نقل المسابقات إلى مسابح أخرى وارد

بالتزامن مع تحفظ البعض على صلوحية مياه نهر السين للمسابقات الأولمبية في السباحة تصر الجهات المسؤولة على نظافة النهر الذي ألهم الشعراء، لكنها اتخذت إجراءات احتياطية كإلغاء بعض المسابقات ونقل منافسات أخرى إلى مسابح تبعد عن باريس مسافة ساعة ونصف الساعة بالسيارة.
باريس – عندما يثار سؤال هل يمكنك أن تسبح في نهر السين؟ ينفجر البعض ضاحكا، والبعض الآخر يرفع حاجبيه تعجبا أو يُظهر العبوس.
يجيب الرجل المتقاعد باتريس دسروسيز (64 عاما) بشيء من النفور، بعد أن توقف عن سيره أثناء نزهة في ضفة النهر، “تسألني هل أسبح فيه؟ أنا؟ لا أعتقد ذلك”.
وذكرت صحيفة لوس أنجلس تايمز أنه قبل أيام قليلة من افتتاح أول دورة للألعاب الأولمبية في باريس منذ قرن، لا يزال نهر السين ذلك المجرى المائي الذي ألهم الشعراء والرسامين، والذي يمثل خلفية شاعرية لأكثر النصب التذكارية والمعالم التاريخية مهابة، والذي شهد تنهدات أجيال من العشاق، هو الموقع المخصص في الهواء الطلق لمسابقات السباحة لمسافات طويلة، ومباريات الثلاثي الحديث خلال ذلك المهرجان الرياضي العالمي. ومع ذلك لا يعلم أحد بشكل مؤكد أن ذلك سيحدث بالفعل.
وتبين من الاختبارات التي أجريت مؤخرا على جودة مياه النهر حدوث تحسن مطرد، وفي حالة استمرار الاتجاهات الحالية يمكن اعتبار النهر آمنا للسباحة فيه، غير أن الاختبارات التي أجريت في وقت سابق من فصل الصيف الحالي أظهرت وجود معدلات مرتفعة من بكتيريا تصيب الأمعاء الغليظة، وهو ما يشير إلى وجود فضلات آدمية في مياه النهر.
وبالرغم من تنفيذ برنامج طموح ومكلف لتنظيف مياه السين من التلوث يقر المسؤولون بأنه في حالة هطول أمطار غزيرة دفعة واحدة في لحظة غير مناسبة، يمكن أن يدفع بموجة من مياه الصرف الصحي إلى مجرى النهر.
وبالنسبة إلى الزوار والسكان المحليين على حد السواء أصبح التساؤل الذي اتخذ شكلا دراميا حول ما إذا كان نهر السين صالحا للسباحة، يبدو كنوع من اللغز الذي يتطلب من المتفرجين أن يفكوا شفرته.
وقالت عمدة باريس آن هيدالغو في مايو الماضي عند افتتاح خزان ضخم لاستيعاب مياه الأمطار بالقرب من محطة قطار أوسترليتز، والذي يعد واحدا من ستة مشروعات للبنية التحتية الكبرى، في مبادرة بقيمة 1.5 مليار دولار لتنظيف النهر، “كان حلمنا هو أن نسبح في نهر السين مثلما اعتاد سكان باريس أن يفعلوا منذ 100 عام”.
وسبحت العمدة هيدالغو في نهر السين مؤخرا، كدليل على ثقتها بنظافة النهر وإمكانية إقامة مسابقات الأولمبياد فيه، بعد أن كانت قد تراجعت عن تعهدها بالسباحة فيه، ونزلت وزيرة الرياضة الفرنسية إيميلي أوديا كاستيرا في مياه النهر هذا الشهر، على الرغم من أن بعض المتفرجين لاحظوا أنها لم تمكث في المياه فترة طويلة.
أما الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون فقد تعهد منذ أشهر بالسباحة في النهر قبل بدء الأولمبياد. غير أنه قال للصحافيين آنذاك، سواء أكان مازحا أم لا، إنه لن يخبرهم بالموعد الذي سينفذ فيه هذا التعهد ليأتوا إلى مشاهدته.
ومن الغرائب التي أدت إلى إحباط الخطط الهادفة إلى جعل نهر السين صالحا للسباحة أن نشطاء الإنترنت الذين يعبرون عن خطط متطرفة للفت الأنظار إلى أهمية الحفاظ على البيئة، هددوا في الشهر الماضي بقيامهم جماعيا بالتغوط في النهر تعبيرا عن إحباطهم إزاء تقاعس السياسيين في اتخاذ خطوات عملية لحل القضايا الاجتماعية.
ويقول خبراء الأرصاد الجوية إن توقعات الطقس من الآن حتى بداية المنافسات تتراوح بين الطقس الحار والمشمس، ما يساعد على الحفاظ على مستويات البكتيريا المنقولة عن طريق المياه منخفضة، ومن ناحية أخرى أكدت اللجنة المنظمة للأولمبياد أن هناك خططا احتياطية في حالة اعتبار نهر السين غير مناسب لمنافسات السباحة.
ومن بين الخطط الاحتياطية تأجيل المنافسات المقرر تنظيمها بين 30 يوليو والخامس من أغسطس، وتغيير مباريات الثلاثي الحديث إلى الثنائي، عن طريق التخلي عن مسابقات السباحة، ونقل فعالية السباحة الماراثونية إلى ملعب لرياضة السباحة، يقع على مسافة تقطعها السيارة خلال ساعة ونصف الساعة من باريس، في فير سير مارنيه التي من المقرر أن تستضيف منافسات التجديف وسباق الزوارق.
ويلاحظ أنه يتم التكتم عن الخطط الاحتياطية، في الوقت الذي يعرب فيه المنظمون بشكل شبه يومي عن آراء إيجابية، غير أن هذا التفاؤل الرسمي يتعارض في الغالب مع آراء المارة. وعلى سبيل المثال يصف أحد المارة، ويدعى جيف سانشيز (54 عاما)، نهر السين بأنه “جميل للغاية ورومانسي جدا وشديد القذارة”.
وتم حظر السباحة في نهر السين لأكثر من قرن من الزمان على الرغم من أن الحظر، وفقا لما قالته لورانس ليستل مؤرخة البيئة بجامعة السوربون مؤخرا، تم فرضه آنذاك أصلا بسبب مخاطر الملاحة وليس بسبب التلوث. غير أنها أوضحت أن النهر كان قذرا بالتأكيد في ذلك الوقت.
ومن ناحية أخرى ترتفع شبكة متقنة من السقالات والمدرجات على ضفاف النهر استعدادا لمراسم الافتتاح التي تشمل تحرك موكب كبير من الزوارق منطلقا من الشرق إلى الغرب ومارا في النهر عبر وسط باريس.
وأثناء الليل والنهار يمكن للمارة على ضفاف النهر وجسور باريس سماع خليط من اللغات التي يتحدث بها الزوار، بينما تنساب الزوارق السياحية على سطح النهر. وفي لقطة أخرى يتصفح الزوار عناوين الكتب المعروضة في الأكشاك الخضراء الداكنة لبيع الكتب، التي أكد ماكرون بنفسه أنها ستبقى في مكانها أثناء الدورة الأولمبية، بالرغم من المخاطر الأمنية.