نماذج هندسية مصغرة توثق المنازل التراثية في لبنان

تعرضت المباني التراثية في لبنان إلى الكثير من الهزات، من ذلك الحرب الأهلية وانفجار مرفأ بيروت والزحف العمراني الحديث، لذلك تجندت مجموعة من اللبنانيين لصنع نماذج مصغرة من هذه المنازل كي تبقى للأجيال القادمة.
بيروت - باستخدام خشب مُعاد تدويره، يقوم رائدا أعمال لبنانيان بإبداع نماذج مصغرة ثلاثية الأبعاد لمنازل تراثية تقليدية في إطار مشروع سمياه “فروم ليبانون ويذ لوف” (من لبنان مع الحب) لمحاكاة تراث لبنان وثقافته من خلال العمران.
ويستهدف المشروع تذكير الناس بأيام مجد العمارة اللبنانية، خاصة وأن المباني العصرية أصبحت تشكل خطرا على الأبنية التراثية التي تتعرض للهدم لتحل محلها أبنية حديثة.
وقال جورج غفاري، أحد مؤسسي المشروع ومديره العام، “وُجد المشروع لأنه لا بد من الاهتمام بما تبقى من أبنية تراثية بعد أن بلغت انتهاكاتها مراحل خطيرة، وأصبحت هناك حاجة ملحة إلى منتجات تتمثل في نماذج معمارية مصغرة تعبر أكثر عن هوية لبنان وتراثه، وكان لا بد أن تكون هذه المنتجات بأياد لبنانية وصنعت في لبنان”.
وأضاف “كل شيء مصنوع من خشب، وكل الخشب مُعاد تدويره”.
ويبدو أن العمران والتراث المادي يقربان اللبنانيين الحاليين من جمال مدنهم، بينما التراث الثقافي غير المادي يقربهم من روحها.
تقول جنيفر وشقيقها جورج، مؤسسا المشروع، إن هدفهما أن تُستخدم منتجاتهما كقطع ديكور وتذكارات لأشياء “مصنوعة في لبنان” لسكان لبنان والمغتربين والسائحين على حد السواء.
وقالت جنيفر، مديرة العمليات في المشروع، “هو مشروع لكل الأجيال، للجيل الذي عاصر مجد المباني التراثية وهو الجيل الذي أنا منه وشاهدنا البعض من هذا التراث المعماري العجيب، ونحن اليوم نخشى ألا تعرف الأجيال القادمة شيئا عن المباني التراثية، لذلك قررنا العمل على الحفاظ على هذا المعمار بنماذج هندسية مصغرة تعود أرباح مبيعاتها إلى ترميم أو إعادة تشغيل المباني التراثية التي فقدت الحياة”.
وأضافت “عَمِرها هو أول خط إنتاج اشتغلنا عليه حتى يحاكي تراث لبنان وثقافته من خلال العمران الذي لم نعد نراه في المدن اللبنانية، لذلك بدأنا بأول بيتين، هما بيت بيروت وبيت الضيعة الذي سميناه رواقا”.
وبينما تم إهمال العديد من هذه المنازل التراثية خلال الحرب الأهلية التي استمرت 15 عاما وبعدها، فإن بعضها لا يزال في حالة جيدة وتسكنه عائلات أو تتخذه شركات كمقار لها.
وبينما يشرح نموذجا لأحد البيوت قال جورج غفاري “هذا النموذج لبيت بيروتي مميز لأنه مبنى سكني وتجاري في نفس الوقت، هو البيت البيروتي، إنه مميز كثيرا، لأنه كان سكنيا وتجاريا في نفس الوقت”.
ويرى جورج أن مفهوم التراث المعماري لا يقتصر على المباني والصروح الضخمة فقط، بل يشمل أيضاً المساكن والمباني العمرانية التي شيدت وفقاً لأنماط قامت على البساطة، “لذا فإن الاهتمام بالتراث المعماري والمحافظة عليه في لبنان يقتضيان عدم حصره في الأحياء والمناطق التي قطنها الأثرياء وأورثوا أجيال زماننا تحفاً معمارية تتسم بعظمة هندستها وبنائها، في مقابل إهمال الأحياء التي توصف بأنها شعبية، وترتبط بنمط الحياة الإجتماعية التي كانت سائدة وباتت مقوماتها شبه مفقودة”.
ويتعاون الشقيقان غفاري مع فنانين محليين وحرفيين ونساء ومؤرخين وفئات ضعيفة في المجتمع بجهدهم الخاص للحفاظ على المشروعات الصغيرة والمتوسطة وسط الانهيار الاقتصادي في لبنان.
وتنتشر منازل لبنان القديمة في أنحاء الساحل وعبر الجبال، وهي بأروقة ذات طابق واحد أو اثنين أو ثلاثة وبأسطح من القرميد.
ولئن تعرض الكثير منها للإهمال أثناء وبعد الحرب الأهلية فإن بعض البيوت تتم المحافظة عليها جيدا وتسكنها عائلات.
المصور الفوتوغرافي البريطاني جيمس كيروين، الذي زار لبنان بعد انفجار مرفأ بيروت لالتقط صور لهذه المباني التي تمتاز ببصمة تراثية قديمة مختلفة عن المباني المعاصر ة، وقال،“كل الجمال الذي يحيط بنا يشبه إلى حد ما السفر عبر الماضي ومحاولة تخيل ما كان هناك من قبل. حتى من دون وجود أثاث فإنه يمكن للمرء أن يتخيل أن البيت كان جميلا، فيه ميزات جميلة وتجهيزات وأثاث وغير ذلك”.