها إلى حي “عمار طعمة”، وإلغاء تسمية المدرسة المأمونية، وهي من مدارس بغداد القديمة، وتسميتها بمدرسة “عمار طعمة”، ثم إلغاء كل اسم عباسي أُطلق على شارع أو حي أو مؤسسة.

لا أحد يُدافع عن سُلطان أو حاكم، من أمويين وعباسيين ولا فاطميين ولا زيديين وسواهم، لكن هل هناك ما يُثبت أن هارون الرشيد كان ديمقراطياً

إنه زمن حزب الفضيلة ونائبه عمار طعمة، فالرشيد قتل موسى بن جعفر الكاظم، مع أن الأخير كان أحد المكرمين عند الرشيد، ويستضيفه في دار الخلافة كابن عم له، ويكرمه بأموال طائلة، لكن ما لا يريده عمار طعمة والإسلام السياسي الشيعي كافة، هو أن النزاع كان داخل أسرة موسى الكاظم، فالمصادر الشيعية، قبل السُّنية، تذكر أن ابن أخ موسى الكاظم، وهو محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق، والذي تنتسب إليه الفرقة الإسماعيلية، جاء إلى هارون الرشيد ليبلغه أن الأموال تُجمع لعمه الكاظم في الحجاز، والأموال تُجمع لهارون الرشيد في بغداد، وحظره عليه بالعبارة “مَن الخليفة”! لذا اُستدعي الكاظم وسُجن، ومات في السجن، هذا ما أفادت به المصادر الشيعية مثل أبي الفرج الأصفهاني في كتابه “مقاتل الطالبيين”، وغيره الكثير.

أما المأمون فأراد نقل خلافة أسرته العباسية للعلويين، وجعل ابن موسى الكاظم المعروف بعلي الرضا ولياً لعهده، وزوجه ابنته وزوج ابنه محمد الجواد ابنته الثانية، وتقدم بكتاب طويل قرر فيه سب معاوية والأمويين على المنابر، وقصة ذلك طويلة.

نفترض أن الرشيد قتل موسى الكاظم وأن المأمون قتل علي الرضا، وهذا ليس الحقيقة، وذلك باعتراض مؤسس المرجعية الدينية الأول الشيخ المفيد، المتوفى السنة 413 بعد الهجرة، نفى أن يكون الأئمة كافة مقتولين، وذلك في كتابه “تصحيح اعتقاد الشيعة”، والكتاب تصحيح لما جاء في كتاب أستاذه أو شيخه المعروف بالشيخ المفيد.

بغداد تفقد بهجتها
بغداد تفقد بهجتها

نقول لو حصل ذلك، فهل يعتقد نائب حزب الفضيلة أن موسى الكاظم وعلي الرضا وبقية الأئمة، بما فيهم جدهم الإمام الحُسين، سيسكتون عمن يريد أن يخطف الحُكم منهم، ألم يحارب علي بن أبي طالب الخوارج لأنهم ثاروا ضده؟

هنا لا أحد يُدافع عن سُلطان أو حاكم، من أمويين وعباسيين ولا فاطميين ولا زيديين وسواهم، لكن هل هناك ما يُثبت أن هارون الرشيد كان ديمقراطياً، اُنتخب مثل انتخاب أعضاء حزب الفضيلة في البرلمان، كي يُحاسب بأحكام اليوم، وهل كان المأمون كذلك؟ وهل كان عبيدالله العلوي أو الحاكم بأمر الله الفاطمي ديمقراطيين، كي نطبق ماضيهم على حاضرنا، وبهذه الرعونة، وهذا الفساد في الرأي؟!

يُريد نائب الفضيلة أو لا يريد أن هارون الرشيد جعل من بغداد عاصمة إمبراطورية كبرى، حتى قال قولته الشهيرة مخاطبا السّحابة “أينما تمطرين فخراجك يأتيني”، وجعل من بغداد دار علم وترجمة ضاهت عواصم الدنيا آنذاك، وكذلك كان عهد نجله عبدالمأمون، عصر ثقافة وعلم، ولو كان موسى الكاظم خليفة، ونقل بغداد تلك النقلة، لصارت أسماء شوارعها ومحلاتها باسمه. من جانب آخر أن التسميات لا تعني أن تاريخ الخلفاء، الغاضب عليهم عمار طعمة، ومرجعيته وإسلامه السياسي كافة، كافة مع آل البيت والعلويين مظلم، وما أسماء الشوارع والمحلات إلا رموز لا أكثر، فحي المنصور وشارع الرشيد انفصلا عن الاسم نفسه، وأخذا معاني أُخرى في الذاكرة.

ختاماً، ليبني عمار طعمة وحزبه بناءً يُضاهي به ما تركه هارون الرشيد والمأمون، وعندها له الحق بتسمية ما يريد، لكن ألم ير أن لا شيء سوى الحطام والخراب ارتبطا بزمنه وسلطان إسلامه السياسي، فعلام هذه المزايدة! عموماً العراقيين، إذا كانوا انتخبوا نائب الفضيلة فقد انتخبوه للإعمار لا للهدم، واعتراضه على ورود اسمي الرشيد والمأمون، بنفس طائفي مقيت، هدم لا إعمارا. فولدا العم هارون والكاظم قد ماتا قبل أربعة عشر قرنا، لكنهما ما زالا أحياء، على بغداد أن تعيش عصرهما لكن بالسلب لا بالإيجاب.

13