نحت تحف الألباستر فن يخلد إبداعات الفراعنة

يعتبر الألباستر نوعا من الجبس الطبيعي ذي الحبيبات الدقيقة، لتمتعه بقدرة شفافية عالية وتعدد ألوانه، وهذا ما جعله مثاليا لصناعة التماثيل والتحف التي تشتهر بها مصر، بما في ذلك التماثيل الفرعونية الشهيرة، كما يواجه أصحاب صناعة الألباستر عددا من المشكلات من بينها مزاحمة البضائع المقلدة لما ينتجونه وهو ما يهدد صناعتهم بالاندثار.
الأقصر( مصر) - تعد صناعة الألباستر في مدينة القرنة بمحافظة الأقصر من أقدم الحرف التي توارثها الأهالي منذ العصور الفرعونية. ويعود تاريخ هذا الفن إلى نحو 6000 عام قبل الميلاد، حيث كان الفراعنة يستخدمون حجر الألباستر في نحت التماثيل والأعمال الفنية التي لا تزال تزين المعابد والأهرامات حتى اليوم.
ويُعتبر الألباستر نوعا من الجبس الطبيعي ذي الحبيبات الدقيقة، ويتمتع بقدرة شفافية عالية، حيث يتراوح لونه بين الأبيض النقي والبني المحمر. هذه الميزة جعلت منه الحجر المثالي لصناعة التماثيل والتحف التي تشتهر بها مصر، بما في ذلك التماثيل الفرعونية الشهيرة لملوك مثل رمسيس الثاني وتوت عنخ آمون.
وقال محمود حساني، صاحب مصنع، “ننحت التماثيل الفرعونية، ونقلّد النسخ الأصلية على أيدي صُنّاع مهرة من أبناء مدينة القرنة الواقعة في البر الغربي بالأقصر، في الطريق إلى وادي الملوك. ويمتهن هذه الحرفة الكبار والصغار، ويتم الحصول على جزء من الأحجار اللازمة للصناعة من جبال القرنة في رحلة تستغرق ثلاثة أيام، حيث تُنقل على الدواب. وهناك العديد من الحجارة التي تُجلب من خارج الأقصر، من أسوان والبحر الأحمر. مشيرا إلى أن حجر الألباستر له ثلاثة ألوان: الأبيض، البني، والأخضر.”
وتحت أشعة الشمس الساطعة، يجلس محمد عبدالرحمن صاحب أحد مصانع الألباستر في القرنة، ليحوّل قطعة الحجر الخام إلى تحفة فنية باستخدام أدوات يدوية بسيطة. ويتحدث عبدالرحمن عن تفاصيل العمل قائلا “بعد تشكيل قطعة الألباستر باستخدام ‘الدبورة‘ (أداة حديدية بدائية)، نضيف البودرة والغراء لجعل الحجر أكثر مرونة، ثم نلفه بالقماش ونستخدم ‘المدجاب‘ لتفريغ الألباستر قبل أن نعالجه بالصنفرة لتنعيمه.” وفي النهاية، يوضع الحجر في الفرن لفترة قصيرة ليأخذ طبقة شمعية ناعمة.
وتتمثل مخرجات هذا الفن في مجموعة واسعة من القطع الفنية مثل الأطباق، المزهريات، الأكواب، التماثيل الصغيرة مثل القطط والأفيال، إضافة إلى وحدات الإضاءة وبيوت الشموع، التي يتم بيعها للزوار المحليين والدوليين.
ويؤكد عبدالرحمن أن الألباستر المصري يتمتع بجودة استثنائية لا تضاهى. ورغم محاولات العديد من البلدان مثل الصين تقليد هذه الصناعة، إلا أن محاولاتهم باءت بالفشل بسبب استحالة تقليد الخصائص الفريدة للحجر المصري، مثل مرونته وشفافيته. وتشير التقارير إلى أن هذه المحاولات لم تُفضِ إلى منافسة قوية مع المنتج المصري، الذي يحافظ على جاذبيته وسمعته في الأسواق العالمية.
وانتقد محمد صالح، أحد الصنّاع، سياسة الشركات السياحية تجاه تجارة التحف والتماثيل، حيث تجبر أصحاب المصانع على دفع مبلغ من المال مقابل توجيه زبائنها إليهم للشراء. وهذا ما يجبر أصحاب المصانع على عدم الاكتراث بجودة الخامة، وشراء التماثيل الصينية المقلدة، ما أدى إلى ركود هذه الحرفة التي أصبحت مهددة بالانقراض بعد أن هجرها الحرفيون والصناع المهرة، وبحثوا عن عمل آخر رغم أن تلك الحرفة تجذب السياح من جميع دول العالم.
وأبدى محمد قناوي، أحد أصحاب البازارات، تخوفه من انقراض الحرفة في مصر، خصوصا بعد استيراد مصر للتماثيل الفرعونية من دول تقوم بتصنيعها بطرق غير فنية أو مهارية مثل إيران وتركيا والهند وغيرها. وتبيع هذه الدول التحف بأسعار أرخص من تلك التي ينحتها الفنانون المهرة، رغم تدني جودة التحف المستوردة.
وفي معرض قريب من مكان عمل هؤلاء الفنانين، يتم عرض منتجات الألباستر التي تستهوي الزوار من جميع أنحاء العالم. وتُعرض هناك تماثيل ومنحوتات تحمل أسلوب الفراعنة القديم، ما يجعلها تتمتع بجاذبية خاصة للزوار الذين يتوافدون إلى الأقصر للتعرف على الحضارة المصرية القديمة. وهؤلاء الزوار يتوجهون إلى المعارض لشراء التماثيل والهدايا التذكارية التي تعكس التراث المصري.
ورغم التحديات التي تواجه هذه الصناعة، لا يزال هناك أمل في أن تتمكن الحكومة من التدخل لحماية هذا الفن الفريد. ويطالب العديد من أصحاب المصانع بحماية حقوقهم ومنع انتشار التحف المقلدة، التي تباع بأسعار أقل وتؤثر سلبا على جودة المنتج المحلي. كما يدعو البعض إلى إنشاء نقابة مختصة لهذه الحرفة لضمان استمرارها وحمايتها من الاندثار.