نفوق السمك يحرم العراقيين من وجبة المسكوف الشعبية

مختبرات دولية تتوصل إلى أن النفوق المفاجئ للملايين من الأسماك في العراق أواخر السنة الماضية، كان بسبب وباء فيروسي لا يشكل خطرا على الإنسان.
الخميس 2019/03/07
السمك مصدر رزق وغذاء كل العراقيين

كشفت مختبرات علمية دولية الأسباب الرئيسية لنفوق الأطنان من الأسماك في العراق، في حين لا يزال العراقيون يشتاقون إلى هذه الوجبة الهامة التي ساهم شحها في غلاء أسعارها التي مست الطبقات الفقيرة والمتوسطة، أثّر على مطاعم المسكوف وتجار السمك.

بغداد - توصلت تحاليل أجرتها مختبرات دولية إلى أن النفوق المفاجئ للملايين من الأسماك في العراق أواخر العام 2018، كان بسبب وباء فيروسي لا يشكل خطرا على الإنسان، حسب ما أعلنت الأمم المتحدة الأربعاء. وسادت آنذاك مخاوف في المحافظات العراقية التي شهدت نفوقا كبيرا للأسماك من تحوّلها إلى سموم، بعد تفسخها وتحللها، خاصة وأنها بكميات كبيرة، مع بطء عملية رفعها.

وأحيل الصيادون على البطالة، كما تكبد مربو الأسماك خسائر كبيرة، وما زالوا يعلقون آمالا على الحكومة كي تعوضهم خسائرهم التي أغرقتهم في الديون، كما تضرر تجار السمك وأصحاب المطاعم التي كان يجتمع حولها العراقيون لتناول وجبة السمك المشوية في العطلة الأسبوعية.

وتعتبر أسماك الكارب النهري (الشبوط) وجبة رئيسية لدى العراقيين، وتشكل مصدرا غذائيا وموردا اقتصاديا مهما لشريحة واسعة جدا منهم.

وقال هاشم صاحب مطعم في شارع أبونواس، إن “الأزمة انعكست بشكل واضح على أصحاب المطاعم، إذ لم يطلب إلا القليل من الزبائن طبق المسكوف بحذر وريبة، بسبب المخاوف من الوباء، رغم تطمينات الجهات الصحية بأنه لن ينتقل إلى البشر”.

وخلال الأشهر الأخيرة من العام الماضي، انتشرت ظاهرة نفوق أسماك هائلة في العراق التي أودت بعشرات آلاف أسماك الكارب المستزرع في منطقة الفرات الأوسط، الأمر الذي دفع إلى حالة قلق في البلاد.

وشاع الخوف حينها من أن نفوق الأسماك يعود إلى تلوث غامض يمكن أن يؤدي إلى تسمم الناس أيضا، كذلك سرت شائعات أيضا بحصول عمليات تسميم متعمد، خصوصا بعد إعلان العراق وقف استيراد الأسماك ووصوله إلى الاكتفاء الذاتي.

وأعلن برنامج الأمم المتحدة للبيئة في تقريره الأربعاء أن تحقيقا أجري على مدى الأشهر الماضية، أفضى إلى أن السبب هو “فيروس الهربس/كوي”. وأكد الطبيب توماس واليي الذي يرأس المختبر المرجعي السويسري للأمراض الواجب التبليغ عنها أن “هذا الفيروس مرض خطير وقاتل، معروف بأنه يسبب معدلات وفاة تقارب 100 بالمئة في سمك الكارب”. وفي محافظة بابل التي تقع حوالي 80 كيلومترا جنوب بغداد، أشار مزارعون إلى أنهم خسروا الآلاف من الدولارات بسبب نفوق الأسماك.

وقدر حسين الحسيني، صاحب مزرعة لتربية الأسماك في محافظة بابل، قيمة خسارته بثمانين ألف دولار بسبب نفوق 50 ألف سمكة في مزرعته المؤلفة من 28 حوضا، قائلا “نطالب الدولة بتعويضنا”.

مربو السمك يحاولون النهوض
مربو السمك يحاولون النهوض

وبابل ليست المحافظة العراقية الوحيدة المتضررة، فهناك أيضا الديوانية (80 كلم جنوب بغداد) ومحافظة ذي قار في جنوب العراق، حيث نفقت عشرات آلاف الأسماك، كما تضررت مزارع تربية الأسماك جراء تلوث مياه البصرة، وبات أصحابها غارقين في الديون.

ويقدر إنتاج العراق السنوي بـ29 ألف طن من الأسماك، على رأسها الكارب، وفقا لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة.

وقام برنامج الأمم المتحدة للبيئة ومنظمة الصحة العالمية ومنظمة الأغذية والزراعة على وجه السرعة بأخذ عينات من الأسماك والمياه والرواسب وعلف الأسماك لإرسالها إلى المختبرات المعتمدة دوليًا. وأجريت اختبارات كيميائية ومكروبيولوجية شاملة من قبل ثلاثة مختبرات مختلفة، في سويسرا والأردن وإيطاليا، وفق المنظمة الأممية.

وأكدت المنظمة الأممية أن الكارب قتل بسبب تفشي “فيروس الهربس/كوي”، مشددة على أن ذلك لا يؤثر مطلقا على حياة الإنسان.

ومع انخفاض درجة حرارة مياه نهر الفرات إلى ما بين 23-25 درجة مئوية في نوفمبر، تكونت بيئة مثالية لانتشار الفيروس.

وأكد وزير الصحة العراقي علاء العلوان أن “هذه هي الحالة الأولى لظهور مرض فيروس كوي الهربس في العراق، وهو حادث مهم ينبغي إخطار المنظمة العالمية لصحة الحيوان بشأنه. يسُرنا أننا استطعنا الوصول إلى السبب الأساسي لهذه الكارثة”.

وكان نشطاء عراقيون قد تداولوا صورا وفيديوهات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تظهر نفوق العديد من الأسماك في نهري دجلة والفرات، في شهر نوفمبر الماضي. وقالت إحدى الناشطات على تويتر تدعى مروة، “حرمتونا من المسكوف كل جمعة.. الله لاينطيكم”، في إشارة إلى المتسببين في هذه الأزمة. وقالت شهد العنزي على تويتر، “كان يفرحني وأنا أتخطى باعة الأسماك فأجد أفضلها وبأسعار مناسبة يتمكن من شرائها الفقراء، فضلاً عن كونها أكلتنا المفضلة”.

لكن يبدو أن الفقراء واجهوا أزمة في الحصول على الأكلة الشعبية الأولى، بسبب نقص الوارد إلى السوق بعد نفوق آلاف الأطنان من الأسماك في المزارع.

سمك قليل لا يصل إلى عامة العراقيين
سمك قليل لا يصل إلى عامة العراقيين

وقال صاحب مزرعة أسماك يدعى محمد علي حمزة الجميلي، في المُسيبعلى، على بعد حوالي 70 كيلومترا إلى الجنوب من بغداد، إن الأسعار تضاعفت بعد هذه الخسائر، موضحا، أن “العمال هنا لم يعد لديهم عمل. الأسماك النافقة بالأطنان خسرنا تعب سنة كاملة عمال وعلف”.واشتكى أبومهدي صاحب مطعم مسقوفي في شارع أبونواس في بغداد من تراجع زبائنه، قائلا، لا يمر علينا من الزبائن الذين اعتادوا القدوم إلى الشارع الطويل لقضاء سهرة نهاية الأسبوع؟ ويضيف “كان سعر وجبة المسكوف مناسبا حتى للفقير لوفرة أحواض تربية السمك في العراق، لكن بعد هذه الكارثة بات العراقيون يخافون من تناول السمك حتى من الأحواض الطينية”. ونفت وزارة الزراعة العراقية سابقا، أن يكون سبب نفوق كميات كبيرة من الأسماك في العراق جراء إلقاء مواد أو فضلات سامة في الأنهار.

وألقى بيان الوزارة باللائمة على أصحاب أحواض تربية الأسماك الذين أهملوا الشروط المطلوبة مثل المساحات الضرورية للحركة والأوكسجين والغذاء كما اتهموا بعدم التعامل مع تفشي المرض بجدية لاعتقادهم “أن المرض يحدث سنويا ويؤدي إلى نفوق أعداد معتدلة” من الأسماك.

وتكبد أصحاب مزارع الأسماك خسائر كبيرة، قدرها خبراء بنحو 80 مليار دينار عراقي (70 مليون دولار) حتى الآن.

وقال أنس نهاد الذي يملك مزرعة قريبة إنه خسر نحو 70 ألف سمكة، ويضيف بتوتر “كلها نفقت وخسرت مئات الآلاف من الدولارات. من أين أجلب أسماكا الآن؟”، مضيفا، “كيف سأعوض؟ لم يعد أمامي إلا بيع ملابسي وما أملك”.وشدد على أن مزارع تربية الأسماك مصدر اقتصادي مهم لأن “الآلاف من الناس يعتمدون عليها في معيشتهم”. واعتمد العراقيون خلال السنوات الماضية على نظام الأقفاص العائمة داخل الأنهار، ووفر هذا النظام فرص عمل لفائدة الآلاف من العاطلين.وقال حيدر حسين، أحد مربي الأسماك في محافظة بابل، وهي المركز الرئيسي لتربية الأسماك، “الخسائر التي تعرضت لها وصلت إلى حوالي نصف مليون دولار، لأنّ مزرعتي كبيرة وهي واحدة من أكبر مزارع تربية الأسماك في المنطقة الجنوبية”.

ويقول الخبراء الاقتصاديون إنه من غير الممكن أن يعود مربو الأسماك إلى مزاولة أعمالهم كالسابق إلا في حال تعويض الحكومة المتضررين حسب قانون الصحة الحيوانية المرقم 16 لعام 2013.

يذكر أن مجلس النواب العراقي ألزم الحكومة بدفع تعويض للتجار المتضررين من نفوق الأسماك نتيجة تلوث المياه في البلاد.

وانتقد النائب عن محافظة بابل ثامر ذبيان تباطؤ الحكومة في تعويض مزارعي الأسماك، قائلا، إن “الإجراءات الخجولة حالت دون تعويض مربي الأسماك الذين تعرضوا إلى خسائر فادحة جراء نفوق أسماكهم”، مشددا على “ضرورة تعويضهم وإعادة ملء أحواضهم بالأسماك لمساعدة العراق في الوصول إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي بدلا عن الاستيراد”.

20