نبض الحياة يعود إلى الأسواق القديمة في حلب

تستعيد مدينة حلب القديمة وأسواقها التي تعرضت للتخريب إلى عملية ترميم يشترك فيها التجار مع السلطات المعنية في المدينة، وعاد أصحاب المحلات إلى سالف نشاطهم التجاري في أسواق مثل الزهراوي النحاسين والخابية والمحمص والشام، كما تتواصل أشغال الترميم في أسواق أخرى مثل العطارين والزرب.
حلب (سوريا) ـ بدأت الحياة تعود بشكل متسارع إلى المدينة القديمة في حلب بمحلاتها التجارية وأحيائها العتيقة ضمن خطة لإعادة أحياء الأسواق القديمة وإنعاشها من جديد.
وبعد إعادة افتتاح أسواق جادة الخندق وباب النصر وسوق الجمرك وسوق وخان خاير بيك السنة الماضية، افتتحت هذه السنة أسواق أخرى بعد إعادة تأهيلها وترميمها منها النحاسين والخابية والمحمص والشام.
وتشتهر عاصمة سوريا الاقتصادية بأسواقها الأثرية القديمة التي استقطبت آلاف التجار والسياح قبل الحرب، وتشكل هذه الأسواق بتداخلها والتقائها ببعضها البعض مركزا تجاريا مهما ليس فقط للتجار وسكان المدينة فحسب بل أيضا للقادمين من خارجها نظرا إلى تميزها واعتدال أسعارها.
وتعمل السلطات في المدينة مع التجار على إعادة ترميم هذه الأسواق وتأهيل البنى التحتية حيث استعادت نبضها وعافيتها وعادت تضج بالحياة.
ونفض سوق الزهراوي غبار الحرب وفتح أبوابه مجددا خلال الشهر الجاري، ويستعد سوق السقطية هو الآخر للعودة إلى سالف نشاطه من جديد مع قرب الانتهاء من أعمال إعادة ترميمه وإصلاح الأضرار التي لحقت بمحلاته، ليشكل الشريان الحيوي وصلة الوصل بين أسواق المدينة القديمة الممتدة من باب أنطاكية في الجهة الغربية للمدينة القديمة حتى سوق الزرب مقابل قلعة حلب شرقا، ويمارس دوره الاجتماعي والاقتصادي حيث يلتقي فيه أهالي المدينة لاقتناء حاجياتهم من صنوف المكسرات واللحوم كما كان قبل الحرب.
وأوضح المهندس حسام حلبي من مديرية حلب القديمة أن عمليات ترميم سوق السقطية بدأت منذ حوالي ثمانية أشهر، ووصلت إلى مراحلها الأخيرة، لافتا إلى أنه تم تأهيل كل البنى التحتية في السوق ومحوره الأساسي والجدران الأثرية والقباب والأسطح وتمت إزالة المخلفات.
وأضاف لوكالة الأنباء السورية (سانا)، إن عمليات الترميم تتم بخبرات سورية، معتبرا أن هذا السوق التاريخي يشكل ياقوتة المدينة القديمة فهو يتوسط الأسواق المجاورة وصلة الوصل بينها.
وبينت المهندسة لولوة خربوطلي من جهاز الإشراف بمؤسسة الآغاخان، أن أعمال الترميم تمت بالتعاون بين المؤسسة ومديريتي حلب القديمة والآثار والمتاحف، وتجاوزت نسبتها 85 بالمئة، حيث تم تأهيل الإنارة وتزويد السوق بالطاقة الشمسية وترميم محلين تجاريين كنموذج، تشجيعا لأصحاب المحلات على العودة إليها وترميمها.
من جانبه أوضح مجد الدين دباغ رئيس غرفة تجارة حلب أن الغرفة تواصلت مع أصحاب المحلات لترميمها وإطلاق عجلة الحركة الاقتصادية في السوق.
نفض سوق الزهراوي غبار الحرب وفتح أبوابه مجددا بفضل الجهود المشتركة بين مجلس مدينة حلب وأصحاب المحلات التجارية الذين بذلوا جهودا مميزة لإعادة الحياة إلى هذا السوق من خلال العمل أولا على إزالة الأنقاض وترحيلها والبدء بأعمال الترميم وانتهاء بافتتاحه.
وقال يوسف حردان أحد تجار السوق، إن أصحاب المحلات عملوا خلال ثلاث سنوات على إزالة وترحيل الأنقاض من السوق بمساعدة المعنيين بالمحافظة ومجلس المدينة حتى أصبح على ما هو عليه الآن، داعيا بقية أصحاب المحلات وتجار السوق إلى العودة لمحلاتهم واستكمال ترميمها والإسهام بتنشيط الحركة التجارية فيه.
السوق الذي يضم 800 محل تجاري ويشغل المئات من الأشخاص عاد من جديد شريانا تجاريا يغذي الحياة الاقتصادية في قلب المدينة القديمة.
ويشكل سوق الزهراوي أحد أهم الأسواق في المدينة القديمة حيث عمل مجلس المدينة على إزالة وترحيل الأنقاض من المحور الرئيسي للسوق والشوارع والأزقة المتفرعة عنه، وتم تزويد السوق بالكهرباء وصيانة شبكات الصرف الصحي والمياه وساعد مجلس المدينة على الإسراع في إنجاز طلبات الترخيص لأصحاب المحلات لإعادة ترميمها وتأهيلها وفق الشروط الفنية والمعايير المطلوبة للترميم من قبل مديرية الآثار.
وأوضح مصباح موصلي أنه توارث العمل في محله من الأجداد، ورغم الدمار الذي لحق بالسوق فإن الإصرار والتصميم على العودة من جديد إليه دفعاه مع مجموعة من التجار إلى العمل بجد على إعادة ترميم وتأهيل ما تم تدميره إسهاما في عودة النشاط الاقتصادي للسوق.
ونوه علي عجاج بتواتر افتتاح المحلات في السوق وعودة الحياة إليها، لافتا إلى أن عملية البيع تتم بسعر الجملة لتشجيع المواطنين على المجيء إلى السوق، وداعيا كل من ترك محله للعودة إلى السوق والمساهمة في عودة الحياة إليه.
التجار ينسون
عملية ترميم المحلات في مختلف أسواق المدينة القديمة تتسارع، وقد تمت إعادة الحياة في أواخر شهر يونيو لأربعة أسواق تجارية أثرية، هي النحاسين والخابية والمحمص والشام.
وأعرب أحمد نحة عن سعادته بالعودة إلى محله بعد غياب دام 7 سنوات، في حين بيّن محمود سلمى أنه عاد وجيرانه من أصحاب المحلات، وكلهم أمل في أن تعود هذه الأسواق القديمة إلى سابق عهدها، داعيا كل المغتربين للعودة إلى ممارسة نشاطهم التجاري في مدينة حلب.
وفي سوق الشام بيّن زياد عمر -صاحب محل تجاري لبيع الأقمشة- أن ترميم السوق يعد دعما للاقتصاد، وهذا ما أكده التاجر أحمد لحفي، مشيرا إلى أهمية العودة إلى ما بناه الأجداد وأسسوه. وتعمل غرفة تجارة حلب مع الجهات المعنية على دراسة ترميم سوقي العطارين والزرب ضمن سلسلة أعمال الترميم لحلب القديمة.
وفي السنة الماضية تمت إعادة افتتاح أسواق عديدة منها جادة الخندق وباب النصر وسوق الجمرك وخان خاير بيك.
وأكد علاء بوادقجي -أحد تجار الأقمشة في سوق الخان- أن مدينة حلب كانت ولا تزال مركزا لتجارة وصناعة الأقمشة وخان خاير بيك أحد أبرز هذه المراكز حيث تتم صناعة وتسويق أفضل الأقمشة، مضيفا أن “إعادة افتتاح الخان تبشر باستعادة مكانته بين المراكز التجارية وسيكون انطلاقة نحو المزيد”.
محمود ميمة من تجار سوق الخان أيضا، تحدث عما تمثله هذه الأحجار الأثرية في السوق من قيمة حضارية ورمزية لأهالي حلب داعيا كل المغتربين إلى العودة والاستثمار في وطنهم.
ويضم السوق الخاص بالأقمشة 70 محلا و40 غرفة علوية للخان، وأعيد تأهيله وترميمه بهمة وعزيمة شيوخ الكار في حلب حسب المحددات الأثرية والتاريخية للسوق وذلك بعد تعرضه للتخريب من قبل التنظيمات الإرهابية بنسبة 25 بالمئة من السوق.
وانتهت السنة الماضية ترميمات سوق باب النصر ورجع التجار فيه إلى سالف نشاطهم، مؤكدين إصرارهم على استعادة الرونق التجاري المميز، موضحين أنهم عادوا إلى محلاتهم مباشرة بعد سيطرة قوات الجيش السوري على المدينة وشرعوا في إصلاح ما تم تخريبه.
وأشار التاجر أحمد ربيع طرقجي إلى أنه عاد إلى محله، وقام بتأهيله وصيانته وإعادة افتتاحه من جديد، وهو مخصص للتجارة العامة والخردوات، لافتا إلى أن الحياة الطبيعية عادت إلى المنطقة كما كانت عليه من قبل، وعاد الأهالي إلى التسوق وشراء حاجياتهم من السوق.
من جانبه قال زاهر ناصر صاحب محل للعُدَدِ الصناعية في جادة الخندق بسوق باب النصر إنه رجع إلى محله منذ مفتتح سنة 2017، وفي البداية كانت هناك صعوبة في العمل، لكن رويدا رويدا عادت الحياة الطبيعية إلى المنطقة، وأصبح التجار يضعون بضاعتهم بكميات كبيرة داخل محلاتهم، وأصبح السوق موصولا بشبكات الكهرباء والماء وكل ما يحتاج إليه التاجر لممارسة عمله اليومي.
غسان البيبي عاد إلى محله هو أيضا، وقام بعمليات التأهيل والصيانة المطلوبة، واليوم أصبحت حركة البيع أفضل حسب وصفه، وتتحسن شيئا فشيئا، معربا عن أمله في أن تتقدم المنطقة إلى الأفضل في ما يخص الخدمات.
ويقول يوسف الأصم صاحب محل للدهانات “عدنا إلى محلاتنا في جادة الخندق بسوق باب النصر ونقوم حاليا بشحن وتنزيل البضاعة بشكل آمن ونوزعها على باقي المحافظات ومنها دمشق وطرطوس وحمص. والإقبال على الشراء جيّد بعد عودة الكثافة السكانية إلى المنطقة” .
وأكد التاجر أيمن الأصم أن ما تحقق لسوق باب النصر خلال فترة ترميمه شكل إنجازا كبيرا لأصحاب المحلات التجارية وشجعهم على العودة بقوة إلى العمل وخاصة بعد مسارعة الجهات المعنية إلى إزالة الأنقاض وفتح الشوارع وتأهيل المنطقة.
ومع عودة المزيد من المحلات التجارية في سوق باب النصر إلى العمل، وفتح أسواق جديدة تسهم في إعادة دوران العجلة الاقتصادية للمنطقة يأمل التجار أن ينعكس ذلك إيجابا وخيرا على أهالي المدينة.
بدوره أشار أحمد قمري تاجر الدهانات في سوق باب النصر إلى أن المدينة القديمة هي قلب حلب النابض ورئتها التي تتنفس منها والعديد من الأسواق بدأت بالتعافي، داعيا كل أصحاب المحلات التجارية إلى ترميم وفتح محلاتهم.
الحركة نشيطة
لا يفوّت تجار حلب فرص العودة إلى محلاتهم التجارية مورد رزقهم، ولم تقتصر الترميمات على المدينة القديمة، لأن أسواق حلب بتداخلها والتقائها ببعضها البعض تشكل مركزا تجاريا مهما لأهل المدينة وللقادمين إليها، فأسواق أنطاكية والجلوم والشعار من أهم الأسواق الشعبية في حلب تعرضت للدمار لكنها عادت ونهضت من جديد بهمة أهل المدينة والتجار.
ولدى دخول سوق الشعار يتفاجأ الزائر بمستوى النشاط والحركة بعد أن شرع أصحاب المحال في ترميم متاجرهم والعودة إليها.
وقال نصر طالب ثانوية “سوق الشعار يعد من أهم الأسواق الشعبية، يجد فيه المواطن جميع احتياجاته من ألبسة وأحذية ومواد غذائية وبأسعار رخيصة”، خاصة بعد أن عادت إليه الحركة.
المواطن عبدالقادر القصير أشار بدوره إلى أن السوق كان في غاية الروعة، لكن تم تخريب كل شيء، والآن بدأ يستعيد نشاطه، فيما قال التاجر يحيى بطيخ إنه “عاد إلى العمل في السوق منذ نحو عامين وحاليا الحركة تتجه نحو الأفضل”. وأكد زكي مستت صاحب محل، أن السوق توقف بشكل كامل أثناء الحرب، لكنْ بدأ الناس الآن يعودون إلى منازلهم والتجار إلى محالهم.
ولفت طاهر الحمدو صاحب بسطةإلى أن الوضع بات أفضل بكثير بعد عودة الأمن والأمان.
أما سوقا باب أنطاكية والجلوم فيحملان عراقة وتاريخ حلب نظرا إلى قدمهما والطابع المعماري الجميل وهما يتقاطعان في أكثر من نقطة وزائرهما يمكن أن يقضي ساعات وهو يتسوق دون أن يشعر بالملل.
ويختص السوقان بتجارة وصناعة الألبسة بمختلف أنواعها، وبعد توقف دام أعواما عاد أصحاب المحال إلى ترميم محلاتهم وإعادة الحياة إلى السوق بشكل تدريجي.
مصطفى قصاب -صاحب محل في باب أنطاكية- قال إنه يتواجد في السوق منذ أكثر من سبعين عاما وأجبر على الخروج منه أثناء الحرب، لكنه عاد بعد تحرير مدينة حلب، مؤكدا أن الحركة بدأت تعود إلى السوق تدريجيّا.
محمد حبابة حداد عربي في السوق ذاته أشار إلى أن الوضع في السوق يتجه نحو الأفضل، وبدأ يستعيد نشاطه.
ولفت إلى أنه “عاد منذ نحو عامين ونصف العام، لكنه يتواجد في السوق منذ 40 عاما”، في حين بين محمود موصلي أنه فتح محله منذ سنة وشهرين بعد إعادة ترميمه والحركة مقبولة نسبيا وهي في تحسن مستمر.
وقال خضر علي الصالح -تاجر في سوق الجلوم- إنه “من أوائل التجار الذين فتحوا متاجرهم في الجلوم” مبينا أنه عاد أثناء تنظيف قوات الجيش المنطقة من المتفجرات، ورغم الصعوبات والمشاكل التي واجهته أصر على العودة للعمل بقوة وإصرار أكبر وشجع التجار الآخرين على العودة.
الصالح نوه بدور البلدية التي قامت بتنظيف الشوارع وإزالة الأنقاض وتوفير مختلف الخدمات، لافتا إلى أن زبائن الجلوم كانوا يأتون من الحسكة والقامشلي والريف الحلبي والأردن ومصر والعراق وليبيا وغيرها كون التجار فيه هم الذين يصنعون القطع وأسعارهم أسعار جملة وأرخص من أي سوق آخر.