نظافة المحيط رياضة لجميع الفئات والأعمار

إذا كان تكدس النفايات معضلة خانقة تهدد صحة الإنسان ومحيطه فإن ذلك يستدعي حلولا عاجلة، وتقدمت اليابان ببادرة ذكية بتنظيم بطولات محلية لجمع القمامة لتصبح رياضة أطلقت عليها اسم "سبوغومي"، وتستعد لتنظيم كأس العالم الذي سيكون في العاصمة طوكيو والغاية نشر الوعي البيئي بين مختلف الأعمار والفئات.
طوكيو ـ أعلنت اليابان مؤخرا أنها ستستضيف أول بطولة لكأس العالم لجمع النفايات، والتي أطلقت عليها اسم "سبوغومي"، وهي كلمة مختصرة لكلمتي “الرياضة” و"النفايات" باللغة اليابانية، حيث ستجوب فرق من اليابان و20 دولة أخرى حول العالم شوارع طوكيو بحثا عن القمامة لجمعها في المنافسات النهائية.
وتقام الآن الجولات التمهيدية المؤهلة لبطولة “سبوغومي” في جميع أنحاء العالم وفي جميع محافظات اليابان البالغ عددها 47 محافظة، لتحديد الفرق التي ستمثل الدول في أول كأس عالم للنظافة.
وبموجب قواعد المنافسة، يجمع كل فريق مكون من ثلاثة إلى خمسة أشخاص، القمامة في منطقة محددة خلال مهلة زمنية قدرها ساعة تقريبا. ولأن بعض منافسات البطولة تقام في المناطق الحضرية، لا يُسمح بالجري. وبعد انتهاء الوقت، يقوم المشاركون بفرز القمامة حسب الفئة، ويتم وزن النفايات التي تم جمعها، ويحصل كل فريق على مجموع النقاط.
ويحصل كل فريق على 10 نقاط لكل 100 غرام تم جمعها من القمامة القابلة للحرق ومن القمامة غير القابلة للحرق، و12 نقطة للقنينة الزجاجية والعلب، و25 نقطة للقناني البلاستيكية. وتحصل أعقاب السجائر على أعلى النقاط، حوالي 100 نقطة لكل عقب سيجارة.
استعداد وإستراتيجية
يتطلب جمع القمامة قوة بدنية كبيرة لتحصيل أكبر عدد من النقاط ويعد عملا شاقا بمتعة المنافسة، خاصة وأن جميع الفرق لديها فرصة كبيرة للفوز إذا وضعوا إستراتيجية صحيحة تؤهلهم من خلال التركيز على جمع النفايات ذات النقاط العالية مثل أعقاب السجائر والزجاجات البلاستيكية.
في المسابقة الإقليمية بمحافظة سايتاما، التي جرت في حديقة أوميا، اشتكى المشاركون من صعوبة العثور على القمامة، وهو دليل على أن الحديقة تتم صيانتها وتنظيفها بشكل دوري. ومع ذلك، جمعت الفرق المشاركة الـ23 ما مجموعه 37.47 كغم من النفايات. وحصل الفريق الفائز المكون من ثلاثة رجال بالغين على 1130.9 نقطة مقابل 10.71 كيلوغرام من القمامة التي جمعوها.
وأوضح أعضاء الفريق الثلاثة، وجميعهم لديهم خبرة في أنشطة جمع القمامة المحلية، أن سرّ نجاحهم كان التركيز على البحث تحت الشجيرات في الحدائق وغيرها من الأماكن غير المرئية، حيث لاحظوا أن غالبا ما يتم التخلص من القمامة في مثل هذه الأماكن.
بدأت مسابقة سبوغومي في عام 2018، وكانت اقتراحا من مبادرة الرياضة الاجتماعية التابعة للاتحاد الياباني العام، التي كانت تنظم المسابقة كل عام منذ ذلك الوقت. وكانت الفكرة من المسابقة هي إضفاء لمسة تنافسية على أنشطة جمع القمامة وتحويلها إلى رياضة من أجل الوصول إلى المزيد من الأشخاص والمساعدة بطريقة ممتعة على تنمية الوعي بالمشاركة المجتمعية.
وبالتعاون مع مشروع المحيط واليابان التابع لمؤسسة نيبون، بدأت مبادرة الرياضة الاجتماعية في تنظيم مسابقة سبوغومي كوشيئن، التي سميت على اسم بطولة البيسبول الشهيرة في المدارس الثانوية اليابانية في عام 2019. وكانت تتنافس الفرق المدربة من طلاب المدارس ضد بعضها البعض في جولات الإقصاء في المسابقة الإقليمية للحصول على مكان في البطولة الوطنية في طوكيو. وقد شارك أكثر من 130 ألف شخص حتى الآن، في هذه مسابقة.
ونتيجة للانتشار الواسع لرياضة سبوغومي في جميع أنحاء العالم، ستجتمع فرق من 21 دولة في طوكيو للتنافس في أول كأس عالم على الإطلاق لرياضة جمع القمامة (سبوغومي)، المقرر عقده في طوكيو في نوفمبر عام 2023. وتقام حاليا التصفيات الإقليمية في 47 محافظة يابانية بالإضافة إلى الدول الأجنبية المشاركة.
في المؤتمر الصحفي الذي عُقد في فبراير عام 2023 للإعلان عن بطولة كأس العالم لرياضة سبوغومي، أوضح رئيس مؤسسة نيبون، ساساكاوا يوهاي أن ما بين 70 في المئة و80 في المئة من النفايات البحرية تأتي من المخلفات الموجودة في المدن الحضرية التي يتم نقلها عبر الأنهار إلى المحيط. ويأمل أن يساعد الانتشار لرياضة سبوغومي في تقليل النفايات البلاستيكية في المحيطات، والتي تسبب مشكلات في جميع أنحاء العالم.
وقد قال السباح السابق ماتسودا تاكيشي، أحد السفراء الفخريين للمسابقة الجديدة، والذي يبذل قصارى جهده للترويج لهذه المسابقة، “لقد سمعت أن أي شخص يشارك ولو لمرة واحدة في نشاط لجمع القمامة لم يعد يرمي القمامة على الأرض مرة أخرى".
ويضيف أن "رياضة جمع القمامة تتوافق مع أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، ولكن الكثير من الناس لا يعرفون من أين يبدؤون. كخطوة أولى، فإن المشاركة في رياضة سبوغومي لها تأثير كبير في تحقيق هذه الأهداف بجانب أنها رياضة يمكن للجميع ممارستها، صغارا وكبارا".
البطولة المحلية
كان شاطئ إيزومو كيرارا هو المكان الذي جرت فيه تصفيات محافظة شيماني في الثامن عشر من شهر يونيو. وقد أعرب المشاركون في المسابقة عن حماسهم في التأهل للبطولة الوطنية التي تقام في العاصمة طوكيو، قائلين “إلى طوكيو!”، ويفكرون من الآن في كيفية الاستمتاع بالمدينة الكبيرة في حال الفوز.
ومن المقرر أن تقام بطولة سبوغومي الوطنية بالعاصمة طوكيو في شهر أكتوبر، حيث يتم تحديد الفريق الذي سيمثل اليابان في بطولة كأس العالم. ونظرا لأن المسابقة ستتكفل بتكاليف سفر وإقامة الفائزين في تصفيات المحافظات، فمن الممكن أن يكون حافز الرحلة إلى العاصمة دافعا قويا، خاصة للمشاركين من المناطق البعيدة. عندما انطلقت صافرة بداية المسابقة، نرى الجميع يطاردون الشاطئ بحثا عن القمامة، وعلى وجوههم نظرات الجدية والتركيز.
للوهلة الأولى يبدو الشاطئ نظيفا، ولكن عندما تنظر عن كثب، لا يخلو هذا المكان الجميل من الزجاجات البلاستيكية وأدوات الصيد المهملة التي تجرفها الأمواج إلى حافة الشاطئ، بالإضافة إلى براميل الوقود البلاستيكية، والستايروفوم (علامة تجارية لرغوة البوليسترين المبثوقة ذات الخلايا المغلقة، والتي يطلق عليها عادة "اللوحة الزرقاء"، يتم تصنيعها كلوح عازل)، والكتل كبيرة الحجم من الحطام المحشور بين فجوات حاجز الأمواج.
وتقام المسابقة في ظروف قاسية وتتطلب جهدا بدنيا كبيرا، فعلى طول الكيلومتر الذي تم اختياره كمكان للمسابقة، تتعرض جميع الفرق لأشعة الشمس القوية ولا يوجد مكان للاحتماء منها.
ويجب على أعضاء الفريق العمل بالتنسيق فيما بينهم، وأن يظلوا قريبين ولا يبتعدون عن بعضهم البعض بحد أقصى مسافة لا تزيد عن 10 أمتار. ولكن هناك البعض من المنافسين ممن يرغبون في جمع كمية أكبر من القمامة، قد لا يحافظون على هذه المسافة ويذهبون بعيدا عن أعضاء فريقهم، ولكن كلما ابتعدوا، فإنهم يستغرقون وقتا أطول في العودة إلى نقطة البداية حيث مكان الوزن، وبذلك يخصم منهم النقاط بسبب التأخير. وانتهت الفرق الـ25 المشاركة إلى جمع 210.47 كيلوغرام من القمامة. وأشاد منظمو المسابقة بالحالة الجيدة للشاطئ بعد انتهاء المنافسة.
وعلق أحدهم “أعتقد أن المشاركين قاموا بعمل رائع، ولكنني لست سعيدا من الكمية الكبيرة من القمامة التي تم جمعها، فالعثور على أكثر من 200 كيلوغرام من القمامة على شاطئ شيماني الذي يبدو للوهلة الأولى نظيفا يمكن مقارنته بما تم جمعه من منطقة مكتظة بالسكان مثل شينجوكو في وسط طوكيو”.
وكان الفريق الفائز من مدينة ماتسوئه، مكون من ثلاثة أفراد، جميعهم أصدقاء منذ الطفولة. وقد جمعوا ما يبلغ وزنه 40.86 كغم من القمامة، مما جعلهم متقدمين بفارق كبير عن جميع الفرق الأخرى.
وكانت هذه أول مشاركة لهم في مسابقة سبوغومي، وقد أشاروا إلى حرصهم على عدم إلقاء القمامة في حياتهم اليومية، كما صرحوا بأن المشاركة في جمع النفايات من الشاطئ وإعادتها إلى خط البداية كانت عملا شاقا يتطلب منهم الكثير من الطاقة. الفائزون في شيماني، تعهدوا بالحصول على المركز الأول في مسابقة طوكيو الوطنية والمضي قدما للفوز بالمركز الأول في كأس العالم لسبوغومي باعتبارهم الفريق الذي سيمثل اليابان في البطولة.
التصفيات المؤهلة
جرت التصفيات المؤهلة لكأس العالم بطوكيو في العديد من البلدان الأجنبية ويتنافس المشاركون بحماس للسفر إلى العاصمة اليابانية. كل دولة تجري التصفيات بمعاييرها الخاصة والفرق المؤهلة للبطولة تظهر مزيجا من التنوع الفريد. وعلى الرغم من أن طريقة جمع القمامة في مسابقة سبوغومي هي نفسها في جميع أنحاء العالم، إلا أن عادات فصل القمامة المنزلية والأساليب التي تتبعها البلديات في جمع القمامة تختلف اختلافا كبيرا من بلد إلى آخر.
في فيتنام على سبيل المثال، فرز النفايات ليس أمرا متعارفا عليه، وكان على المتنافسين الرجوع إلى كتاب القواعد الخاص بفرز القمامة التي تم جمعها. وقد صرح عدد غير قليل من المشاركين في المسابقة، بأنهم لم يكونوا على علم مطلقا بأن أنواعا معينة من النفايات هي موارد قابلة لإعادة التدوير.
◙ تصفيات سبوغومي المؤهلة لكأس العالم بطوكيو تجري في العديد من البلدان لكن كل دولة تعتمد معاييرها الخاصة
وفي إندونيسيا، ظهرت “بنوك القمامة” في الأعوام القليلة الماضية، حيث يبيع السكان نفاياتهم إلى شركات إعادة التدوير. إن حقيقة رؤية كيف تتراكم “الأرباح” في الحساب البنكي لكل أسرة هو أمر مشجع، ويساعد على زيادة الوعي بأهمية فصل القمامة في المنازل.
وفاز موظفو “بنك القمامة” هؤلاء بالتصفيات في إندونيسيا، لقد قرروا المشاركة في المنافسات لأنهم يعتقدون أن مسابقة سبوغومي هي طريقة جيدة لرفع مستوى الوعي بالقضايا البيئية، ثم إن معرفتهم المتعلقة بعملهم بتفاصيل وعموميات القمامة أعطتهم الأفضلية.
وفي البرازيل المهووسة بكرة القدم، لم تكل وسائل الإعلام التي تغطي بطولة كأس العالم لرياضة جمع القمامة سبوغومي من ذكر كيف أذهل مشجعو الرياضة اليابانيون العالم من خلال جمع القمامة في مدرجات الملاعب بعد مباريات كأس العالم لكرة القدم والألعاب الأولمبية. لقد شجعوا البرازيليين على محاكاة هذا العنصر الإيجابي في الثقافة اليابانية والانضمام إلى مسابقة سبوغومي.
وقد أرجع الفريق الفائز المكون من ثلاثة شباب في مرحلة التصفيات النهائية في البرازيل، نجاحهم إلى التدريب الجيد مع الحافز القوي على المشاركة في بطولة كأس العالم لسبوغومي.
وضمت الفرق التي تمثل مختلف البلدان، تنوعا كبيرا من المشاركين في المسابقة. وهذا يدل على أن رياضة سبوغومي هي نشاط عالمي بدأ ينتشر ويجذب مختلف الأشخاص بغض النظر عن أعمارهم أو جنسهم أو دوافعهم الأيديولوجية. ويتطلع المشجعون اليابانيون إلى بطولة كأس العالم لسبوغومي في طوكيو في نوفمبر، ويأملون في أن يقدم المنتخب الياباني أداء جيدا.