نفوذ الولايات المتحدة العنصر المفقود الحاسم لإنهاء الحرب في السودان

مع اشتداد حدة الصراع المسلح في السودان وعودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض تثار تساؤلات عما إذا كانت إدارة الرئيس الجمهوري ستولي ملف الحرب في السودان اهتماما أكبر مقارنة بإدارة الرئيس السابق جو بايدن.
الخرطوم - مع بداية ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب ( المحب للصفقات) في العشرين من يناير الماضي، يبرز السودان كبلد تشتد فيه الحاجة إلى انخراط أميركي أكبر حيث يمكن أن يكون نفوذ واشنطن في عهد ترامب هو العنصر المفقود الحاسم لإنهاء الحرب الحالية في السودان.
ويقول كاميرون هدسون، الباحث الأول في برنامج أفريقيا في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية، إن على عكس معظم البلدان في أفريقيا، فإن ترامب له تاريخ مع السودان، إذ بدأت إدارته الأولى عملية معقدة لإزالة السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب في محاولة لوضع البلاد على مسار تخفيف الديون والانتعاش الاقتصادي، وأصبحت إزالته رسمية في ديسمبر 2020. وتضمن الجهد الحصول على شهادة من مجتمع الاستخبارات، والتفاوض على اتفاقية استرداد بقيمة 335 مليون دولار لضحايا الهجمات الإرهابية الأميركية، والحصول على دعم الكونغرس. كما وعدت بتطبيع العلاقات بين واشنطن والخرطوم مع أول تبادل للسفراء منذ 25 عاما.
وأشار هدسون إلى دفع ترامب الحكومة السودانية إلى التوقيع على اتفاقيات أبراهام رغم رفض القادة العسكريين والمدنيين في السودان، حيث جادل الجانبان بأن الطبيعة الانتقالية لحكومتهما وعدم وجود برلمان قائم لم يمنح أيا من الجانبين التفويض للانخراط في التزامات تعاهدية جديدة.
وفي نهاية المطاف، لم يكن للسودان أي نفوذ للمقاومة واضطر إلى الإذعان نظرا إلى حاجته الماسة إلى تخليص نفسه من العقوبات الأميركية المتبقية. وبعد أن وافق السودان على شروط وزارة العدل الأميركية لإزالته من قائمة الإرهاب، أعلن ترامب منتصرا، في أكتوبر 2020، تطبيع السودان للعلاقات مع إسرائيل كواحدة من 3 دول عربية فقط وقعت على اتفاقيات أبراهام.
ويرى هدسون أن عودة ترامب إلى منصبه، من خلال علاقاته الشخصية، والاحترام المشترك للقوى الإقليمية، وميله إلى عقد الصفقات، فرصة للتوصل إلى اتفاق يحقق الاستقرار للسودان والسلام الأوسع في الشرق الأوسط.
ويقول المستشار السابق في حكومة عبدالله حمدوك فايز السليك إن إدارة بايدن لم تقدم الكثير للسودان، بل اتبعت سياسة “إطفاء الحرائق” في التعامل مع الأزمات السودانية، ورغم أنها عينت عدة مبعوثين خاصين، لكن لم يكن هناك تأثير حقيقي أو نتائج ملموسة لخطواتها.
ويعتقد السليك أن إدارة ترامب ستكون أكثر حسما في تعاملها مع السودان، إذ كانت قد قدمت سابقا قانون “حماية الانتقال الديمقراطي”، الذي تضمن عددا من الحوافز، في سياسة يمكن وصفها بسياسة “العصا والجزرة”.
وتتمثل سياسة العصا والجزرة التي من المرجح أن يتبعها ترامب لإيقاف وقف إطلاق النار في السودان في إعطاء كل لاعب شيئا يقدره أكثر من الاستمرار في القتال، أو التهديد بشيء يخشاه أكثر من الانسحاب من القتال. ومن خلال تقديم حوافز موثوقة لجنرالات السودان لخفض التصعيد، قد يضع ترامب الأساس لسلام دائم.
وبعد 9 أشهر من تعيينه من قبل إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن لم يتمكن المبعوث الخاص للسودان توم بيريللو، من تحقيق الهدف الأساسي من المهمة التي أوكلت إليه وهو وقف الحرب.
◙ ترامب سيتعامل مع الأطراف لفرض وقف إطلاق النار وإنهاء الاعتداءات، والجلوس إلى طاولة المفاوضات بشكل حاسم
ويرى المحلل السياسي شوقي عبدالعظيم أن الملف السوداني مرشح لتغييرات سريعة وكبيرة في ظل إدارة ترامب. وأوضح “أتوقع أن تزيد التحولات الجديدة في الولايات المتحدة من وتيرة الضغط الدولي التي اتسمت بالضعف خلال الفترة الماضية.”
ويتفق الباحث الأمين بلال مع ما ذهب إليه عبدالعظيم، معبرا عن اعتقاده بأن الإدارة الجديدة ستهتم بشكل أكبر بملف الحرب السودانية، وستسعى لممارسة ضغط أكبر لدفع طرفي الحرب إلى الذهاب إلى طاولة المفاوضات.
ويشير بلال إلى أن ترامب أعلن خلال حملته الانتخابية أن مسألة وقف الحروب تشكل هدفا أساسيا له، وأضاف “لا أستبعد أن يدعم ترامب أي اتجاه لتدخل دولي أو فرض حظر للطيران أو عقوبات أكثر قوة على أطراف الحرب والعناصر الداعية إلى استمرارها.”
وتمثل العقوبات الأميركية التي فرضتها إدارة بايدن مؤخرا على طرفي النزاع التدخل الدولي الأكثر أهمية حتى الآن في صراع وحشي شرد 11 مليون سوداني. ومع ذلك، فإن التأثير الحقيقي لهذه العقوبات يعتمد على ما إذا كانت إدارة ترامب ستختار البناء عليها وكيف ستفعل ذلك: إذا عملت مع الشركاء في المنطقة، يمكن للإدارة الجديدة الاستفادة من تأثير عقوبات بايدن لتحقيق وقف إطلاق النار الذي تشتد الحاجة إليه.
وبغض النظر عن ذلك، فإن الأمر متروك لإدارة ترامب لتحديد ما إذا كانت عقوبات بايدن ستكون عقابية بحتة أو جزءًا من رؤية أوسع لتحقيق نهاية لأزمة السودان.
ويقول الخبير في الشؤون الدولية محمد أشتاتو إن جهود ترامب لإنهاء الحرب في السودان ستتحقق قريبا بعد انتهاء النزاعات الدولية الكبرى، بدءا بوقف إطلاق النار في غزة بين إسرائيل وحماس، التي مارس فيها ضغوطا كبيرة، وانتهاء بالحرب في أوكرانيا التي تؤثر بشكل مباشر على بلاده، مبتعدا نحو ملف السودان الذي يكتسب أهمية لأسباب متعددة.
وأوضح أشتاتو أن ترامب سيبدأ في الفترة المقبلة بالتحضير، بالتزامن مع التزامات دولية أخرى، للضغط على الأطراف المتنازعة في السودان للجلوس إلى طاولة المفاوضات، للوصول إلى تفاهمات حول تقاسم الحكم بطريقة تمنع تجدد النزاع، مع ضرورة العمل على استقرار السودان وتأثيره على الأمن التجاري والاقتصادي عالميا عبر سواحله.
ويتوقع مراقبون أن يبدأ ترامب تحركاته لإنهاء الحرب في السودان من خلال “ورقة عمل” بمشاركة أطراف إقليمية، تتناول كيفية وقف المعارك والدخول في مرحلة انتقالية تشمل تقاسم السلطة بين الأطراف المتحاربة، تحضيرا لإجراء انتخابات جديدة.
وأشاروا إلى أن ترامب سيتعامل مع الأطراف لفرض وقف إطلاق النار وإنهاء الاعتداءات، والجلوس إلى طاولة المفاوضات بشكل حاسم، مع تطبيق عقوبات على أي طرف يخالف هذه الجهود، وهو ما يراهن على نجاحه بناءً على تجارب سابقة للرئيس الأميركي قام فيها باستخدام التحذيرات التي أثرت بالفعل على وقف الصدامات العسكرية.
وفي المقابل فإن وقف الحرب في السودان يخدم المصالح الجيوسياسية الأميركية الأوسع نطاقا في المنطقة، إذ إن ذلك يحرم اثنين من أكبر خصوم واشنطن من الانفتاح الذي استخدماه للحصول على موطئ قدم إستراتيجي في المنطقة.
وقد استفادت روسيا وإيران أكثر من أي دولة أخرى من استخدام حرب السودان في إحياء أهميتهما الدبلوماسية، والربح من مبيعات الأسلحة وصادرات الذهب، وإحياء آمالهما في إقامة وجود بحري على ساحل البحر الأحمر السوداني.