"نفايات مقابل النقود" للحد من أزمة القمامة في لبنان

تكدست القمامة في المدن اللبنانية خاصة العاصمة بيروت بعد أن توقفت الحكومة عن تمويل مشاريع إعادة التدوير، وأصبحت أكداس النفايات تهدد حياة الناس، لكن مشاريع فردية من قبل البعض ممن لديهم وعي بيئي والذين قاموا بمبادرات لجمع النفايات مقابل مبالغ مادية مثل محطة “درايف ثرو”، شجعت الناس على الاستفادة ماديا من هذه الفرصة.
بيروت - في إحدى ضواحي بيروت، يقف سائقون عند صف مخصص للسيارات حصراً، ليس لشراء وجبات سريعة بل لتسليم مخلفاتهم من البلاستيك والورق في مقابل مبالغ نقدية، في مشهد غير مألوف في بلد يعاني منذ سنوات من أزمات على صعيد إدارة النفايات.
وغالباً ما تفيض المكبّات في لبنان بالنفايات التي تُحرق بشكل غير قانوني في محارق غير رسمية، فيما تلقى كميات كبيرة من القمامة في مياه لبنان الواقع على الساحل الشرقي للبحر المتوسط.
وقد تراجعت أنشطة إعادة التدوير التي تديرها الدولة، في بلد يواجه انهياراً اقتصادياً وُصف بأنه الأسوأ في العالم منذ حوالي أربع سنوات.
ويوجد نحو 1000 مكبّ عشوائي موزعة على مناطق مختلفة، حيث يتم رمي النفايات فيها دون معالجة، وتنتج عن ذلك أضرار بيئية وصحية جسيمة، وفق تقارير رسمية.
ويقول بيار بعقليني (32 عاما) مؤسس شركة “إدارة نفايات لبنان”، “كانت الحكومة في السابق مسؤولة عن هذا القطاع لكنّها الآن مفلسة”.
وأطلق بعقليني أول محطة لإعادة التدوير تحمل اسم “درايف ثرو” قبل حوالي عام، ثم افتتح محطة ثانية في فبراير في منطقة برج حمود، وهي منطقة على تخوم بيروت تضمّ مطمراً ضخماً للنفايات.
وغيّرت الأزمة الاقتصادية نظرة اللبنانيين تجاه النفايات، فبعدما كانت مجرد قمامة ترمى، أصبحت مصدر رزق للكثير من المواطنين.
وفضلاً عن الحاجة، فإن العديد من العائلات الميسورة تقوم أيضاً باستبدال المواد القابلة للتدوير بقسائم شرائية بهدف الحفاظ على البيئة، كما أن بعضهم يتبرع بالقسائم التي يحصل عليها إلى جمعيات خيرية لمساعدة المحتاجين.
وفي حين تكسب فئة من أفقر فقراء لبنان قوتها من خلال البحث داخل حاويات القمامة عن أيّ شيء يمكن بيعه لإعادة التدوير أو استخدامه كخردة، يوضح بعقليني أن زبائن خدمته هم عموماً أشخاص يتمتعون بوعي بيئي ولديهم “مدخول كاف”.
ويقود الناس سياراتهم إلى المحطة، ويسجلون تفاصيلهم الشخصية ويضعون على منضدة أكياساً وصناديق من مواد قابلة لإعادة التدوير تم فرزها. ويتلقى العمال أنواعاً شتّى من المواد، من الورق المقوّى إلى البلاستيك والزجاج والمعدن والنفايات الإلكترونية والبطاريات وحتى زيت الطهو المستخدم.
وفي المكان قائمة بالأسعار تُظهر على سبيل المثال أنّ الكيلوغرام الواحد من الورق المقوّى يساوي 2000 ليرة لبنانية (حوالي سنتين من الدولار)، في حين أن الكيلوغرام الواحد من علب الألمنيوم يساوي 50 ألف ليرة (حوالي نصف دولار).
ويسلّم روني ناشف (38 سنة) أكياساً بلاستيكية كبيرة الحجم، في بلد يعتمد فيه كثيرون على المياه المعبأة للشرب.
ويقول إن إعادة التدوير تشكّل “بالتأكيد حلاً أفضل بكثير لمشكلة النفايات في لبنان”.

وقد تسببت قلة الكفاءة والفساد في أزمة نفايات كبرى في لبنان عام 2015 امتلأت خلالها الشوارع بأكوام من القمامة التي صبت كميات كبيرة منها في البحر، ما أدى إلى خنق السكان وألحق الأذى بصورة البلاد.
ومذّاك لم تتوصل السلطات المعنية إلى حل قابل للتطبيق على المدى الطويل. كما تفاقمت المشكلة إثر الدمار الكبير الذي لحق بمحطتين لفرز النفايات جراء الانفجار الكارثي الذي وقع في مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس 2020.
وداخل مركز “درايف ثرو”، تُفرز المواد القابلة لإعادة التدوير بعناية، فيما يُقطّع البلاستيك لتنظيفه لاحقاً.
ويقول بعقليني إن المرفقين التابعين لـ”درايف ثرو” استوعبا ما مجموعه 450 طناً من المواد القابلة لإعادة التدوير، لافتاً إلى أن المواد تُباع لعملاء محليين ودوليين.
ويضيف “ما نقوم به هنا يتعلق أيضاً بالتثقيف” وزيادة الوعي بشأن إعادة التدوير، مشيراً إلى أن تلاميذ المدارس يزورون المنشأة أحياناً للتعرف على هذا النشاط.
ويوضح المهندس البيئي زياد أبي شاكر أن السلطات اللبنانية أهملت طويلاً موضوع إعادة التدوير.
ويقول أبي شاكر وهو رئيس مجموعة “سيدر إنفايرومنتال” المتخصصة في تقنيات “صفر نفايات”، إن “حوالي 10 في المئة” من كميات النفايات التي ترمى يومياً في لبنان البالغة خمسة آلاف طن يعاد تدويرها.
ويلفت إلى أن السلطات تدرس خطة وطنية لإدارة النفايات، لكن “لم يُحرز أي تقدم” على هذا الصعيد بسبب الجمود في المؤسسات.

وتتولى حكومة تصريف الأعمال بصلاحيات محدودة إدارة الحكم في لبنان منذ أكثر من عام.
ويقول أبي شاكر إن “90 في المئة من مصانع الفرز التي بُنيت على مر السنين” بفضل تبرعات دولية توقفت عن العمل، مشيراً إلى “أخطاء في التصميم” و”فساد” شاب عملها.
وبالعودة إلى برج حمود، تقول ريناتا رحمة (47 عاماً) إنها لم تكن تعلم بضرورة فصل المواد عن بعضها البعض عندما أتت لأول مرة إلى محطة إعادة التدوير “درايف ثرو”.
وتقول رحمة وهي منتجة أفلام أحضرت صندوقاً يضمّ مصابيح وأجهزة كهربائية صغيرة أخرى “أحاول الآن الفرز أكثر”.
وتلفت إلى أن الموضوع “لا يرتبط بالمردود المالي بمقدار المشاركة في المبادرة”.
وتضيف “نحاول أن نحقق الأفضل للمجتمع والبلد”.
ومن مشاريع إعادة التدوير التي برزت في مناطق مختلفة والتي تشجع المواطنين على الاستفادة المادية من المواد القابلة للتدوير بدلا من رميها بين النفايات المنزلية، نجد مشروع “يلا ريتورن” الذي يضم عدة مراكز في بيروت وضواحيها لاستقبال تلك المواد الناتجة عن الاستهلاك المنزلي للمواطنين، في مقابل منحهم قسائم شرائية من المتاجر الغذائية.