نقابة الصحافيين المصرييين تفتح ملف المحررين المتدربين في الصحف

حركت نقابة الصحافيين المصرية ملف المحررين غير المعتمدين في جداولها أو من يعرفون باسم “المتدربين” في الصحف المختلفة، للحفاظ على حقوق المئات من الصحافيين الذين يعانون أوضاعا مهنية ومالية صعبة، ويقعون أحيانا فريسة لصحف تتركهم دون منحهم حقوقهم القانونية وتسجيلهم في كشوف النقابة الرسمية.
القاهرة - قال نقيب الصحافيين المصريين خالد البلشي إن النقابة خاطبت جميع المؤسسات الصحفية الحكومية والخاصة والحزبية لإيفادها بأسماء المتدربين، لأن ذلك حق يقره القانون، وتسعى النقابة لحمايتهم وتأمين عملهم وضمان تثبيتهم في المدة التي حددها القانون.
وأوضح البلشي أن النقابة تدرس إلزام المؤسسات بإيفادها بأسماء المُتدربين عن طريق قوائم تُسلّم لها أو فتح باب تسجيل المُتدربين في النقابة، على أن تُعيد إرسال أسمائهم إلى المؤسسات للتأكد من عملهم فيها، وقد خاطب الهيئة الوطنية للصحافة المسؤولة عن إدارة الصحف الحكومية لتحريك ملف تعيين المتدربين في الصحف القومية.
ويواجه متدربون في الصحف المصرية مشكلات جمة، لأن بعض الصحف تستغل الحقوق المشروعة لهؤلاء في التثبيت والاعتماد بجداول النقابة وتوظيفها كأدوات ضغط عليهم، وتستمر فترات التدريب سنوات طويلة، وفي نهاية المطاف يجد المحرر نفسه مطروداً من العمل بحجج مختلفة.
وتتجه بعض الصحف إلى الاعتماد بشكل كبير على المحررين غير المعينين، لأنهم يتقبلون الضغط عليهم بشكل مستمر، عكس غيرهم ممن أضحى لهم وجود مقنن داخل الصحيفة وفي جداول نقابة الصحافيين التي توفر بدلا شهريا ماليا يُعرف باسم بدل “التدريب والتكنولوجيا”، ويشكل أحد أهم مصادر الدخل للعديد من الصحافيين، وكان سببًا في توالي حالات الاستغناء عن المتدربين والاستعانة بآخرين كلما وجدت الصحيفة نفسها مجبرة على تعيينهم فيها.
ويرجع الجزء الأكبر من المشكلة إلى قانون نقابة الصحافيين الذي يشترط لقيد الصحافي في جدول النقابة أن يكون محررا محترفاً ومعينا في إحدى الصحف وله أرشيف أعمال يتقدم به للجنة القيد، ما يستوجب عليه ممارسة المهنة قبل الانضمام إلى النقابة، ويتحمل المتدربون الكثير من الانتهاكات أملاً في التعيين ثم الالتحاق بالنقابة.
يقول باسم حلمي، وهو اسم مستعار لصحافي متدرب في إحدى الصحف الخاصة، إنه التحق بالعمل منذ خمس سنوات، وفي الجزء الأكبر من هذه الفترة لم يكن يحصل على مقابل مادي نظير عمله قبل أن تضطر إدارة الصحيفة إلى صرف مكافأة شهرية له ولحوالي 15 آخرين من زملائه بعد أن احتجوا داخل مقرها للمطالبة بالتعيين.
ويضيف في تصريح لـ”العرب” أن الكثير من زملائه لا يتحملون ظروف العمل التي تمتد في اليوم الواحد لأكثر من 12 ساعة، وتختلف بين تغطيات خارجية وفترات عمل منتظمة داخل مقر الجريدة، وفي النهاية من يرحل لا يحصل على أي حقوق، ومن يتحمل هذه الأوضاع ينتظر التعيين والاعتراف به كصحافي في كشوف النقابة.
الأكثر من ذلك، وفقًا للصحافي الذي تخرج في كلية الإعلام عام 2013، أن الصحيفة تلمح إلى حاجتها لأن يدفع المتدربون أموالاً للتعيين، ولا تعلن ذلك صراحة لكن آخرين جرى تعيينهم دون الالتزام بالأقدمية وتاريخ الانضمام إلى العمل وبلا معايير كفاءة واضحة، ومن لم ينالوا حقوقهم في التعيين باتوا على قناعة بأنه سيكون عليهم دفع أموال طائلة لتسريع عملية التعيين، حيث ينظر ملاك بعض الصحف إلى دخول النقابة على أنه مصدر دخل جيد لمن يلتحقون بها.
وتعد هذه النوعية من الوقائع جزءا مما يتعرض له المتدربون، وتسبب غياب النقابة وعدم استطاعتها الحفاظ على حقوق هؤلاء، بل وتراجع قدرتها على حماية منتسبيها من أن يتحول العمل إلى “سوق نخاسة” بلا ضوابط حاكمة، ومنذ أن جرى انتخاب رئيس جديد للنقابة ونصف أعضاء مجلسها في مارس الماضي والحديث لا يتوقف عن محاولة استعادة هيبتها بالدفاع عن حقوق أعضائها والمنتسبين إليها.
بعض الصحف تتجه إلى الاعتماد بشكل كبير على المحررين غير المعينين، لأنهم يتقبلون الضغط عليهم بشكل مستمر
وحسب تصريحات سابقة لخالد البلشي شكلت النقابة لجنة من مُمثلي المؤقتين للعمل على معالجة هذه القضية، ووضع حلول لها، ما أوجد أملا في أن تستعيد النقابة قوتها في مواجهة أصحاب الصحف الخاصة.
وقال مدير المرصد المصري للصحافة والإعلام (حقوقي) أشرف عباس إن النقابة اتخذت خطوة إيجابية لحل مشكلات المتدربين بمخاطبتها الصحف عبر إرسال كشوف بأسمائهم، وتكمن المعضلة في الاستجابة والتنفيذ الحقيقي، لأن هناك الكثير من الصحف والمواقع الإلكترونية التي لا توجد لديها أوراق ثبوت قانونية تجعلها تابعة لنقابة الصحافيين.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن “حديث نقيب الصحافيين عن إرغام الصحف على إرسال الكشوف يمكن تنفيذه لأن النقابة لديها الحق في الحصول على حقوق المحررين غير المعينين عبر كشوف التأمينات الاجتماعية للتعرف على الموقف القانوني للعاملين في الصحف، كما أن النقابة بدأت بإجراءات تضييق الخناق على انضمام غير ممارسي المهنة إليها من خلال إدخال تعديلات على ضوابط لجنة القيد”.
وشدد على أن الصحافيين أنفسهم مطالبون بلعب الدور الأهم في هذه المسألة، لأن تعريفهم بحقوقهم ومطالبتهم بتحرير عقود مؤقتة وفتح ملف تأميني قبل عملية التعيين إحدى أدوات الضغط على الصحف، واستطاع المرصد أن يثبت صلة بعض الصحافيين بالمؤسسات التي يعملون فيها، وحصل على أحكام قضائية تقضي بعودتهم ومنحهم التعويض المناسب.
وثمة مخاوف من تقديم شكاوى قانونية وإدارية ضد الصحف التي يعملون فيها لعدم القدرة على إثبات العلاقة الشغلية، لأنها أحيانا تتم خارج المقر الرئيسي، والكثير من الصحف تعتمد على صحافيين من أقاليم بعيدة، وتضع في حسبانها المطبات القانونية التي توظفها لصالحها، ويخشى البعض عدم إيجاد عمل في أماكن أخرى لتراجع الفرص بوجه عام، وأضحى هؤلاء معروفين بأنهم يبحثون عن حقوقهم ويجري إظهارهم في صورة “الباحثين عن المشاكل”.
قانون نقابة الصحافيين يشترط لقيد الصحافي في جدول النقابة أن يكون محررا محترفاً ومعينا في إحدى الصحف وله أرشيف أعمال يتقدم به للجنة القيد
وأكد عباس في حديثه لـ”العرب” أن “مكاتب العمل التابعة لوزارة القوى العاملة عليها دور مهم في مراقبة الصحف، والتأكد من حصول الصحافيين على حقوقهم من عدمه، وأن نقابة الصحافيين عليها التواصل مع هذه الجهات، ويعد تحركها أحد المحفزات المهمة التي تشير إلى وجود رغبة في ألا تظل الأوضاع كما هي”.
ويعد المرصد المصري للصحافة والإعلام أحد الكيانات المستقلة التي تدافع عن حقوق الصحافيين، ودشن حملة بعنوان “مظلة” لدعم الصحافيين غير المسجلين رسمياً في نقابة الصحافيين والدفاع عن حقوقهم، ويرى أن الصحافيين غير النقابيين يعانون متاعب وعُرضة للحبس بتهمة انتحال صفة صحافي أو ممارسة مهنة الصحافة من دون القيد في جداول نقابة الصحافيين الرسمية.
ولم تكن هذه المرة الأولى التي تطالب فيها نقابة الصحافيين المؤسسات بإرسال كشوف المتدربين فيها، وتكرر الأمر عام 2015 خلال فترة مجلس النقيب الأسبق يحيى قلاش الذي أشار إلى أن النقابة يمكنها بعد أن تحصل على الكشوف أن تحاسب المؤسسات على الوضع الوظيفي للمتدربين، ويصبح أمامها تعيينهم أو تنهي عقد التدريب معهم، لكن ذلك لم يحدث على أرض الواقع.
وتبقى هناك مشكلة رئيسية تجعل مجالس النقابات المتعاقبة لا تأخذ الأمر على محمل الجد، لأن الصدام مع بعض المؤسسات الصحفية أمر يخضع لحسابات انتخابية وسياسية، وأحيانا لم يكن لدى النقابة موقف محدد تجاه مشكلات تتعلق بحقوق الصحافيين، واتُّهمت بأنها تأتي في صالح المؤسسات الصحفية على حساب المتدربين، ما يجعل المجلس الحالي أمام تحدي معالجة الأوضاع التقليدية.