نتنياهو "المتلوّن" يناور لتجنب مصير أولمرت

مراقبون يرون أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يعتبر الانتخابات مصيرية، إذ يأمل في تشكيل الحكومة على أمل الحيلولة دون توجيه لائحة اتهامات بحقه في ملفات فساد مالي.
الثلاثاء 2019/04/09
معركة انتخابية مصيرية تحدّد مستقبل نتنياهو السياسي

القدس - قبل عشرة أعوام أدى بنيامين نتنياهو القسم رئيسا لوزراء إسرائيل للمرة الثانية، ولم يغادر منصبه من حينها. أُعيد انتخابه عامي 2013 و2015، ويخوض الثلاثاء معركة انتخابية مصيرية، على المستويين السياسي والشخصي.

يتمسك نتنياهو، وهو في رئاسة الوزراء حاليا، بمواقف حارب هو نفسه سلفه إيهود أولمرت بسبب تمسكه بها، وفي النهاية قادت إلى استقالته. ويكشف تعامل نتيناهو مع الملف الفلسطيني منذ أن كان زعيما للمعارضة، مواقفه المتلونة للوصول إلى السلطة حيث استغل الصراع العربي الإسرائيلي بهدف الدعاية الانتخابية.

وبصفته زعيما للمعارضة زار نتنياهو في 12 ديسمبر 2008 مدينة سديروت قرب قطاع غزة، تضامنا مع سكانها، بسبب تعرضهم لصواريخ وقذائف الفصائل الفلسطينية في غزة. آنذاك نقلت عنه صحيفة “مكور ريشون” تصريحات هاجم فيها رئيس الوزراء حينها، إيهود أولمرت، بقوله إن على الحكومة اتخاذ قرار بشن حرب على غزة.

وأمام قيادات من حزبه “الليكود” (يمين)، قال نتنياهو خلال الزيارة “يجب إسقاط حكم (حركة) حماس، والتحول إلى سياسة الهجوم الفعال، والليكود سيدعم الحكومة إن أصدرت أوامر بشن الهجوم”.

بعد أسبوعين فقط، وتحديدا في 27 من الشهر ذاته، بدأت إسرائيل بالفعل حربها الأولى على غزة، تحت اسم “الرصاص المصبوب”، واستمرت حتى 18 يناير 2008.

وبعد فترة من انتهاء الحرب، تجدد إطلاق الصواريخ من غزة تجاه إسرائيل، فقال نتنياهو في مقطع فيديو إنه سيوجه رسالة يومية إلى الإسرائيليين حتى موعد الانتخابات البرلمانية (فاز بها في فبراير 2009).

ودعا نتنياهو أولمرت إلى “الرد الفوري والقاسي على إطلاق الصواريخ من غزة”. ورأى أن استمرار إطلاقها سيمس بقدرة إسرائيل على الردع، وأنه ممنوع التمسك بسياسات ضبط النفس التي تمارسها حكومة حزب “كاديما”.

هذا الحزب أسسه أرئيل شارون، عام 2005، وقاده أولمرت بعد إصابة شارون بجلطة دماغية، بداية 2006. واعتبر نتنياهو أن ما “صعّد عمليات إطلاق الصواريخ على المستوطنات المحيطة بغزة هو عدم الرد الفوري والقاسي.. هذه المهمة لم تكتمل بعد، وأنا القادر على إكمالها”.

وعلى خلفية نشر نتائج التحقيق في حرب إسرائيل على لبنان، عام 2006، دعا نتنياهو في خطاب بالكنيست أولمرت إلى الاستقالة “إن كان تحمل المسؤولية يعني له شيئا”. وحملت لجنة “فينوغراد” التي أجرت التحقيق، أولمرت ووزير دفاعه عمير بيرتس، مسؤولية عدم تحقيق أهداف الحرب، وتعرض إسرائيل لرشقات صاروخية أطلقتها جماعة “حزب الله” اللبنانية.

وللمرة الثالثة، دعا نتنياهو إلى استقالة أولمرت، لكن هذه المرة بسبب شبهات فساد دارت حول رئيس الوزراء، ولاحقا قضت محكمة بسجن أولمرت سنتين، لإدانته بتلقي رشوة، وأفرج عنه منتصف 2017.

الانتخابات الإسرائيلية..غابت البرامج وحضر نتنياهو
الانتخابات الإسرائيلية..غابت البرامج وحضر نتنياهو

 آنذاك قال نتنياهو في مقابلة مع القناة الثانية (الثانية عشرة حاليا)، إن “رئيس الوزراء غارق حتى أذنيه في التحقيقات، ولا يملك أي تفويض أخلاقي ولا شعبي ليتخذ قرارات مصيرية متعلقة بدولة إسرائيل”. وتابع “توجد مخاوف من أن يتخذ قرارات مصيرية بناء على مصالح شخصية لإنقاذ نفسه، وليس بناء على المصلحة الوطنية”. واعتبر أن “الحل الوحيد هو أن تستقيل حكومة أولمرت، وتضع التفويض بيد الناخبين، فرئيس وزرائها متورط بشكل عميق”.

ومر أكثر من عقد على تلك المواقف التي تبناها نتنياهو بقوة حين كان زعيما للمعارضة، ليجد نفسه اليوم في مواقف مماثلة لتلك التي هاجم بسببها أولمرت كي يستقيل. وبعد امتناعه لمدة عام عن شن حرب شاملة ضد الفصائل الفلسطينية في غزة، يواجه نتنياهو حاليا انتقادات مشابهة تماما لتلك التي وجهها هو إلى سلفه.

تلك الانتقادات دفعت وزير الدفاع في حكومة نتنياهو أفيغدور ليبرمان إلى الاستقالة في نوفمبر الماضي. كما دفعت نفتالي بنيت  وزير التعليم وزعيم حزب “اليمين الجديد” إلى مطالبة المستشار القضائي للحكومة افيخاي مندلبليت بإلزام نتنياهو بعقد المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية والسياسية (الكابنيت)، للتصويت على تهدئة تتوسط فيها مصر بين الفصائل وإسرائيل، على أمل أن يُفشل اتفاق التهدئة عبر التصويت ضده. وذكر بنيت، حسب صحيفة “معاريف” الأحد، أن “سكان الجنوب (مستوطني محيط غزة) لا يمكن أن يبقوا رهائن لحملة نتنياهو الانتخابية”.

للمفارقة، فإن أولمرت، الذي جعله نتنياهو قبل أكثر من عشر سنوات هدفا للقضاء عليه سياسيا، انتهز فرصة الوضع الذي يواجهه نتنياهو حاليا، وشن هجوما عليه.

 وقال أولمرت في مقابلة مع القناة 12 في يناير الماضي، إنه قرر الاستقالة (عام 2008)، قبل جلسة استماع في تهم نسبت إليه، “من أجل مصلحة الدولة”. وأضاف أن وقائع الفساد التي تم التحقيق معه بشأنها حدثت قبل أن يكون رئيسا للوزراء، لكن نتنياهو يستغل منصبه للحصول على الرشاوى، ولتفضيل المليارديرات من مقربيه في المعاملة، وللحصول على مجوهرات لزوجته.

وشدد أولمرت على أن نتنياهو أسوأ منه، وعليه أن يستقيل. ويقول مراقبون إن نتنياهو يعتبر انتخابات الثلاثاء مصيرية، إذ يأمل في تشكيل الحكومة على أمل الحيلولة دون توجيه لائحة اتهامات بحقه في ملفات فساد مالي.

وفي مقارنة بين نتنياهو وسلفه إيهود أولمرت يشير المختص في الشأن الإسرائيلي، أنس أبوعرقوب إلى أن “نتنياهو تميز عن أولمرت بأنه تمكن وهو في المعارضة من تشكيل رأي عام ضاغط على أولمرت للتنحي حتى من قبل وزراء في حكومته”. واستدرك “أما حاليا فيعجز منافسو نتنياهو من الوسط-يسار، وحتى من حلفائه اليمينيين في ائتلافه الحكومي مثل بنيت وليبرمان، عن إيجاد حالة ضغط مشابهة”.

وبشأن موقف بنيت وبن جفير وليبرمان، يلفت أبوعرقوب إلى أن “نتنياهو يجيد اللعب على جبهات متعددة، فتجده يتواصل مع الآباء الروحيين لبنيت وبن جفير، للضغط عليهم، للتخفيف من هجومهم عليه”.

 وبدوره يرى المختص بالشأن الإسرائيلي عصمت منصور أن “نتنياهو كزعيم للمعارضة سابقا، وكمرشح لرئاسة الوزراء أيضا، اقترح تحديد مدة تولي منصب رئاسة الوزراء لولايتين فقط”. وأردف بقوله “لكنه الآن يقترب من الولاية الخامسة إذا فاز في انتخابات الثلاثاء، أربع ولايات منها ستكون متتالية، فهو محنك وذكي، لكنه كاذب أيضا”.

6