نتنياهو سيمتحن بايدن على بوابات المستوطنات

على عكس ما يعتقده شق من المحللين بأن الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن قد يمسك العصا من المنتصف في علاقة الولايات المتحدة بإسرائيل عند توليه الرئاسة في يناير المقبل بالنظر إلى مواقفه القديمة من بناء المستوطنات رغم تمسك بنيامين نتنياهو بأنها لا تشكل عائقا أمام السلام مع الفلسطينيين، فإن هذا الموقف قد يشكل أكبر اختبار لتل أبيب مع الساكن الجديد للبيت الأبيض، والذي قد يثير حفيظة حليفته عندما يقرر إعادة بلاده للاتفاق النووي مع إيران.
واشنطن/القدس - تفاجأ جو بايدن حينما كان نائبا للرئيس باراك أوباما آنذاك خلال زيارة لإسرائيل في العام 2010 عندما أعلنت السلطات عن خطط لبناء المئات من المنازل الجديدة في المستوطنة اليهودية في القدس الشرقية، فقد أحرجه الحادث وأثار خلافا دبلوماسيا لم يلتئم مع إدارة أوباما لكن وعلى الرغم من معارضة بايدن للمشروع، توسّعت رمات شلومو بعد عقد من الزمن.
ويمكن أن يشير هذا الأمر إلى ما ينتظر إسرائيل مع إدارة بايدن ورئيس أميركي يعارض البناء الإسرائيلي على الأراضي المحتلة، التي يطالب بها الفلسطينيون ولكن قدرته على إيقافه تبدو محدودة، وخاصة عند التعامل مع شرق أوسط متغير ومنشغل بأولويات محلية أخرى.
وسيمثل الشهران المقبلان اختبارا رئيسيا لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بشأن هذه المسألة، فقد يسعى الزعيم الإسرائيلي المؤيد للمستوطنات إلى الاستفادة من أيام إدارة ترامب الأخيرة والمضي قدما في سلسلة من مشاريع البناء في اللحظة الأخيرة لكنه قد يثير استعداء الإدارة القادمة بذلك.
ويقول دافيد هوروفيتس المحرر المؤسس لصحيفة “تايمز أوف إسرائيل” إنه سيكون للرئيس القادم للولايات المتحدة عبء هائل من الأولويات المحلية وسيكون عليه التصدي لها، لكن هناك بالفعل الكثير من الحديث عن عودته إلى الاتفاق، الذي تم توقيعه مع إيران في عام 2015، والذي تم التفاوض عليه تحت إشراف نائب الرئيس وانسحب منه ترامب.
جس نبض
مع الانتقال بسرعة إلى ما بعد عقد من الزمن تم بناء المنازل في حي رمات شلومو منذ فترة طويلة، تبدو الأمور في مفترق طرق فبايدن سيصبح صاحب الكلمة الأخيرة بشأن اتجاه العلاقات الأميركية مع إسرائيل، التي لا يزال يقودها شريكه القديم في السجال نتنياهو.
وهنا يأمل هوروفيتس في أن يكون تعامل بايدن مع مستوطنة رمات شلومو، بما في ذلك إدراكه المعلن بأن السلام لن يتحقق بسهولة، محركا لبوصلة سياسته المقبلة مع إسرائيل. ومع ذلك يبدو هناك قلق من أن الرئيس المنتخب قد يتمسك بالتقليد السياسي الأميركي الذي يقوم على ترك الخلافات مع إسرائيل طي الكتمان.
ويتوقع كل من مؤيدي الاستيطان ومنتقديه أن يتقدم نتنياهو بحذر وأن تعيد إدارة بايدن التعامل مع إيران بشأن برنامجها النووي، الذي يعدّ مصدر القلق الأمني الأكبر لنتنياهو الذي لا نتوقع أن يخوض معركة مع الرئيس المنتخب.
ويرى المبعوث الأميركي لعملية السلام خلال إدارتي كلينتون وأوباما، مارتن انديك، في تصريحات لوكالة أسوشيتد برس أن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني لم يعد “مصلحة وطنية حيوية” للولايات المتحدة وأنه لا يتوقع أن يراه بايدن أولوية.
بايدن قد يتمسك بالتقليد السياسي للولايات المتحدة الذي يقوم على ترك الخلافات مع إسرائيل طي الكتمان
ومع ذلك، يتمتع الديمقراطي الفائز في الانتخابات الرئاسية الأميركية بتاريخ قوي بالمنطقة. ويقول انديك “لا أعتقد أنه يريد خوض معركة على المستوطنات، لكن، إذا خلق نتنياهو قضية من هذا، فستكون هناك مشكلة”.
وسلم ترامب عددا من الهدايا الدبلوماسية لنتنياهو، بما في ذلك انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران، والاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية إليها. كما توسط في ثلاث صفقات تطبيع بين إسرائيل والدول العربية، مما أدى إلى تحطيم موقف الدول العربية التي امتنعت عن الاعتراف بإسرائيل حتى تقدم تنازلات للفلسطينيين.
واتخذ الرئيس الأميركي المنتهية ولايته، في سياسة مغايرة عن أسلافه الجمهوريين والديمقراطيين، موقفا أكثر ليونة تجاه المستوطنات. وقد أعلنت إدارته المحاطة بمستشارين على صلة بحركة المستوطنين، أنها لا تعتبر المستوطنات غير قانونية بموجب القانون الدولي.
ولعل أكبر خطوة تدل على ذلك حينما كشف ترامب في يناير الماضي عن خطة السلام للشرق الأوسط بجمع أجزاء من الضفة الغربية، بما في ذلك جميع المستوطنات، تحت السيطرة الإسرائيلية الدائمة.
وبدت إسرائيل مستعدة للبدء في ضم أراضي الضفة الغربية بموجب خطة ترامب، لكن إقامة علاقات مع الإمارات العربية المتحدة ثنتها عن ذلك.
ومع ذلك، كثفت إسرائيل خططها لبناء الآلاف من المنازل الجديدة في جميع أنحاء الضفة الغربية. وتتوقع الجماعات المناهضة للاستيطان موافقات إضافية على الاستيطان في الضفة الغربية والقدس الشرقية قبل نهاية ولاية ترامب.
أوراق المناورة
يرى شق من المراقبين أن بايدن، الذي يجاهر بحبه لإسرائيل منذ أربعة عقود، يمكن أن يخفف التوتر، الذي نشأ في عهد أوباما وأنه يمتلك مقومات ذلك لاسيما وأنه يتمتع بحظوة لدى صناع السياسة في إسرائيل، ولكن المحدد الأساسي للعلاقة الجديدة يعتمد على كيفية استيعاب ما خلفه ترامب وراءه.
وبينما ادعى بايدن أنه يدعم إسرائيل، تعتقد الكاتبة الصحافية في وكالة أسوشيتد برس تيا غولدنبيرغ أن الرئيس الأميركي المنتخب سيلغي العديد من قرارات ترامب على الأرجح، فقد كان ضد الضم أحادي الجانب ويؤيد حل الدولتين بين إسرائيل والفلسطينيين.
ورغم أن بايدن قال إنه لن يعيد السفارة إلى تل أبيب، من المتوقع أن يعيد فتح القنصلية الأميركية في القدس التي أدارت العلاقات مع الفلسطينيين واستعادة مئات الملايين من الدولارات من المساعدات للفلسطينيين التي قطعها ترامب.
وكانت المسؤولة الفلسطينية حنان عشراوي قد دعت الإدارة الأميركية المقبلة إلى عدم العودة إلى “أخطاء الماضي”. وقالت إن “الإدانات الأميركية التقليدية للتوسع الاستيطاني لن تكون كافية ويجب أن تكون هناك مساءلة وعواقب إذا استمرت إسرائيل في سياساتها الاستيطانية، وإلا فما فائدة تصريحات التنديد إذا استمرت إسرائيل في التوسع والاستيطان؟”.
ويسعى الفلسطينيون، بدعم دولي واسع، إلى أن تكون الضفة الغربية والقدس الشرقية، التي احتلتها إسرائيل في العام 1967، أجزاء من دولتهم المستقلة في المستقبل. ومع وجود ما يصل إلى نصف مليون مستوطن يعيشون الآن في الضفة الغربية وأكثر من 220 ألف مستوطن في القدس الشرقية، يقول الفلسطينيون إن فرص إقامة دولتهم تتراجع بسرعة.
واعتبرت الإدارات الأميركية السابقة المستوطنات غير شرعية وعقبة أمام السلام كما اتخذ أوباما حينها موقفا أكثر صرامة واشتبك مع نتنياهو بشأن البناء الجديد. وقبل أسابيع من مغادرته منصبه، سمح أوباما لمجلس الأمن الدولي بإصدار قرار يعلن أن المستوطنات غير شرعية.
وجاء التوتر في تلك العلاقات على حساب بايدن مع حادثة رمات شلومو في 2010، فبينما كان يعقد اجتماعات ودية مع المسؤولين الإسرائيليين، وافقت وزارة الداخلية الإسرائيلية على بناء 1600 شقة جديدة في الحي. وقال نتنياهو في ذلك الوقت إنه “صُدم بإعلان من المستوى المنخفض”، وقد حاول احتواء الضرر في مأدبة عشاء في وقت متأخر من الليل مع بايدن. ومع ذلك، أصدر بايدن بيانا شديد اللهجة، قال فيه إن “الموافقات قوضت الثقة”.
حينها، كانت رمات شلومو تشمل حوالي ألفي شقة، وفق “عير عميم”، وهي مجموعة تتعقب بناء المستوطنات في القدس، والتي حددت أكثر من 700 شقة إضافية في طور الإعداد. واليوم، تشهد المنطقة، التي تعتبرها إسرائيل حيا من ضواحي عاصمتها، طفرة في البناء مع تشييد 600 منزل، وفقا لمنظمة “السلام الآن”، وهي مجموعة أخرى معارضة للاستيطان.
وقال المتحدث باسم “السلام الآن”، برايان ريفز، إن “المجموعة تتوقع من بايدن أن يغير لهجته بشأن المستوطنات دون أن يمارس ضغوطا تجبر إسرائيل على التوقف”، متوقعا أن “تستأنف الولايات المتحدة إداناتها للمستوطنات لكنها لن تتخذ أي إجراء صارم ضدها”.
ويطمح زعماء المستوطنين، الذين خاب أملهم لفقدان صديقهم ترامب، أن يكون بايدن مختلفا عن أوباما وألا يضغط لوضع قيود على البناء. وقال عوديد ريفيفي، الذي يشغل منصب رئيس بلدية مستوطنة أفرات قرب القدس “آمل ألا يعودوا إلى النهج القديم الذي قادنا إلى طريق مسدود”.
وفي الوقت الحالي، لا يتوقع زعماء المستوطنين أن تتخذ إسرائيل الكثير من التحركات الجريئة في المستوطنات إذا كانت تريد كسب ود إدارة من يُحتمل أن تعيد التفاوض بشأن الاتفاق النووي الإيراني.
ويقول الخبير السياسي في العلاقات الأميركية الإسرائيلية إيتان جلبوع إن إيران تبقى قضية ملحة بالنسبة لإسرائيل وليس المستوطنات ولا عملية السلام ولا الفلسطينيين حيث سيتوقف أي شيء يمكن أن يعرقل التعاون مع الولايات المتحدة بشأن إيران.