نفي روسي-مصري لتقرير أميركي يتحدث عن خطط لتزويد موسكو بآلاف الصواريخ

الكرملين يؤكد أن الوثائق التي نشرتها صحيفة واشنطن بوست تلفيق آخر، فيما وصفها مصدر مسؤول مصري بـ"العبث".
الثلاثاء 2023/04/11
تسريبات وتسريبات مضادة

القاهرة/موسكو – نفى كل من مصر وروسيا ما ورد في تقرير لصحيفة "واشنطن بوست" الأميركية بشأن خطط القاهرة لتزويد موسكو بآلاف الصواريخ سرا، حيث أكد المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف أن هذه الأخبار هي "تلفيقٌ آخرٌ"، ووصفها مصدر مصري مسؤول بـ"العبث".

وكانت الصحيفة الأميركية قد ذكرت في تقرير لها مساء الاثنين نقلاً عن وثيقة من الوثائق الاستخباراتية الأميركية المسربة أن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي طلب من كبار المسؤولين العسكريين المصريين، في الفترة السابقة، إنتاج ما يصل إلى 40 ألف صاروخ ليتم شحنها سرا إلى روسيا.

والوثيقة، وفقا للصحيفة، هي واحدة من عشرات الوثائق السرية التي تم تسريبها خلال الأسبوع الماضي، وهي تصف "محادثات مزعومة بين السيسي وكبار المسؤولين العسكريين المصريين" وتشير أيضا إلى خطط لتزويد روسيا بقذائف المدفعية وذخائر.

وذكرت الصحيفة أنها حصلت على الوثيقة من مجموعة من صور الملفات السرية المنشورة في فبراير ومارس على برنامج "ديسكورد"، وهو تطبيق دردشة شائع بين اللاعبين. مشيرة أنه لم يتم الإبلاغ عن الوثيقة من قبل.

لكن مسؤولا بالحكومة الأميركية، تحدث للصحيفة ذاتها شريطة عدم الكشف عن هويته، قال "لسنا على علم بأي تنفيذ لتلك الخطة ولم نر ذلك يحدث".

وقال بيسكوف، معلقاً على التقرير الأميركي، إنّ "مثل هذه الأنباء هي أنباء مزيفة، ويوجد منها الكثير الآن، لذا يجب التعامل مع مثل هذه التقارير على هذا الأساس".

وبدوره، نفى مصدر مصري مسؤول ما أثاره تقرير الصحيفة الأميركية عن تصنيع بلاده أسلحة لروسيا، مؤكداً أنّ ذلك "حديث عبث وليس له أساس من الصحة"، بحسب وسائل إعلام مصرية.

وشدد المصدر المسؤول على أن "مصر تتبع سياسة متزنة مع جميع الأطراف الدولية وأن محددات هذه السياسة هي: السلام والاستقرار والتنمية".

كما أعادت عدة وسائل إعلام مصرية نشر أخبار عن لقاء في 24 مايو 2020، جمع ضياء رشوان رئيس الهيئة العامة للاستعلامات، مع سوداسان راجافان مدير مكتب صحيفة واشنطن بوست بالقاهرة، بمقر الهيئة، إذ أطلعه حينها على "تجاوزات مهنية تتصف بها تقاريرها عن مصر".

بينما لم يصدر عن الخارجية المصرية أو هيئة الاستعلامات التابعة للرئاسة والمسؤولة عن الإعلام الأجنبي بالبلاد تعليق بشأن ما نقلته الصحيفة الأميركية.

ومنذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير 2022، أكدت غالبية الدول العربية وبينها مصر، أنها "تقف على مسافة واحدة بين طرفي النزاع وتسعى لحوار بينهما ووساطة لإنهاء الحرب وتداعياتها"، وفق عدة تقارير وبيانات سابقة.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية السفير أحمد أبوزيد، إنّ "موقف مصر منذ البداية يقوم على عدم التدخل في هذه الأزمة والالتزام بالمحافظة على علاقات متساوية بين الجانبين"، مؤكداً على موقف بلاده الداعم لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي في قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة.

وأضاف "نواصل حثّ الطرفين على وقف الأعمال العدائية والتوصل إلى حلّ سياسي من خلال المفاوضات".

ويُذكَر أنّ عشرات الوثائق بالغة السرية تابعة لوزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) تسرّبت في مواقع التواصل، فيما يجري التحقيق لمعرفة كيفية تسرّب هذه الوثائق.

وأشارت المتحدثة باسم البنتاغون، سابرينا سينغ، إلى أنّ وزارة العدل فتحت تحقيقاً في تسريب وثائق سرية.

وقال السيناتور الديمقراطي كريس مورفي، عضو العلاقات الخارجية والمخصصات في مجلس الشيوخ، للصحيفة إنّ "مصر هي واحدة من أقدم حلفائنا في الشرق الأوسط "، وتابع "إذا كان صحيحاً أنّ السيسي ينتج سراً صواريخ لروسيا يمكن استخدامها في أوكرانيا، فنحن بحاجة إلى حساب جاد بشأن حالة علاقتنا".

وخطوة تسليم مصر صواريخ لروسيا في حال حدوثها قد تؤدي إلى تأزم العلاقات المصرية الأميركية، إذ لا تزال القاهرة، على الرغم من علاقتها الوطيدة بموسكو، مستفيدة من شراكتها مع الولايات المتحدة التي قدمت لمصر على مدى عقود أكثر من مليار دولار سنوياً، على مستوى المساعدة الأمنية.

وبحسب الصحيفة، فإنّ الوثيقة لا تذكر بوضوح سبب اهتمام روسيا بالحصول على الصواريخ، لكن من المعروف أنّ الجيش الروسي ينفق كميات هائلة من الذخيرة في الحرب على أوكرانيا.

وحاولت مصر وشركاء أميركيون آخرون في الشرق الأوسط البقاء على هامش المواجهة بين الدول الغربية وروسيا بشأن أوكرانيا، سعيا للتحوط المحتمل ضد الدور الأميركي المتدهور في المنطقة ووسائل جديدة لضمان أمنها الاقتصادي والعسكري.

وأدى الغزو الروسي لأوكرانيا إلى ارتفاع أسعار السلع عالميا وفرض ضغوطا شديدة على مصر، أكبر مستورد للقمح في العالم، والتي تلقت أكثر من 80 في المائة من قمحها من روسيا وأوكرانيا في السنوات الأخيرة.

ونقلت الصحيفة عن سارة مارغون، مديرة السياسة الخارجية الأميركية في مؤسسات المجتمع المفتوح ومرشحة إدارة بايدن لأعلى منصب في مجال حقوق الإنسان في وزارة الخارجية، إن "البيع المتعمد وتسليم الصواريخ إلى الحكومة الروسية، التي ارتكبت مثل هذه الحرب الصريحة وغيرها من الجرائم الفظيعة، أمر يتجاوز المألوف، خاصة بالنسبة لحليف الولايات المتحدة المقرب ظاهريا".

وقالت إن ما تم الكشف عنه في الوثيقة، إذا كان صحيحا، يثير تساؤلا حول ما إذا كان على الولايات المتحدة "مواصلة الدفاع عن مصر ودعمها" إذا كانت حكومة السيسي تسعى إلى بيع من شأنه أن "يخدم احتياجات القاهرة الفورية، ولكن من المحتمل أن يكون له تأثير عالمي سلبي خطير".

وأشار مدير البرامج الأميركية في مجموعة الأزمات الدولية مايكل وحيد حنا، في تصريح لـ"واشنطن بوست"، إلى أنّ إدارة بايدن تقود الجهود الغربية لحرمان روسيا ومرتزقتها من التكنولوجيا والأسلحة اللازمة لحربها في أوكرانيا، ومعاقبة الخصوم الأميركيين مثل إيران وكوريا الشمالية الذين فعلوا ذلك، "لذا فكرة أنّ تكون مصر تخطط للعب هذا الدور يمثل إحراجاً للولايات المتحدة".

وتصف الوثيقة إصدار السيسي للتعليمات في 1 فبراير للإبقاء على سرية توريد الصواريخ من أجل "تجنب المشاكل مع" الغرب "، حيث تخبر شخصا يُشار إليه باسم صلاح الدين فقط أنه يجب إخبار عمال المصنع بأن المقذوفات موجهة للجيش المصري.

وتقول الصحيفة إن صلاح الدين هو على الأرجح محمد صلاح الدين، وزير الدولة للإنتاج الحربي.

ونقلت الوثيقة عن صلاح الدين قوله إنه "سيأمر موظفيه بالعمل بنظام الورديات إذا لزم الأمر لأنه أقل ما يمكن أن تفعله مصر لرد الجميل لروسيا"، مقابل المساعدة في وقت سابق.

ولا توضح الوثيقة ما هي المساعدة الروسية السابقة. ونقلت الوثيقة المسربة عن صلاح الدين قوله إن الروس أخبروه أنهم على استعداد "لشراء أي شيء"

وكانت موسكو والقاهرة قد وقعتا عدة صفقات مهمة أخيراً، بما في ذلك اتفاق لبناء ورشة ضخمة للسكك الحديدية في مصر، كما بدأت شركة "روساتوم" الروسية الحكومية للطاقة الذرية، العام الماضي، بناء أول محطة للطاقة النووية في مصر.

ولعل الأهم من ذلك، بعد أن عطلت الحرب في أوكرانيا الوصول إلى القمح الأوكراني، بدأت القاهرة تعتمد بشكل كبير على مشتريات الحبوب الروسية.

وساعد هذا الترتيب مصر على تجنب نقص القمح الذي قد يؤدي إلى اضطرابات اجتماعية في بلد ينتشر فيه الفقر ويقدم الخبز مع كل وجبة تقريبا.

وتحرص مصر على تجنب انتفاضة في الداخل، حيث تثير أزمة اقتصادية حادة، بما في ذلك انخفاض قيمة العملة وارتفاع التضخم وارتفاع أسعار المواد الغذائية - التي غذتها جزئيًا الحرب في أوكرانيا- مشاعر الإحباط بين المدنيين.

في الوثيقة، نُقل عن السيسي قوله إنه يفكر في بيع "أشياء عادية" إلى الصين لإفساح المجال "لمزيد من إنتاج صقر 45"، في إشارة إلى نوع من الصواريخ 122 ملم تصنعه مصر.

ولا تذكر الوثيقة صراحة ما إذا كانت الصواريخ التي سيتم إنتاجها لروسيا هي صواريخ صقر 45، لكن هذه الصواريخ ستكون متوافقة مع قاذفات الصواريخ المتعددة الروسية من طراز غراد، وفقا للصحيفة.

وبحسب الصحيفة، قد يؤدي قيام القاهرة بتزويد الحكومة الروسية بالأسلحة إلى فرض عقوبات أميركية على مصر.

ازدهرت الشركات المملوكة للجيش في عهد السيسي، وقد أشرف على افتتاح العديد من المصانع العسكرية الجديدة في السنوات الأخيرة، بما في ذلك واحد في عام 2020 يسمى المصنع، والذي ينتج الأسلحة الصغيرة والذخيرة والصواريخ.

وفي نفس العام، قدمت مصر خطة لتوسيع إنتاجها من هذه العتاد، بما في ذلك إنتاج المزيد من الذخيرة والأجزاء لأنواع مختلفة من الأسلحة.

وعلى أن الوثيقة لا تحدد كيفية استقاء الحكومة الأميركية تفاصيل المداولات المصرية، يبدو أن بعض المعلومات الواردة في الوثائق التي تم تسريبها مؤخرا تأتي من استخبارات الإشارات، والتي تشير إلى وسائل تقنية مثل اعتراض الاتصالات. ولحكومة الولايات المتحدة تاريخ طويل في التنصت وفي اعتراض اتصالات القادة الأجانب.

كان من الممكن أن تجري محادثة في الأول من فبراير مع السيسي بعد أيام فقط من لقاء وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكين مع الرئيس المصري خلال زيارة إلى القاهرة. 

وفور زيارة بلينكن، سافر وزير الخارجية المصري سامح شكري إلى موسكو لإجراء محادثات مع القادة الروس. 

وتوترت العلاقات بين الولايات المتحدة ومصر في السنوات الأخيرة حيث زادت إدارة بايدن الضغط على حكومة السيسي بسبب سجلها في قمع المجتمع المدني وسجن المعارضين واستخدام القوة ضد المنتقدين.

وقالت سارة ييجر، مديرة منظمة هيومن رايتس ووتش بواشنطن، التي دعت في السابق إلى حظر أسلحة على مصر لتورط قواتها الأمنية في الانتهاكات، إن بيع الصواريخ إلى روسيا سيسمح بمزيد من الانتهاكات في الخارج.

وأضافت "أود أن أتساءل أيضًا عما إذا كانت أي مساعدة أمنية أميركية تُستخدم لتصنيع هذه الأسلحة التي قد تذهب إلى روسيا".

 في سبتمبر الماضي، أعلن المسؤولون الأميركيون أنهم سيحجبون 130 مليون دولار من مخصصاتهم السنوية البالغة 1.3 مليار دولار كمساعدات أمنية بسبب سجل القاهرة في حقوق الإنسان.

 وأشاروا إلى خطوات تجاه إطلاق سراح السجناء السياسيين في قرارهم بعدم حجب المزيد من المساعدات، كجزء من محاولة الإدارة لموازنة القلق بشأن حقوق الإنسان مع المصالح الأمنية الأميركية والإقليمية.

 تقدر الإدارات الأميركية المتعاقبة دور مصر في التوسط في اتفاقات لاحتواء العنف في النزاع الإسرائيلي الفلسطيني المستمر منذ فترة طويلة.

و في مارس الماضي، التقى ممثلون من إسرائيل وفلسطين في شرم الشيخ المصرية، في محاولة لتهدئة التوترات بشأن تصعيد العنف الأخير، لكن مصر اصبحت غير راضية بشكل متزايد عن علاقتها مع الولايات المتحدة، بما في ذلك الشروط التي تضعها واشنطن على حقوق الإنسان والديمقراطية.