نهاية سياسة الأذرع المفتوحة للمهاجرين في السويد

قضية اللاجئين لم تعد التزاما سياسيا في ظل التغيرات المجتمعية الكبرى بستوكهولم
الجمعة 2021/11/19
المواقف الرافضة للمهاجرين تتزايد في السويد

بعد أن فتحت أبوابها للمهاجرين خلال الأعوام الستة الماضية، تتجه السلطات السويدية نحو تقييد سياسة الهجرة واللجوء، خاصة مع الأزمة الراهنة على الحدود البيلاروسية أين ينتظر الآلاف من المهاجرين فرصة لدخول دول أوروبا المجاورة، مع تركيز قوي على القانون والنظام لمواجهة التغيرات الكبرى التي بدأت تظهر على المجتمع ومن بينها الارتفاع المتسارع في نسب الجريمة والبطالة والفقر بين العائلات المهاجرة.

واشنطن - تغيّرت اللغة السياسية التي يخاطب بها القادة السويديون المهاجرين واللاجئين المقيمين على أراضيهم، فبعد أن دافع بعضهم عن قبول بلادهم لدفعات من اللاجئين منذ سنوات، مواجهين سخط اليمين المتطرف، أصبحوا اليوم يطالبون بشعارات اليمين القديمة، بعد أن أدركوا تأثير عمليات الهجرة واللجوء على تركيبة المجتمع السويدي طوال سنوات.

وبعد الاحتفال بانتصار دولة الرفاهية السويدية على الليبرالية الجديدة، خاطبت وزيرة المالية ماغدالينا أندرسون، في أول خطاب لها كرئيسة للحزب الاشتراكي الديمقراطي السويدي، هذا الشهر، اللاجئين والمهاجرين في البلاد البالغ عددهم مليوني شخص مباشرة، مما صدم بعض أعضاء الحزب الموالين.

وقالت “إذا كنت صغيرا في السن، يجب أن تحصل على شهادة الثانوية العامة وتواصل العمل للحصول على وظيفة أو تعليم أعلى. وإذا كنت تتلقى مساعدة مالية من الدولة، يجب أن تتعلم اللغة السويدية وأن تعمل لعدد معين من الساعات في الأسبوع. حيث يعمل كل من الرجال والنساء ويساهمون في الرفاهية هنا في السويد”. وتطبق المساواة بين الجنسين في السويد “بغض النظر عما يراه الآباء أو الأمهات أو الأزواج أو الإخوة”.

وفي 2015 افتخر السويديون بقرار البلاد قبول 163 ألف لاجئ، معظمهم من سوريا والعراق وأفغانستان. وقال رئيس الحكومة ستيفان لوفين في ذلك الوقت “قارتي تستقبل اللاجئين. أوروبا التي أعيش فيها لا تبني الجدران”. كان هذا هو الخطاب البطولي في السويد، لكنّ الديمقراطيين الاشتراكيين ينشرون اليوم المصطلحات القاسية التي استخدمها الناشطون اليمينيون المتطرفون من حزب ديمقراطيي السويد منذ ستّ سنوات.

ولاحظ جهاز ديمقراطي اجتماعي مؤخرا أنه بما أن “جميع الأحزاب الرئيسية اليوم تؤيد سياسة هجرة تقييدية مع تركيز قوي على القانون والنظام”، لم تعد قضية اللاجئين التزاما سياسيا.

ومن المتوقع أن تصبح أندرسون أول رئيسة لحكومة البلاد مكان لوفين، وخطابها يعطي فكرة ولو بسيطة عما قد ينتظر اللاجئين والمهاجرين من قيود في عهدها.

تنامي جريمة

جيمس تروب: السويد تُخفي أنها لم تعد بلدا يُرحب بالأجانب

يقول المحلل السياسي جيمس تروب، في مقال له في مجلة فورين بوليسي الأميركية، إن السويد فتحت أبوابها أمام الأشخاص اليائسين الفارين من الحروب الأهلية والطغيان في الشرق الأوسط، ليس للتكفير عن خطيئة (مثل ألمانيا)، بل بدافع الشعور بالالتزام الأخلاقي العالمي. ولم تختر السويد بناء الجدران. لكن أوروبا فعلت ذلك في 2015، تاركة عددا قليلا جدا من البلدان، وخاصة ألمانيا والسويد، لتحمل عبء ما أسماه تروب حينها “المذهب المثالي غير المشترك”.

ومع ذلك، كان قادة السويد مثل قادة ألمانيا على استعداد لتحمل هذا العبء. وكان الديمقراطيون الاجتماعيون واثقين وشبه راضين عن قدرة السويد على دمج أعداد كبيرة من الأطفال الأفغان غير المتعلمين والسوريين المتدينين والمحافظين، تماما كما فعلوا مع البوسنيين والإيرانيين في السنوات الماضية.

لكن السويديين أدركوا منذ ستّ سنوات أن للدولة الأكثر كرما حدودها. حيث عانت بلادهم من ارتفاع معدلات الجريمة في السنوات الأخيرة.

ووفقا لتقرير صادر عن المجلس الوطني السويدي لمنع الجريمة، انتقلت السويد من بلد كان يسجّل أدنى مستويات عنف السلاح في أوروبا إلى بلد به أعلى المستويات على مدار العشرين عاما الماضية، وأصبحت أسوأ من إيطاليا وأوروبا الشرقية.

وقال التقرير إن الزيادة في جرائم القتل بالأسلحة النارية في السويد مرتبطة ارتباطا وثيقا بالبيئة الإجرامية في المناطق المحرومة اجتماعيا. ويتخصص أفراد العصابات التي ينتمي أعضاؤها إلى الجيل الثاني من المهاجرين، وكثير منهم من الصومال وإريتريا والمغرب وأماكن أخرى من شمال أفريقيا، في تهريب المخدرات واستخدام المتفجرات.

وأصبحت الجريمة القضية الأولى في السويد. وتفاخرت أندرسون بأن حزبها أضاف سبعة آلاف ضابط شرطة جديد، وبنى المزيد من السجون، وصاغ قوانين لتحديد ثلاثين جريمة جديدة. وكل هذا قبل أن تقول أي كلمة عن الهجرة. وشجبت “أولئك الذين يزعمون أن ثقافات ولغات معينة وديانات معينة تجعل الناس أكثر عرضة لارتكاب الجرائم”، لكن حكومتها تبنت هذه المزاعم.

وليس من المستغرب أن يتخلف القادمون الجدد عن السويديين في كل مؤشر من مؤشرات الرفاهية، ولكن الفجوة كبيرة جدا. ففي كتاب حديث بعنوان “التحدي الجماعي: التأثير الاجتماعي والاقتصادي للهجرة إلى دولة الرفاهية الاسكندنافية”، كتب تينو سنندجي، وهو اقتصادي من أصل كردي أصبح ناقدا رئيسيا لسياسات الهجرة في السويد، أن المولودين في الخارج يمثلون 53 في المئة من الأفراد الذين صدرت ضدهم أحكام بالسجن لفترة طويلة، ويمثّلون 58 في المئة من العاطلين عن العمل، ويحصلون على 65 في المئة من نفقات الرعاية الاجتماعية.

ويتمركز 77 في المئة من فقر الأطفال في السويد في أسر من أصول أجنبية، وكان 90 في المئة من المشتبه بهم في حوادث إطلاق النار من أصول مهاجرة. وأصبحت هذه النسب معروفة على نطاق واسع. وانخفض بذلك عدد السويديين الذين يؤيدون الهجرة من 58 في المئة في 2015 إلى 40 في المئة اليوم.

نظام تغيّر

Thumbnail

يقول تروب إن السويد لم تعد بلدا يُرحب بالأجانب ولا ترغب في أن يُنظر إليها على أنها كذلك.

وفي يونيو 2016 قررت الدولة مراجعة سياستها القائمة منذ فترة طويلة لحرمان اللاجئين من اللجوء الدائم. ونال أولئك الذين قبلتهم تصاريح مؤقتة لمدة ثلاثة أشهر أو ثلاث سنوات، وهو الحد الأدنى المسموح به بموجب قواعد الاتحاد الأوروبي. وكان من المفترض أن يكون القانون ردا مؤقتا على أزمة الخريف الماضي أمام تزايد طالبي اللجوء، لكن تجديده تقرر منذ ذلك الحين.

وقبلت البلاد 13 ألف لاجئ فقط العام الماضي، وهو أقل عدد سجّلته منذ ثلاثين عاما. وخلصت دراسة حديثة كتبها أحد كبار مسؤولي الهجرة السويديين إلى أن النرويج والدنمارك، وكلاهما معروف بكونهما غير مرحبين باللاجئين، “يُنظر إليهما بشكل متزايد على أنهما مثالان إيجابيان لكيفية التعامل مع اللاجئين والهجرة الدولية”.

ويعدّ التخلي عن المثل العليا التقليدية أمرا مزعجا للتقدميين في السويد. وقالت ليزا بيلينغ رئيسة الأبحاث في مركز أبحاث أرينا أيد في ستوكهولم “لقد رأينا بالتأكيد تحولا قمعيا في اللغة السياسية”. وأقرت، في تغير عن موقفها في 2015، بأن “هناك حاجة كانت قائمة لفعل شيء ما” لوقف تدفق اللاجئين الهائل، لكنها تعتقد أنه كان ينبغي السماح للقيود بالانتهاء بمجرد انحسار هذا المد. وأشارت إلى أن التصاريح المؤقتة تمنع طالبي اللجوء في كثير من الأحيان من تلقي نوع التدريب المهني طويل الأجل الذي يحتاجون إليه لدخول سوق العمل.

وليس هذا هو العائق الوحيد أمام العمل: تفتقر السويد إلى ما ينقل الوافدين الجدد من برامج اللغة إلى التدريب المهني إلى الوظائف. وربما تحتاج الدولة إلى أن تكون أقوى، لكن كرم السويديين جفّ على هذه الجبهة. وليس التعاطف معهم صعبا، حيث أنفقت الدولة في 2016 مبلغا قدره ستة مليارات دولار على اللاجئين، أي أكثر من 5 في المئة من إجمالي ميزانيتها.

وسبق أن تقدم حزب الليبراليين المدعوم من أحزاب اليمين البورجوازي بمقترح قانون يمنع المهاجرين والأجانب من الحصول على الجنسية السويدية إذا اشتركوا أو ساعدوا أو نفذوا جرائم خطيرة في البلاد، بعد أن طالب سابقا باشتراط إتقان اللغة السويدية على الراغبين في الحصول على الجنسية.

وخلال الأسابيع الماضية أثار حزب سفاريا ديمقراطنا المتطرف جدلا واسعا بين سكان ثاني أكبر مدن السويد “مدينة مالمو”، جيث طالب بإسكان المهاجرين في كرفانات وقوارب وإنشاء مكتب لإعادتهم إلى أوطانهم، وأصدر موازنة للمدينة تسمح بسحب مساعدات السكن “للمشردين الأجانب” والعزاب المهاجرين.

المهاجرون في السويد يمثلون:

- 53 في المئة من المحكومين بالسجن لمدة طويلة
- 65 في المئة من الرعاية الاجتماعية مخصصة لهم
- 90 في المئة من المشتبه بهم في حوادث إطلاق النار
- 77 في المئة من أطفال المهاجرين ضحية الفقر
- 58 في المئة من العاطلين عن العمل في السويد

ويؤكد تروب أن السويد لا تزال بلدا مزدهرا وآمنا، لكن الاندفاع السويدي انتهى. حيث استنزفت السويد الكثير من نفسها. وأخضعت ثقافة قديمة ومتجانسة على مدى السنوات العشرين الماضية لتحول ديموغرافي بنسب كبيرة دون أي نية مسبقة أو حتى نقاش عام.

وتبلغ نسبة المواطنين المولودين في الخارج في السويد الآن 20 في المئة. ويستمر عدد المهاجرين في الازدياد كل عام بحوالي 100 ألف شخص أو ما يقرب من 1 في المئة من السكان بفضل هجرة اليد العاملة المستمرة ولم شمل الأسر. ويأتي جل المهاجرين من مجتمعات تختلف اختلافا جذريا عن السويد (أقل تعليما وأقل علمانية)، لكن السويد لم تمت، بل غيّرت السياسات التي تبنتها من قبل لضمان البقاء.

وتعدّ السويد مثالا عن أوروبا. حيث استجاب الاتحاد الأوروبي لردود الفعل المتزايدة ضد وصول أكثر من مليون مهاجر في أواخر الصيف وأوائل خريف 2015 من خلال التوصل إلى اتفاق مع تركيا في 2016 لمنع اللاجئين من العبور إلى القارة. وأدى ذلك إلى حل المشكلة السياسية دون معالجة الأزمة الإنسانية الأساسية. وحاولت أوروبا منذ ذلك الحين وبشكل غير فعال مساعدة الدول الأفريقية والشرق أوسطية التي تستضيف الآن الغالبية العظمى من أولئك الذين فروا من العنف والقمع في المنطقة.

وتجري المواجهة الحالية على حافة القارة، حيث سعت بيلاروسيا لابتزاز أوروبا عن طريق إرسال لاجئين من جميع أنحاء العالم إلى بولندا وليتوانيا. وأعرب قادة الاتحاد الأوروبي عن دعمهم الكامل لرد بولندا الوحشي، حتى وهي تترك الآلاف من الأشخاص الضعفاء يتعرضون لدرجات حرارة منخفضة جدا في الغابات بالقرب من حدودها.

ولم يقترح أحد فحص مزاعم الاضطهاد خوفا من وصول عشرات الآلاف من المهاجرين الجدد. وعلى أي حال، لن تكون أوروبا ملاذا لسبعين مليون لاجئ ومشرّد في العالم. حيث يجب توطين الجزء الأكبر من هؤلاء الأشخاص بالقرب من بلدانهم الأصلية، على الرغم من أن الدول الغنية ستضطر إلى تحمل معظم التكاليف اللازمة لتوفير حياة كريمة لهم.

وتغير تعاطي الحكومة السويدية مع هذه الأزمة عن سابقتها في 2015، حيث قالت وزيرة الخارجية آن لين إن الأزمة مفتعلة وبلادها لن تسمح بها وعلى اللاجئين العودة من حيث أتوا وعليهم إن كانوا يرغبون في اللجوء لدول الاتحاد الأوروبي أن يطلبوه من بيلاروسيا. وعرضت تقديم الدعم لا لاستقبالهم في السويد بل لإعادتهم إلى أراضيهم.

السويد فتحت أبوابها أمام الأشخاص اليائسين الفارين من الحروب الأهلية والطغيان في الشرق الأوسط دون أن تحسب العواقب
السويد فتحت أبوابها أمام الأشخاص اليائسين الفارين من الحروب الأهلية والطغيان في الشرق الأوسط دون أن تحسب العواقب

ولا ترتكز المجتمعات الديمقراطية على المبادئ المجردة التي تنص عليها وثائق تأسيسها. وتعتمد على معتقدات مواطنيهم الجماعية.

ويقول المركز السويدي للمعلومات إن المهاجرين خاصة من الشرق الأوسط يواجهون قيما سويدية أساسية لا يتأقلمون معها بسرعة وسهولة من بينها حرية الجسد والحرية الجنسية وعدم حبهم للسهر، كما أنهم غير اجتماعيين بالمفهوم الشرقي.

ويؤكد تروب أن المبادئ المجردة تمارس سيطرة قوية، لكن التجربة المَعيشية يمكن أن تحرر الشعوب حتى من القيم التي تعتبر مقدسة. وتقع مسؤولية تذكير الناس بهذه القيم على عاتق القادة، ويجب عليهم كبح القوى التي تهدد المبادئ الديمقراطية وتسخيرها وإعادة تشكيلها.

7