نووي عربي توقّيا من أي تهور إيراني محتمل

طالب عدد كبير من الخبراء المصريين الدول العربية بضرورة السعي بجدية إلى امتلاك سلاح نووي، عقب الاتفاق بين إيران ومجموعة الخمس زائد واحد، والذي يفتح المجال لإمكانية أن تمتلك طهران هذا السلاح بعد عشر سنوات من الآن. وشدّد الخبراء على حتمية البدء في إنجاز برنامج نووي عربي، لأنه أصبح يكتسي أهمية إستراتيجية كبيرة.
وشكّك مراقبون في احتمال أن تتحول إيران إلى دولة راشدة بعد الاتفاق النووي، وقالوا لـ “العرب” إنّ مخاوف العرب ودول الخليج على وجه الخصوص، ترجع إلى الأبعاد والمضامين التي ينطوي عليها الاتفاق النووي الأخير، حيث أنه منح طهران جملة من المزايا الاقتصادية والسياسية المهمة.
وأضافوا أنّ الاتفاق أكّد أنّ هناك تحولا نوعيا في سياسة الدول الغربية بشكل عام والولايات المتحدة بشكل خاص تجاه إيران، يتّسم بالسعي إلى منحها دورا كبيرا خلال المرحلة المقبلة، على حساب حلفاء واشنطن التقليديين في المنطقة، وعلى رأسهم السعودية وتركيا وربّما إسرائيل.
وقال محمد عاصم، سفير مصر الأسبق في تل أبيب، في تصريح لـ”العرب”: إنّ العرب يخشون من عقد صفقة كبرى بين واشنطن وطهران. متسائلا عن الغاية من أن ترسل الولايات المتحدة وزير دفاعها آشتون كارتر ووزير خارجيتها جون كيري إلى المنطقة لطمأنة العرب، إذا لم تكن متأكدة من أنّ الاتفاق يسير في غير مصلحة الدول العربية.
وأوضح عاصم أنّ التقارب الأميركي الإيراني “إفلاس للإستراتيجية الأميركية في المنطقة، ما يُحتم على مصر ودول الخليج خصوصا، عدم الرهان على واشنطن، وأن يعولوا على أنفسهم بدل ذلك”، داعيا إلى تبني سياسة يتم بموجبها وضع برنامج نووي خليجي مصري، مشيرا إلى أن السلوك الأميركي يتسم بالتردد الشديد وعدم الفاعلية في التعامل مع أزمات المنطقة العربية، وبالتالي يجب الاستفادة من ذلك في تمهيد الطريق لتدشين هذا البرنامج.
|
وكانت مصر قد اتفقت مع روسيا، في وقت سابق، على إعادة بناء مفاعل الضبعة النووي على البحر المتوسط، وتشييد عدد من المحطات النووية للأغراض السلمية.
كما أنّ بعض المراقبين لفتوا إلى أنّه من الممكن أن تفكّر السعودية في هذه المسألة. وقد تزايدت التكهنات في هذا الفضاء عقب زيارة ولي ولي العهد السعودي لموسكو الشهر الماضي.
السفير محمد شاكر، رئيس المجلس المصري للشؤون الخارجية وممثل مصر في وكالة الطاقة الذرية سابقا، أكّد بدوره، أن استشعار دول المنطقة المتضررة من الاتفاق الإيراني الغربي الخوف، وبشكل خاص دول مجلس التعاون الخليجي وتركيا، قد يدفعها إلى إنشاء حلف فيما بينها لمواجهة الخطر الإيراني الماثل، ويحفزها على اتباع سياسات مشابهة للإستراتيجية الإيرانية في الحصول على مكاسب سياسية، سواء من خلال تطوير نفسها ذاتيا وفرض نفسها كقوة فاعلة على الساحة الدولية، أو من خلال توحيد قواها، أو حتى تبني بعضها لبرامج نووية للأغراض العسكرية.
وقال شاكر في تصريح لــ “العرب” إنّ حديث إيران عن مدّ يد الصداقة إلى دول الجوار وتطوير علاقة التعاون معها من أجل تعزيز دعائم الأمن والسلام في المنطقة بأسرها، لا يمكن أن يكون صادقا، ما لم يتزامن مع تغيير جذري في سياساتها تجاه كثير من الدول العربية، والكف عن دعم الإرهاب، وعن التدخل في شؤون البلدان الداخلية.
ورأى شاكر، أن هناك شيئا يتم إعداده في المنطقة من قبل بعض القوى الإقليمية، قد يكون تحالفا جديدا لضمان التوازن، كبداية لخطوة نوعية تتلاءم مع مرحلة ما بعد الاتفاق النووي، خاصة عقب نجاح القوات التابعة للتحالف العربي في اليمن، واستعادة عدن من قبضة الحوثيين.
محمد عباس ناجي، رئيس تحرير مجلة “مختارات إيرانية” التي تصدر في القاهرة، أوضح بدوره، أن سجل طهران وتاريخها يرسخان قناعة المتشككين من العرب في أنها دولة “غير منضبطة”، فهي حريصة على استمرار رعايتها للمليشيات العابرة للحدود. وأضاف في معرض تصريحه لـ”العرب” أنّ ما يبدو كأنه تنازلات من قبل إيران حيال برنامجها النووي ليس سوى خطوات “مؤقتة”، والاتفاق سيشجعها غالبا على مزيد من التدخل في شؤون دول المنطقة، فجميع أذرع طهران تنتظر حصتها من الأموال التي سيتم الإفراج عنها، بما فيها النظام السوري وحزب الله وغيرهما.
وطالب ناجي الدول العربية بضرورة التفكير الجدي في التصدي لأي تهور إيراني محتمل في المستقبل القريب، حتى ولو كان بالتفكير في امتلاك سلاح نووي.
|
بدوره قال طارق فهمي، الخبير في الشؤون الإقليمية لـ “العرب”: إنّ إيران لن تغير إستراتيجيتها. لافتا إلى أنّ الاتفاق الأخير لن يساعد على تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم، مشيرا إلى ما ورد في خطاب علي خامنئي، الذي قال فيه إن بلاده “لن تتخلى عن دعم أصدقائها في المنطقة، والشعبين المضطهدين في فلسطين واليمن، والشعبين في سوريا والعراق، والشعب المضطهد في البحرين”.
وأكد فهمي أن مخاوف العرب تكمن في الجزء غير المعلن في الاتفاق، حيث من المحتمل أن تتحول إيران، التي يعاد تأهيلها، إلى دولة محورية قادرة على تنفيذ مشروعها في المنطقة. وهو ما أشار إليه بعض المسؤولين الإيرانيين بقولهم إنّ “الاتفاق يفتح آفاقا جديدة أمام بلادهم”.
واتفق مختار غباشي، نائب رئيس المركز العربي للدراسات، مع تقديرات كثير من المراقبين في أنّ الاتفاق الإيراني سوف يعظم دور طهران في المنطقة، ومن ثم على الدول العربية الرئيسية (مصر والسعودية) الاستعداد لدخول النادي النووي وتوظيفه كسلاح ردع لإيران وغيرها.
وقال لـ “العرب” إنّه من المتوقع أن يتم فرض إيران كشريك أساسي معلن مع الولايات المتحدة الأميركية في محاربة تنظيم داعش، بصورة تمكنها من إعادة تأهيل النظام السوري وتقديمه للغرب كأداة أو ذراع طولى في مجال محاربة الإرهاب، وبالتالي إفشال جهود الحل السياسي في سوريا، وإجهاض الثورة تحت مسمى مكافحة الإرهاب.
وشدد غباشي على أن تحالف الولايات المتحدة مع إيران في حال سار كما هو متوقع، سوف يفضي إلى تفاهم حول ترتيب الأوضاع في كل من سوريا والعراق واليمن، الأمر الذي ستكون له انعكاسات على مصالح عدد كبير من الدول العربية.