نفائس أثرية تعرض للبيع عبر الإنترنت

الحرب تفتح أبواب المتاحف والآثار في السودان للنهب.
السبت 2024/09/14
إرث الإنسانية

تنشر الحرب الفوضى وتطلق يد اللصوص الذين لا يأبهون بالقيمة الحضارية للمتاحف والمواقع الأثرية، وهو ما حصل في السودان خلال الفترة الأخيرة ويثير قلقا لدى الباحثين والمنظمات الدولية بعد أن علموا بأن قطعا أثرية تباع عبر الإنترنت عقب تهريب صناديق تحمل كنوزا تُهرب خارج الحدود.

بورتسودان (السودان) - وصلت تداعيات الحرب المدمرة في السودان المتواصلة منذ أكثر من 17 شهرا إلى المتاحف التي تتعرّض للنهب والقطع الأثرية التي تُعرض للبيع على الإنترنت، ما يثير قلقا لدى الباحثين والمنظمات الدولية.

وحذّرت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) الخميس من أن “التهديد للثقافة في السودان وصل إلى مستوى غير مسبوق في الأسابيع الأخيرة، خصوصا في ظل ورود تقارير عن نهب المتاحف والمواقع التراثية والأثرية والمجموعات الخاصة”.

وقالت مديرة المتاحف في الهيئة القومية للآثار ورئيسة لجنة استرداد الآثار السودانية إخلاص عبداللطيف “نعم تعرّض متحف السودان القومي لعملية نهب كبيرة”.

وأضافت أنه تمّ عبر الأقمار الصناعية رصد “خروج شاحنات كبيرة محمّلة بكل القطع الأثرية المخزّنة في المتحف عن طريق أم درمان متجهة نحو الغرب”.

تم رصد خروج شاحنات كبيرة محمّلة بكل القطع الأثرية المخزّنة في المتحف عن طريق أم درمان متجهة نحو الغرب

وأشارت إلى أن هذه المسروقات تباع في المناطق الحدودية وخصوصا على الحدود مع جنوب السودان.

وأكدت غالية جار النبي، مديرة الهيئة القومية للآثار والمتاحف في السودان، أن السرقة حدثت بالفعل، وأنها علمت بها قبل نحو شهر، لكنها اختارت عدم الإعلان عن الأمر في البداية لضمان عدم إفساد جهود تعقب اللصوص، الأمر الذي قد يؤدي إلى إتلاف أو إخفاء الآثار المسروقة إذا انتشر الخبر.

واندلعت المعارك في السودان في أبريل 2023، لتنزلق البلاد إلى ما وصفته الأمم المتحدة بـ”واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في الذاكرة الحديثة”.

ولم يُعرف بعد عدد القطع التي تم نهبها، بحسب الأستاذة المساعدة في المركز البولندي لعلم الآثار المتوسطية بجامعة وارسو وعضوة مبادرة حماية التراث السوداني في جامعة برمنغهام تومومي فوحيا التي قالت “ثقافيًا، هذه هي أفضل مجموعة أثرية في السودان”.

كنوز البلاد
كنوز البلاد

تقول عبداللطيف إن مخازن المتحف القومي “تعتبر مستودعا رئيسيا لجميع آثار السودان”.

وتم افتتاح المتحف القومي عام 1971، وهو يقع في العاصمة ويطل مدخله على ضفة النيل الأزرق، ويضم مقتنيات وقطعا تؤرّخ لجميع فترات الحضارة السودانية بدءا من العصور الحجرية حتى الفترة الإسلامية ومرورا بالآثار النوبية والمسيحية.

يتميز المتحف بفناء وحديقة كبيرة تُعدّ متحفًا مفتوحًا يحتوي على معابد ومدافن وتماثيل، ومن أبرز المعابد سمنة شرق وسمنة غرب وبوهين، إضافةً إلى مقبرة الأمير حجو تو حتب وأعمدة كاتدرائية فرس.

ومن بين الأسباب التي دفعت إلى إنشاء المتحف إنقاذ القطع الأثرية وبقايا بعض المعابد، سواء من الحضارة النوبية أو المصرية القديمة، من غمر المياه في فترة بناء السدّ العالي في أسوان جنوب مصر.

وخلال الأيام الماضية تداول العديد من السودانيين على منصات التواصل الاجتماعي إعلانا نُقل عن موقع التجارة الإلكترونية “إي باي” لبيع قطعة تضم ثلاثة تماثيل على قاعدة واحدة (رجل وامرأة وطفل) وكُتب عليها أنها من القطع الأثرية المصرية القديمة معروضة للبيع بسعر 280 دولارا.

التوثيق حماية
التوثيق حماية

وندّد هؤلاء ببيع تراث السودان عبر الإنترنت، إلا أن أحد خبراء الآثار السودانية، طلب عدم ذكر اسمه، أكد لفرانس برس أن “التمثال المعروض على الإنترنت تقليد لقطعة موجودة في المتحف”.

غير أنه أشار إلى أن هناك إعلانات لـ”قطع فخارية وذهبية ولوحات كانت موجودة في المتحف” معروضة للبيع عبر الإنترنت.

وأَضاف “هناك تخوّف من أنه إذا حاول سارقو المتحف تحريك التماثيل الضخمة قد تتعرض للدمار لأنها تحتاج إلى متخصصين”.

ودعت اليونسكو السودانيين “من الجمهور والوسط الفني، في المنطقة والعالم، إلى الامتناع” عن الاتجار بالقطع الفنية السودانية.

في عام 2020 أغلقت الحكومة السودانية المتحف لصيانته وظلّ مغلقا إلى أن نجحت السلطات مطلع عام 2023 -أي قبل ثلاثة أشهر من نشوب الحرب- في نقل تمثال الملك ترهاقا من مدخل المتحف إلى داخله بمساعدة فريق عمل إيطالي متخصّص.

وترهاقا هو خامس ملوك مملكة كوش كما كان يطلق على السودان قديما، وحكمها قبل حوالي 2700 عام.

ولكن لم يفتتح المتحف مجددا بسبب اندلاع المعارك.

وفي يونيو تأكدت اليونسكو، بحسب بيان لها، “من تعرّض أكثر من عشرة متاحف ومراكز ثقافية ومؤسسات ذاكرة للنهب والتخريب” في السودان. وحذّرت من ضياع “ذاكرة آلاف السنين من الحضارة والمعرفة والتقاليد الأصلية في البلد”.

متحف ينتهك
متحف ينتهك

ولم يتوقّف نهب التراث عند المتحف القومي، وقالت عبداللطيف إنه “تمّ نهب ممتلكات متحف نيالا في جنوب دارفور ومجموعاته المتحفية وحتى أدوات العرض”.

كذلك أشارت إلى سرقة متحف الخليفة عبدالله التعايشي في أم درمان، وتدمير أجزاء من مبناه الذي يعود إلى حقبة الدولة المهدية في السودان قبل الاستقلال.

وأرجع الباحث في الآثار السودانية والمدير الأسبق لهيئة الآثار حسن حسين سبب السرقات إلى عدم وجود حراسة للمتاحف والآثار السودانية نتيجة الحرب.

وأطلق باحثون في الآثار حملة لاسترداد القطع الأثرية السودانية المنهوبة. وقال حسين إنه يسعى إلى تسليط الضوء على أزمة سرقة تاريخ السودان خلال مؤتمر سيعقد في مدينة مونستر الألمانية.

وأضاف “أوضاع الآثار السودانية في الوقت الراهن تشغل كل المهتمين بالتراث الإنساني”.

من جهتها دعت منظمة “التراث من أجل السلام”، المعنية بحماية التراث الوطني خلال النزاعات، الأطراف المتحاربة في السودان إلى حماية التراث الثقافي ومنع التصدير غير المشروع للملكية الثقافية ووقف الحفريات غير القانونية في المواقع الأثرية.

16