نجاح عمليتي زرع قلبي خنزيرين لشخصين ميتين دماغيا

تعد عملية زرع أعضاء حيوانية في أجسام البشر تحديا علميا كبيرا من شأنه أن يبثّ الأمل في نفوس الكثيرين ممن يحتاجون إلى زراعة الأعضاء، كما يعد نجاح عمليتي زرع قلبي خنزيرين لشخصين ميتين دماغيا خطوة هامة نحو تحقيق هدف نقل أعضاء الخنازير إلى البشر. وأشار الباحثون إلى أن زرع الأعضاء الخارجية يكون أكثر أمانا في المتوفين دماغيا.
نيويورك - قال باحثون إن جراحين في جامعة نيويورك نجحوا في نقل قلبي خنزيرين مُعدلين وراثيا إلى شخصين ميتين دماغيا، وذلك في خطوة تقرب البشرية من هدف بعيد المدى يتمثل في نقل أعضاء الخنازير إلى البشر لحل مشكلة نقص الأعضاء البشرية.
وقال الجراحون في مؤتمر صُحفي إن القلبين عملا بشكل طبيعي دون دلائل على رفضهما خلال التجارب التي استمرت ثلاثة أيام في شهري يونيو ويوليو الماضيين.
وجاءت التجارب عقب وفاة رجل (57 عاما) بمرض عضال في القلب خلال مارس بعد أن أجريت له عملية تاريخية قبل ذلك بشهرين في جامعة ماريلاند باعتباره أول شخص يجري عملية زرع قلب خنزير مُعدل وراثيا. وما زالت أسباب فشل هذا القلب في النهاية غير واضحة.
وقال الباحثون إن جامعة نيويورك اشترت قلبي الخنزيرين اللذين عدلتهما شركة ريفيفيكور وفحصتهما بحثا عن الفايروسات باستخدام بروتوكول مراقبة معزز. ولم يظهر في القلبين أي دليل على وجود فايروس خنزير يسمى الفايروس المضخم للخلايا في الخنازير الذي تم اكتشافه في دم رجل ماريلاند وربما يكون قد ساهم في وفاته.
زرع الأعضاء الخارجية أكثر أمانا في المتوفين دماغيا مقارنة بالمرضى الأحياء لأنه يمكّن من أخذ عينات وإجراء فحوصات
وأجريت أربعة تعديلات وراثية على الخنزيرين لمنع رفض القلبين والنمو غير العادي للعضوين كما أجريت ستة تعديلات للمساعدة في التغلب على أوجه عدم التوافق بين الخنازير والبشر.
وكان الباحثون في جامعة نيويورك قد أجروا أيضا عملية زرع كليتي خنزيرين لشخصين ميتين دماغيا في عام 2021.
ويعتقد الباحثون في الوقت الراهن أن زرع الأعضاء الخارجية أكثر أمانا في المتوفين دماغيا مقارنة بالمرضى الأحياء كما أنه أكثر فائدة لأنه يمكن أخذ عينات وإجراء فحوصات في الكثير من الأحيان.
وتتشابه قلوب الخنازير تشريحيا مع قلوب البشر، لكنها غير متطابقة لأسباب معروفة، ولذلك فهي ليست مثالية مقارنة بقلب متبرع من البشر. لكن من الممكن توصيلها وتشغيلها.
وتكمن المشكلة الأساسية في رفض العضو؛ إذ أن هذه الخنازير تربى بطريقة تجعلها تفتقر إلى الجينات التي يمكن أن تسبب الرفض، وتستنسخ مع “استبعاد” جينات معينة وتربيتها حتى تصل إلى سن تكون فيها أعضاؤها كبيرة بما يكفي للحصول عليها من أجل الزرع.
وفي يناير 2022 أعلن أطباء في الولايات المتحدة نجاح عملية زرع قلب خنزير معدل وراثيا في جسم إنسان، وهي الأولى من نوعها.
وقال الأطباء إن ديفيد بينيت، البالغ 57 عاماً، في حالة جيدة بعد ثلاثة أيام من الإجراء التجريبي الذي استمر سبع ساعات في بالتيمور.
وكانت عملية الزرع هي الأمل الأخير لإنقاذ حياة بينيت، على الرغم من أن فرص بقائه حيا على المدى الطويل لم تتضح.

وقال بينيت قبل يوم من إجراء الجراحة “إما أموت أو أجري عملية الزرع هذه”. وأضاف “أعلم أنها قد تنجح أو تفشل، لكنها خياري الأخير”.
وحصل الأطباء في المركز الطبي بجامعة ماريلاند على إعفاء خاص من الجهة الطبية المشرفة على تنفيذ الإجراء، بناء على أن بينيت -الذي يعاني من مرض عضال في القلب- كان سيموت لولا إجراء العملية.
ولم يكن بينيت مؤهلاً لإجراء عملية زرع بشرية، وهذا قرار يتخذه الأطباء غالباً عندما يكون المريض في حالة صحية سيئة للغاية. ثم توفي بعد ذلك.
وخلال أكتوبر 2021 نجح فريق من الجراحين الأميركيين في زرع كلية خنزير في جسم مريضة دون أن يرفض جهاز المناعة العضو المزروع، وقد مثّل ذلك تقدما علميا كبيرا من شأنه أن يبث الأمل في نفوس الكثيرين ممن يحتاجون إلى زرع كلى.
ويعد هذا النجاح اختراقًا علميًا كبيرًا هلل له الملايين من الأشخاص في مختلف مناطق العالم، وصارت الأوساط الطبية تتساءل: هل أضحى زرع أعضاء الخنازير الخيار الأمثل للإنسان؟ وهل يمكن أن تحل هذه التقنية مشكلة نقص أعضاء المتبرعين؟
وقبل يومين من إجراء العملية نجح الفريق في استخدام خنزير تم تعديل جيناته بحيث لم تعد أنسجته تحتوي على جزيّئ معروف بأنه سيؤدي في الأغلب إلى رفض الجسم للعضو المزروع على الفور.
وقال الأطباء إن متلقية كلية مريضة متوفاة دماغيا ظهرت عليها علامات ضعف في وظائف الكلى ووافقت أسرتها على التجربة قبل أن يتم رفعها من على أجهزة الإبقاء على قيد الحياة.
وقال الجراح المسؤول عن عملية الزرع روبرت مونتغومري إن “الخنازير المعدلة وراثيا يمكن أن تكون مصدرًا مستدامًا ومتجددًا للأعضاء، كما هو الحال في مجال الطاقة عند استخدام الطاقة الشمسية وطاقة الرياح”.

وقال المدير المساعد لمركز الزرع في مستشفى ماساتشوستس العام جاي إيه فيشمان “لا شك في أن هذه تجربة رائعة، وبالتأكيد هي جراحة صعبة وتمثل قفزة كبيرة في هذا المجال”.
واعتبر فيشمان أن أهمية هذه الجراحة تعتمد على مدى ما يمكن تقديمه ومشاركته من المعلومات من قبل الجراحين، وإلا سيُعتبر الأمر بمثابة خطوة لإثبات قدرتهم فقط على فعل ذلك.
وقال كبير المسؤولين الطبيين في الشبكة المتحدة لمشاركة الأعضاء بأميركا ديفيد كلاسين إن “الكثير من العقبات لا تزال قائمة قبل أن نتمكن من استخدام أعضاء الخنازير المعدلة وراثيًا في الكائنات الحية”.
ولئن وصف الجراحة بأنها “لحظة فاصلة” إلا أنه حذر أيضًا من أن الرفض طويل الأمد للأعضاء يحدث حتى عندما تكون كلية المتبرع متطابقة بشكل جيد.
والكلى لها وظائف بالإضافة إلى تنقية الدم من السموم. وهي الحقيقة العلمية التي تفسر مخاوف كلاسين بشأن فايروسات الخنازير التي تصيب المستلمين، حيث يقول “إن هذا المجال معقد، ومجرد تخيل أننا نعرف كل الأشياء التي ستحدث وكل المشاكل التي ستنشأ هو أمر ساذج”.
وتعد عملية زرع أعضاء حيوانية في أجسام البشر لحظة فارقة في تاريخ الطب من شأنها أن تحل مشكلة النقص المزمن في الأعضاء البشرية الممنوحة. ولكن لا يزال أمام الباحثين طريق طويل لمعرفة ما إذا كان إعطاء الناس أعضاء حيوانية هو سبيل التقدم في هذا المضمار.