"نفحة حداثة" تحوّل قلب جدّة التاريخي إلى ساحة رقص

السلطات تطرح المشروع باعتباره بديلاً عن العشوائيات، مع وسائل راحة على غرار ملعب وحوض أسماك ودار أوبرا في المشروع الجديد.
الجمعة 2024/01/26
أجواء إيجابية

رؤية الوسط التاريخي لمدينة جدة السعودية المعروف باسم “البلد” وهو يتحوّل لا إلى موقع تراثي على قائمة اليونسكو فحسب، بل أيضاً إلى حلبة رقص، أمر رائع لدى كثيرين.

جدة - على خشبة مسرح في الوسط التاريخي لمدينة جدة السعودية، تجمّع حشد من السعوديين، محيطين بمغني الراب تاي دولا ساين، ومتفاعلين مع أغانيه وأسئلته الجريئة أحيانا بالنسبة إلى المجتمع السعودي المحافظ.

على وقع الهتافات صرخ المغني الأميركي ذو الشعر المجدول والبالغ من العمر 41 عاماً، واسمه الحقيقي تايرون وليام غريفين جونيور، في الميكروفون “أين الفتيات المثيرات؟”.

وبعد تأديته أغنية أخرى خلال حفله في مهرجان “بلد بيست” (Balad Beast) الموسيقي الذي بدأت المملكة بتنظيمه قبل بضع سنوات، واصل تاي تساؤله “كم عدد الذين يحاولون منكم أن ينتشوا بعد العرض الليلة؟”.

كان مشهداً مثيراً للدهشة في المملكة التي سمحت للمرة الأولى بإقامة مهرجانات يمكن حضورها من الجنسين على نطاق واسع قبل نحو خمس سنوات.

وسلّط أداء تاي في أقدم أحياء جدة المعروف باسم “البلد”، إلى جانب فنانين مثل وو تانغ كلان ومايجور لايزر، الضوء على الجهود المبذولة لتغيير وجه الموقع المُدرج على لائحة التراث العالمي لليونسكو، وجعله أكثر استقطاباً للشباب السعوديين والأجانب.

وفي إطار مشروع “رؤية 2030” الطموح لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الساعي إلى تطوير وتنويع مصادر اقتصاد بلاده، أكبر مصدّر للنفط الخام في العالم، تهدف السلطات إلى بناء ثلاثة آلاف غرفة فندقية جديدة في “البلد”، في إطار محاولتها جذب الملايين من السيّاح.

حح

وبعيداً عن فعاليات “بلد بيست” تشهد المنطقة التي تبلغ مساحتها 2.5 كيلومتر مربع، تحولاً كبيراً من خلال افتتاح عدد كبير من المقاهي والمتاحف ومساحات تقديم العروض وورش العمل للفنانين والحرفيين.

ويقرّ المقيمون في جدة بأنهم يشعرون ببعض القلق حيال التغييرات في حيّ يرتبط بموسم الحج السنوي وأسواق رمضان التقليدية.

ولكن سيل المحتفلين الذين احتشدوا أمام أربعة مسارح توزعت في جدة خلال مهرجان “بلد بيست”، وبعضهم لوّن وجهه بطلاء برّاق وحمل عصياً مضيئة، لم يعكس بتاتا مثل هذا القلق.

وقال تاي “في كل مرة آتي إلى السعودية، أشعر بأجواء إيجابية”. وبرز “البلد” في القرن السابع كمركز للحجاج والتجار.

وأدرجت اليونسكو “البلد” على لائحة التراث العالمي في عام 2014. وفي عام 2018 بدأت جهود “التنشيط” التي تشرف عليها وزارة الثقافة. اليوم تحمي الحواجز الخضراء التي أقامتها الوزارة أعمال الترميم في الفيلات والمساجد والأسواق التي يعود تاريخها إلى قرون مضت والمعروفة باسم “الأسواق”.

وقال علي عاصي، منسّق الأغاني اللبناني الملقّب بـ”لوش” والذي يعيش في جدة منذ 20 عاماً، إن الجدول المتنامي للمهرجانات والمعارض الفنية أنعش الحيّ، واجتذب الناس.

وأضاف “لولا مهرجان ‘بلد بيست’ والفعاليات الأخرى التي تُقام الآن، لما أتى أحد من الجيل الجديد إلى البلد. كانوا سيذهبون إلى الشاطئ”.

ورغم ذلك، بالنسبة إلى بعض السكان المسنّين، يمكن أن تكون الإضافات الجديدة مزعجة، وفق عاصي، مشبّهاً هذا الحذر بحذر الجدّة التي ترفض التخلي عن كرسيّها المفضّل ولو تحطّم. وأردف لوش أنها “لن تسمح لك أبداً بإزالته أو رميه بعيداً، حتى لو كان محطما إلى أجزاء… إنه كرسيّها. إنه الشيء نفسه”.

حح

وقالت المرشدة السياحية السعودية عبير أبوسليمان إن أغلب الناس كانوا متحمسين لمستقبل “البلد”، مضيفة أن الذين ليسوا كذلك “يمكنهم البقاء في المنزل. الأمر سهل وبسيط”.

ويتغذّى النقاش حيال ما يحدث في “البلد” جزئياً من التغيرات الأوسع الحاصلة في جدة. ومن المتوقع أن يؤدي مشروع إعادة تطوير عقاري قيد التنفيذ، بقيمة عشرين مليار دولار، إلى نقل نصف مليون شخص من المنطقة.

وتطرح السلطات المشروع باعتباره بديلاً عن العشوائيات، مع وسائل راحة على غرار ملعب وحوض أسماك ودار أوبرا في المشروع الجديد.

وقالت أبوسليمان إنها لا تشعر بالحزن على الأحياء التي مُحيت، وغالبيتها بعيدة عن وسط المدينة التاريخي، متوقعة أن يتم استبدالها بما هو أفضل.

وأضافت “أنا سعيدة للغاية بأنها ولّت. كانت عبارة عن مناطق غير مخططة… لا مدارس ولا حدائق ولا عيادات. حتى أنّ بعض الأشخاص شيّدوا منازلهم من دون أن يتملّكوا الأرض”.

وتفضّل أبوسليمان التركيز على مظاهر الحياة الجديدة في “البلد”، على غرار أولئك الذين احتفلوا حتى وقت متأخر ليلاً في “بلد بيست”.

وقال عبدالرحمن الحبشي “أنا مثلا أحبّ أن أرتدي ملابس من الطراز القديم. الأمر ذاته يحدث هنا. (…) لدينا أبنيتنا القديمة، ومعها نفحة حداثة”.

حح

18