نريد السلام

الثلاثاء 2017/12/26

"إننا ننعم في رخاء والآن نريد السلام" كانت هذه أمنية الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، عشية عيد الميلاد.

أكثر شخصية أثارت زوبعة في العالم بأسره تطلب من سانتا كلوس السلام هدية، حتى في طلب الهدايا كان نرجسيا وطلب السلام، في المقابل ماذا سيطلب الأطفال في كل جزء مهمش على الخارطة الحرب مثلا؟

وبمناسبة الحديث عن هدايا بابا نويل التي نسمع عنها منذ نعومة أظافرنا صوتا دون صورة كالتلفاز المعطل تماما، فهي أيضا تحمل وزر التقسيم غير العادل الذي يعاني منه الأطفال بين العالمين الغربي والعربي.

ذاك أن المجتمعات الغربية على الرغم من وعيها الشديد بأن شخصية سانتا كلوس وهمية إلا أنها تحرص على توزيع الهدايا على أطفالها وأطفال العوائل المعوزة وتتقمص بتفنن وحب شخصية بابا نويل وتجوب الأرض برا وبحرا وتراقص العابر والجالس وتنشر الفرح.

وفي النسخة العربية تمد الموائد مع أذان المغرب إلى خيوط الفجر الأولى محملة بعادات الغرب وثقافته الغذائية إلى جانب مشاهدة برامج خارج نطاق الخدمة عابرة للحدود الأخلاقية للأسر العربية تتمايل على إيقاعات الميوعة وأنغام خفايا الأبراج الفلكية. وطبعا يسبق كل ذلك سباق محموم يملأ الأسواق أفواجا متدافعة من مختلف الطبقات والشرائح العمرية تأتي على الأخضر واليابس غير عابئة بارتفاع الأسعار المفاجئ ولا باستغلال الباعة والتجار للمناسبات والأعياد لتحصيل هامش ربحي أكبر، وتسرف النسوة يومهن بين تزين الحلويات وتفقد الأفران واستنشاق روائح التوابل المختلطة والتقاط الصور.

ولكن لا أحد ينتبه إلى شراء هدايا للأطفال إلا قلة قليلة جدا، أما البقية فترى في ذلك تشبها بالغرب ومصروفا إضافيا لا قبل للعائلة بتحمله.

والغريب أن الأسر العربية تصر على موقفها ذاك وتكذب على أبنائها بكل صدق أن رأس السنة الميلادية وعادة شراء المرطبات وما يتبعها من احتفالات خاصة بالغرب دونهم، وأن رأس السنة الهجرية هو عيدهم الذي يرتبط هو الآخر في أعرافهم بثقافة الأكل العظيمة حيث يتم استقبال العام الجديد ليلة العيد بطبق الملوخية تبركا بلونها الأخضر عله يكون عام بركة لما يحمله اللون من دلالات الخصوبة والخيرات، ويوم العيد تنصب الأقدار ويطهى الكسكسي.

وبالنهاية لا علاقة لاستقبال سنة جديدة بالهدايا بل هو في مجمله تصديق لقول الفيلسوف الألماني كارل ماركس “تاريخ البشرية هو تاريخ البحث عن الطعام”، وبتنقيح صغير من قبلي “تاريخ المجتمعات العربية هو تاريخ الإسراف في الطعام”.

ولكن ما يثير التساؤل حقا أن العقلية التي تشحن أبناءها بفكرة أن بابا نويل شخصية وهمية ويضحك بهذا الغربيون على أطفالهم هي نفسها التي تسارع إلى شراء شجرة الميلاد وتتنافس على استقبال دمى سانتا كلوس بمنازلها وهي ذاتها التي تطبخ الديك الرومي وتزين به موائدها.

مسكين الطفل العربي يعيش شرخا بين الواقع والخيال يشتهي تلك الهدايا التي تداعب بها أفلام الكرتون أحلامه الطفولية بإخراج غربي، فيحظى بطبق مشكل من مختلف الألوان والأصناف تغوي بطنه حتى الامتلاء بإمضاء عربي.

في الحقيقة الأطفال بكل العالم لا يحتاجون إلى يوم خاص ولا إلى هدايا ثمينة تثقل كاهل أسرهم كما تدعي بعض العوائل، بل إلى سماع مطالبهم البسيطة وتوفير مناخ أسري سوي مبني على التفاهم والاحترام والحب عماده الصدق والإصغاء بانتباه وتبصر لما يريده كل فرد على حدة، كما أنهم بحاجة إلى الشعور بالأمان داخل أوطان حقيقية تبذل أرواحها فداء لسلامة شعوبها وكرامتهم.

بابا نويل قد يكون شخصية وهمية بالفعل لكنه قابع دخل أسوار كل بيت غربي كان أو عربي ولا علاقة له بيوم واحد من 365 يوما بل هو متغلغل في 12 شهرا بكل تفاصيلها، يعاين طلبات الأبناء ويرى عن كثب أحلامهم ويعايش طموحاتهم ويكبر مع أحجامهم ويحارب الكون من أجل إسعادهم.

هديتي المتواضعة لكل طفل "حمامة بيضاء" حتى يعم السلام رغم أنف مخرب السلام.

كاتبة من تونس

21