نتائج عرضية لحرب غزة: تفكك الصهيونية واستئناف الربيع العربي

أحيت الحرب الإسرائيلية على غزة نبوءة انهيار الدولة العبرية. ويرى محللون أنه إذا تحقق ذلك فستكون له تداعيات كارثية على استقرار المنطقة بأسرها.
القدس - يرى محللون أنه إذا كانت الحرب في غزة بداية نهاية الصهيونية، فقد يشير ذلك إلى عودة الربيع العربي وإعادة تشكيل كاملة للمنطقة.
وكتب الفيلسوف بيرتراند راسل سنة 1970 في رسالته الأخيرة عن إسرائيل وفلسطين أن إسرائيل لا تحكم على عدد كبير من اللاجئين بالبؤس فقط، وليس العديد من العرب تحت الاحتلال خاضعين لحكمها العسكري فحسب، بل إن إسرائيل أيضا تحكم على الدول العربية التي تحررت حديثا من الاستعمار بالفقر المستمر حيث تحظى المطالب العسكرية بالأسبقية على التنمية الوطنية.
وجاء في تقرير نشره موقع عرب دايجست أنه لطالما كان الطغاة المطلقون الحل الغربي المفضل لـ”إدارة العرب” لأن التجربة تبرز إمكانية الاعتماد عليهم في تحقيق النتائج المطلوبة. وكلما كان السلطويون أكثر فسادا كان ذلك أفضل، لأن هذا يسهل السيطرة عليهم ويبقيهم أكثر استعدادا للعمل ضد المصلحة الوطنية، وهو شرط أساسي في ما يتعلق بمصلحة إسرائيل، لكن إسرائيل تواجه الآن أزمة وجودية.
وتنتزع الإبادة الجماعية في غزة شرعيتها الدولية وتستنزف التعاطف المتبقي مع الدولة العبرية. ورغم الجهود التي تبذلها إسرائيل للقضاء على المقاومة الفلسطينية، فإن الكفاح يتعزز وينمو.
وتعمل حركة حماس وجماعات المقاومة الأخرى تحت راية الإسلام لتعظيم شرعيتهما ودعمهما، وتوظف الحركةُ القمعَ الإسرائيلي المفرط في حرب العصابات الكلاسيكية، حيث نجحت حماس في إيقاع إسرائيل في فخ عملاق، تماما كما فعل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن مع الولايات المتحدة بعد أحداث 11 سبتمبر.
رغم الجهود التي تبذلها إسرائيل للقضاء على المقاومة الفلسطينية، فإن الكفاح يتعزز وينمو
ومع غياب نهاية واضحة للحرب في الأفق، يتوقع المزيد من المعلقين أن يصبح هذا بداية نهاية الصهيونية.
وكشفت الحرب عن نقاط ضعف إسرائيل والاحتلال، وعن كونهما يعتمدان على عاملين خارج سيطرة إسرائيل من أجل البقاء: الدعم الغربي والانخراط العربي. ولا يمكن أن يستمر هذان العاملان إلى الأبد.
وإذا استمر الإسرائيليون في حرب الإبادة الجماعية، فستتغير الظروف وستنطلق عملية قد تؤدي في النهاية إلى انهيار إسرائيل. ويمكن أن يكون المسار سريعا أو بطيئا، ولكن حدوثه سيكون مسارا بلا عودة.
وإذا انهارت إسرائيل، إما من خلال الصراع الداخلي أو تحت ضربات المقاومة الفلسطينية والاشمئزاز العالمي، فستحدث كارثة لليهود بأبعاد لا يمكن فهمها، بالإضافة إلى تغييرات شاملة في كامل النظام الإقليمي لأن جل العالم العربي منظم حول وجود الدولة العبرية.
ودون وجود إسرائيل التي تتطلب الحماية، سوف تصبح الحاجة أقل إلى دكتاتوريين عرب. ورغم أن الدول الغربية سوف تسعى إلى الحفاظ على مصالحها في مناطق أخرى، إلا أنها ستستطيع أن تتخلى عن الدول العربية في النهاية، ما يسمح بتطور حياة سياسية أكثر طبيعية في البلدان العربية ذات المستويات الطبيعية من الحرية.
وهذا ما قد يخلّف تأثيرا تصالحيا عميقا على العلاقة الطويلة والمشحونة بين العرب والغرب. وسيمكن من إجراء انتخابات ديمقراطية وستفقد كل الجماعات والأنظمة المتطرفة التي تأسست على فلسفة مقاومة إسرائيل والغرب سبب وجودها وستختفي وستنتهي ظاهرة الجهاد في أوروبا.
مصر في عهد السيسي تعدّ من مكونات المشهد السياسي العربي المعاصر الأساسية، وتلعب دورا رئيسيا في حماية إسرائيل وقمع الديمقراطية العربية
وتبقى إسرائيل والأنظمة العربية الحالية والجماعات الجهادية العنيفة العقبات أمام هذه الصورة الوردية للتحرر العربي والوئام الأوروبي – العربي. وليست الأنظمة العربية مستقرة، مثلها مثل إسرائيل.
وتعدّ مصر في عهد الرئيس عبدالفتاح السيسي من مكونات المشهد السياسي العربي المعاصر الأساسية، وتلعب دورا رئيسيا في حماية إسرائيل وقمع الديمقراطية العربية.
وفي المقابل يتمتع السيسي بدعم الغرب وأصدقائه في الخليج. وتمكّن القدرات القسرية الهائلة التي يستغلها النظام المصري اليوم من الحفاظ على الوضع الراهن.
ولكن الغرب والخليج لن يتمكنا من حماية نظام السيسي إذا نفد صبر الشعب المصري وقرر أن أهمية الثورة تفوق الخوف من القمع.
وتعدّ المملكة العربية السعودية ركيزة للمشهد السياسي العربي المعاصر. ويستغل السعوديون ثقلهم الدبلوماسي والديني والاقتصادي لدعم المساعي الأميركية في المنطقة والحفاظ على الوضع الراهن.
لكن استقرارها مبني على نظام من الخوف يمكن أن ينهار بسرعة إذا تعثر تحولها الاقتصادي الذي كثر الترويج له (رؤية 2030) على الرغم من كل قدراتها الدينية والمادية.
ويمكن أن يؤدي أي اضطراب داخلي أو دولي، سواء بسبب السياسة الداخلية في الولايات المتحدة أو نتيجة تغييرات كبيرة في إسرائيل/ فلسطين، إلى انهيار النظام.
وهذا ما سيخلق “تأثير الدومينو” القوي على اليمن ومصر والعراق وسوريا والأردن والسلطة الفلسطينية.
ورغم نجاح الثورة المضادة بعد الربيع العربي، إلا أن بعض الجيوب المرنة المنتشرة في جميع أنحاء المنطقة مازالت تنتظر فرصة التعبئة والتحول إلى قوى على مستوى الدولة.
ولقد تعطلت الثورة السورية بتواطؤ العديد من القوى (نظام بشار الأسد وإيران وروسيا وتركيا والولايات المتحدة ومختلف الفصائل السورية المتحالفة معها).
وحدث هذا بسبب تقاطع نادر للمصالح بين هؤلاء اللاعبين الخارجيين. وسيتغير الوضع في سوريا تماما إذا انهار هذا التوازن الهش.
وستتجدد الثورة، وسيتمكن الكثير من المقاتلين الذين مُنعوا سابقا من الانضمام إلى الجماعات غير الحكومية من حمل أسلحتهم، وهو ما سيضاعف كوادرهم وقدراتهم ويمهد الطريق لنهاية نظام الأسد.
اقرأ أيضا:
وبالنظر إلى مختلف الفصائل في سوريا واليمن وليبيا وقوة وكلاء إيران (مثل حزب الله في لبنان)، يمكن أن يفتح الانهيار الإسرائيلي صندوق باندورا مع انزلاق العديد من دول المنطقة إلى صراعات بين الجماعات المسلحة والجهادية العنيفة وإلى حرب أهلية.
ويصعب الإقرار بنشوء شكل من أشكال الديمقراطية العربية من مثل هذا السيناريو. لكن إسهام الولايات المتحدة في دفع دعم الديمقراطيات الغربية غير المشروط لتل أبيب لن يؤدي إلا إلى تسريع الطريق المسدود الذي يسلكه الإسرائيليون. وقد اشتعل الفتيل بالفعل.
وتلوح في الأفق حرب كارثية على العديد من الجبهات. وسينبثق واقع عربي جديد، يأمل أن يشمل الحرية الاقتصادية والسياسية، لكنه قد يولد وسط فوضى وسفك دماء بدرجة غير مسبوقة في المنطقة.