نتائج الانتخابات الجزائرية تبقي القوى المهيمنة مع تراجع المستقلين

بقاء جبهة التحرير الوطني وجبهة المستقبل والتجمع الوطني الديمقراطي وحركة البناء الوطني وحركة مجتمع السلم في واجهة المشهد السياسي الجزائري.
الاثنين 2021/11/29
تجسيد للقطيعة بين السلطة والجزائريين

الجزائر- أفضت النتائج الأولية التي أفرزتها الانتخابات المحلية الجزائرية إلى بقاء نفس القوى السياسية المهيمنة على البرلمان في واجهة البلديات والولايات ولو بشكل متفاوت، مع تسجيل تراجع للمرشحين المستقلين، وهو الأمر الذي يكرس اكتساب السلطة لركائز جديدة، قد تكون حاسمة في أي رغبة لرجل السلطة الأول إذا أراد التجديد لنفسه في انتخابات 2024، وفق ما جرت عليه التقاليد الرئاسية بالجزائر. 

وفرض النمط الانتخابي الذي دخل حيز الخدمة منذ الانتخابات التشريعية الأخيرة تأخرا لافتا في إعلان النتائج الأولية، بسبب الاقتراع المفتوح الذي يفرض إحصاء للوائح المترشحة وللأصوات التي حصل عليها كل فرد منها، غير أن التسريبات الأولية كشفت عن بقاء نفس القوى التي هيمنت على البرلمان، لتكون بذلك مؤسسات منتخبة جديدة دون معارضة سياسية.

ورغم تنديد حركة مجتمع السلم وجبهة القوى الاشتراكية بما أسمتاه “التجاوزات المسجلة في عدد من مكاتب الاقتراع، على غرار العاصمة وقسنطينة وأم البواقي ووادي سوف”، والحادثة الطريفة التي أعلن عنها رئيس سلطة التنظيم محمد شرفي حول قيام رئيس مركز بمحافظة وهران بإخفاء محاضر الفرز، لم تسجل مشاحنات أو مشادات أو خرق لعملية التصويت.

وتعكس نسبة المشاركة الأولية المعلن عنها من طرف رئيس السلطة الوطنية لتنظيم الانتخابات محمد شرفي حاجز العزوف الكبير للاستحقاقات الانتخابية من طرف الجزائريين؛ فرغم أن الانتخابات كانت محلية في البلديات والولايات، أين تدخل العلاقات الاجتماعية والقبلية والمصالح اليومية، إلا أنها لم تتجاوز عتبة الـ35 في المئة.

35 في المئة هي العتبة التي لم تتجاوزها نسب المشاركة في الانتخابات المحلية الجزائرية

ولئن عرفت النسبة تحسنا مقارنة بالاستحقاقات السابقة فإنها تبقى دون المأمول من طرف السلطة والطبقة السياسية التي وجدت نفسها غير مرغوب فيها مرة أخرى من طرف غالبية الشارع الجزائري، وتبقى أزمة الشرعية الشعبية تلاحقها رغم التحديات الداخلية والخارجية المطروحة، والتي تحتاج الى جبهة داخلية متماسكة.

وتأكد بذلك استمرار الرفض الشعبي لمسارات وخيارات السلطة المطروحة منذ عام 2019، وأن القطيعة مستمرة بين الطرفين، وأن الهدوء الذي يخيم على البلاد منذ إجهاض السلطة لاحتجاجات الحراك الشعبي لا يعكس الموقف الشعبي الحقيقي، بعدما قاطع نحو 65 في المئة من الجزائريين الانتخابات الجديدة.

وأبرزت النتائج الأولية المسربة بقاء جبهة التحرير الوطني وجبهة المستقبل والتجمع الوطني الديمقراطي وحركة البناء الوطني وحركة مجتمع السلم في واجهة المشهد السياسي الجزائري، إلى جانب قطاع محدود من المرشحين المستقلين، مما يقدم تطمينات سياسية للسلطة، ويجعلها في مأمن مما يمكن أن تشكله المعارضة الراديكالية من تهديدات لها. 

وإذ سجلت منطقة القبائل عودة محتشمة لمسار الانتخابات حيث سجلت نسبة مشاركة لم تتجاوز الـ20 في المئة، رغم أن عدة بلديات لم يجر فيها اقتراع بسبب عدم ترشح أي لائحة فيها، فإن حضور جبهة القوى الاشتراكية في الاستحقاق لم يغير شيئا من الواقع السياسي في المنطقة، وقد تشكل النتائج التي سيعلن عنها لاحقا نكسة تاريخية لأعرق أحزاب المعارضة في الجزائر، فالنتائج المسربة لغاية أمس غاب عنها الحزب المذكور الذي اكتفى بمقاعد محدودة جدا.

وبينما اعتُبر الحزب الغريم (التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية) المستفيد الأكبر من المعطيات الجديدة، إلى جانب تلاشي منافسه (جبهة القوى الاشتراكية) في منطقة القبائل، جاء قرار مقاطعته متماهيا مع العزوف المسجل في الاستحقاق المذكور، لاسيما في القواعد الخلفية لهما التي ظلا يتنافسان عليها منذ بداية التعددية الحزبية في البلاد. 

وأفاد رئيس سلطة التنظيم محمد شرفي بأن “نسبة المشاركة المقدرة بنحو 35 في المئة تمثل أكثر من 8 ملايين جزائري صوتوا في الاقتراع” -وهو تعداد ثلث الجزائريين المقيدين في لوائح الانتخاب- كما جاءت أقل من نفس الانتخابات التي جرت في 2017 لما كان الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة على رأس السلطة (44 في المئة).

ورفض شرفي المقارنة مع الانتخابات المحلية المذكورة التي اتهمتها المعارضة والصحافة بالتضخيم، وبرر ذلك بأن “نظام الانتخابات مختلف والظروف والجهة المنظمة (وزارة الداخلية) مختلفة، لذلك يجب المقارنة مع الانتخابات التي نظمتها السلطة فقط”.

وأكد متابعون للشأن السياسي الجزائري أن “نسبة المشاركة في الانتخابات جاءت ضعيفة على عكس ما كان متوقعا من طرف الجميع، حيث ظلت كتلة المقاطعة السياسية أو مقاطعة اللامبالاة هي الأعلى، ومع ذلك فإن النسبة المقدمة حقيقية وتعبر فعلا عن الكتلة الناخبة رغم بعض التجاوزات التي لا تؤثر على النسبة العامة، وأن البلاد تجاوزت إشكالية التزوير الواسع”.

ورسبت السلطة الجديدة التي يقودها الرئيس عبدالمجيد تبون خلال ثلاثة استحقاقات متتالية في استعادة ثقة الجزائريين ولو بشكل نسبي، حيث يستمر الرفض من الاستفتاء على الدستور الجديد في نوفمبر 2020 إلى الانتخابات المذكورة، مرورا بالانتخابات التشريعية. وهو ما جعل المؤسسات الجديدة تصنف في خانة الأقلية التي تحكم الأغلبية.

وكان الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة قد تجاوز عقدة انسحاب منافسيه الستة في انتخابات 1999، بدعوى التزوير وانحياز الإدارة ومؤسسات الدولة لصالح مرشح السلطة، بتنظيم استفتاء الوئام المدني لاحتواء الأزمة الدموية بعد أشهر قليلة من انتخابه، واستطاع من خلاله استعادة ثقة الرأي العام والدوائر السياسية المحلية والخارجية، بعد تسجيل نسبة مشاركة قياسية، لكن الرئيس الحالي فشل في كل الأوراق المبرمجة، ولم يبق أمامه إلا تحدي ربح الجبهة الاجتماعية والاقتصادية وهو رهان أصعب بكثير من الاستحقاقات الانتخابية.

4