نحل المدن يعزز من فهم الميكروبيوم البيئي المهم لصحة البشر ونموهم

معلومات جينية في الفضلات المتراكمة بخلايا النحل تساعد على رصد الأمراض.
الجمعة 2023/03/31
أمعاء النحل موطن لكثير من الميكروبات التي تؤدي وظائف حيويّة

توصّل الباحثون إلى أنّ النحل قد يكون مفيداً في عملية جمع الكائنات الدقيقة (الميكروبيوم) المنتشرة في المدن، مما يجنّب إسناد هذه المهمة الشاقة إلى العلماء. وتكمن أهمية دراسة الميكروبيوم الخاص بالمدن في أنّ الميكروبيوم البيئي مهم جداً لنمو البشر وصحّتهم، وفق ما أكده الخبراء والباحثون الذين اكتشفوا في الفضلات المتراكمة داخل خلايا النحل معلومات جينية كثيرة تختلف بحسب كل مدينة.

باريس – توصلت دراسة نُشرت الخميس إلى إمكان استخدام النحل الذي يعيش في المدن لتعزيز المعرفة بالعالم الطبيعي غير المرئي لهذه المدن والمؤلف من كائنات دقيقة بالغة الأهمية لصحّة البشر.

وأجرى باحثون نُشرت نتائج دراستهم في مجلة “إنفايرنمنتل ميكروبيوم” دراسة تجريبية شملت في البداية نحل العسل الذي يعيش في بروكلين بنيويورك فقط، قبل أن يوسّعوا نطاق بحثهم ليشمل أربع مدن أخرى (ملبورن، سيدني، طوكيو والبندقية).

وتمثّل هدفهم في التوصّل إلى فهم أفضل للميكروبيوم الخاص بالمدن، أي مجموع الكائنات الحية الدقيقة (بكتيريا وفطريات وفيروسات) التي تنتشر في هذه المناطق.

التمكّن من رصد مسبب لمرض تنقله القطط إلى البشر، مؤشر على أنّ النحل يمكن استخدامه كوسيلة لرصد أمراض معينة

وتوصّلوا إلى أنّ النحل قد يكون مفيداً في عملية جمع هذه الكائنات الدقيقة المنتشرة في المدن، مما يجنّب إسناد هذه المهمة الشاقة إلى العلماء. واكتشف العلماء في الفضلات المتراكمة داخل خلايا النحل معلومات جينية كثيرة تختلف بحسب كل مدينة.

وأكدت المشاركة في إعداد الدراسة إليزابيث إناف أنّ “أهمية دراسة الميكروبيوم الخاص بالمدن تكمن في أنّ الميكروبيوم البيئي مهم جداً لنمو البشر وصحّتهم”.

وتمكّن الباحثون من رصد مسبب لمرض تنقله القطط إلى البشر، في مؤشر على أنّ النحل يمكن نظرياً استخدامه كوسيلة “محتملة” لرصد أمراض معينة.

إلا أنّ معدّي الدراسة لم يركّزوا على هذا الجانب. وقالت إناف إنّ “هدفنا الأساسي هو في أن نكون قادرين على تحديد خصائص الميكروبيوم السليم في المدن، نظراً إلى أن غالبية الميكروبات مفيدة لصحة الإنسان”.

وقال كيفن سلافين أحد المشاركين في الدراسة في مؤتمر صحافي إنّ هذه النتائج تؤشر إلى فكرة أكثر عمومية مفادها أن اكتشاف مسببات الأمراض عملية ممكنة”.

لكنّه لا يعوّل على النحل فقط في هذه العملية لأنّ نشاط هذه الحيوانات يختلف بحسب الفصول، ويشير إلى أنّ أنواعاً أخرى قريبة من البشر قد تلعب يوماً دوراً في هذا الخصوص.

والمكروبيوم هو مجموع الميكروبات المتعايشة مع الإنسان أو أي من الأحياء الأخرى (حيوانات أو ديدان أو قواقع) وتعيش على جسمها أو في داخل أمعائها. ويقصد بالميكروبيوم في المقام الأول النبيت الجرثومي المعوي والميكروبات التي تعيش على جلده مما يسمى النبيت الجرثومي الجلدي أو تعيش على أجزاء أخرى من جسم الإنسان أو فيها في تعايش سلمي في الفم والأنف والعين والأعضاء التناسلية وغيرها. وقد تنضم إليها في التعريف العام مجموعات الميكروبات التي تعيش في التربة وعلى أوراق الشجر وفي البيوت غيرها.

oo

وقال الكاتب الأميركي المعروف ديل كارنجي “نحن نتأثر بشكل بالغ بالأشخاص الذين نخالطهم”، ويقصد كارنجي بذلك التأثير على المستوى الفكري والأخلاقي، وبينما تؤثر علاقاتنا الاجتماعية على أفكارنا واهتماماتنا وحتى سلوكنا، يؤكد العلم أن هذا التأثير يمتد أيضا ليشمل صحتنا واستعدادنا لبعض الأمراض، حيث يتشكل الميكروبيوم الخاص بنا من خلال اتصالنا بأفراد عائلتنا وأصدقائنا وكل من نخالطهم.

والميكروبيوم هو مجموعة من الميكروبات مثل البكتيريا والفطريات والفيروسات وجيناتها التي تعيش بشكل طبيعي على أجسامنا وداخلنا، منها المفيد ومنها الممرض. وتشير الأبحاث من جامعة واشنطن في سانت لويس إلى أن ميكروبيوم الأمعاء أمر بالغ الأهمية لتواصل نحل العسل. وبالنسبة إلى نحلة العسل، هناك القليل من الأشياء الأكثر أهمية من التعرف على زملائها في العش، ويمكن أن تعني القدرة على تمييز رفيق العش من الغازي.

وأظهر بحث جديد من جامعة واشنطن في سانت لويس أن نحل العسل يعتمد على الإشارات الكيميائية المتعلقة بالمجتمعات الميكروبية في الأمعاء المشتركة، بدلاً من الارتباط الجيني لتحديد أعضاء خلاياه. وقال يهودا بن شاهار أستاذ علم الأحياء في الآداب والعلوم والمؤلف المقابل للدراسة التي نُشرت في “ساينس أدفنس” إن “معظم الناس لا ينتبهون إلا إلى جينات النحل الفعلية. ما نظهره هو أنها وراثية، لكنها جينات البكتيريا”.

ويتعرف نحل العسل ويستجيب للإشارات الكيميائية من النحل الآخر التي يكتشفها من مركبات الجلد المعروفة باسم الهيدروكربونات الجلدية أو” سي.إتش.سي.سي”. وحددت هذه الدراسة أن ملف “سي.إتش.سي” الخاص بالنحلة يعتمد على الميكروبيوم (البكتيريا التي تشكل مجتمع ميكروبيوم الأمعاء) وليس شيئًا فطريًا أو وراثيًا للنحلة وحدها.

وقالت كاسندرا إل فيرنير الحاصلة على درجة الدكتوراه في علم الأحياء من جامعة واشنطن “تحتوي الخلايا المختلفة في الواقع على ميكروبيومات خاصة بالخلايا، والتي لم تظهر من قبل”. وأضافت فيرنير المؤلفة الأولى للدراسة الجديدة “يتشارك النحل الطعام مع بعضه البعض باستمرار ويتبادل هذا الميكروبيوم داخل خلاياه”. وتابعت “تكمن أهمية هذه الدراسة في أنها واحدة من الدراسات الأولى التي تظهر بالفعل أن الميكروبيوم متورط في البيولوجيا الاجتماعية الأساسية لنحل العسل، وليس فقط التأثير على صحتهم”.

uu

وأكدت أن “الميكروبيوم متورط في كيفية عمل الخلية ككل، وكيف أنها قادرة على الحفاظ على دفاعات العش، بدلاً من مجرد الدفاع المناعي داخل الفرد”.

ويؤثر الميكروبيوم على التواصل، ويزود المجتمع الميكروبي المعوي أو الميكروبيوم البشر والحيوانات الأخرى بالفيتامينات، ويساعد على هضم الطعام، وينظم الالتهاب ويحافظ على الميكروبات المسببة للأمراض تحت السيطرة على نحو متزايد.

ويمتلك النحل مثل العديد من الكائنات ترسانة داخلية، حيث تعد أمعاؤه موطناً لكثير من الميكروبات التي تؤدي وظائف حيويّة مثل المساعدة في عملية الهضم، والتخلُّص من السموم، وصدّ الطفيليات.

وتقول عالمة البحوث بجامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست) الدكتورة رامونا ماراسكو “تجعل البكتريا النافعة في الأمعاء النحل أكثر قدرة على مواجهة التهديدات، مثل مُسببات الأمراض وتغيُّر المناخ، كما تسلط الضوء على الحاجة إلى فهم الكيفية التي تساعد بها الميكروبات المختلفة مضيفها”.

وركّزت الأبحاث المستفيضة في مجال المجموعات الميكروبية التي تسكن الأمعاء بشكل خاص والتي تسمى “الميكروبيوم” في عسل النحل الأوروبي على العديد من البكتيريا الخاصة بالنحل، والتي أصبحت وظائفها وتوزيعها في جميع أقسام الأمعاء الآن معروفة جيداً، بينما تم التغاضي عن الأعضاء الثانوية للميكروبيوم، مثل البكتيريا والفطريات التي يتناولها النحل من دون قصد أثناء بحثه عن الطعام.

16