نبتة "الكينوا" تفتك مكانة الحبوب في تونس

النبتة تحتوي على فوائد لمرضى السكري أو ارتفاع ضغط الدم، وكذلك المرضى الذين يعانون من الحساسية تجاه عدد كبير من المواد الغذائية.
الثلاثاء 2023/08/08
غذاء ودواء

تونس - حتى العقد الأول من القرن الحالي لم يكن أحد من المزارعين في تونس يفكر بجلب نبتة من أميركا الجنوبية لتحل محل الحبوب في الضيعات، في بلد عرف بلقب “مطمورة روما” منذ العصور الوسطى بسبب تربته الغنية وحصاده الوفير من الحبوب.

لكن مع تفاقم آثار التغير المناخي والجفاف وندرة المياه جاءت نبتة “الكينوا” لتمثل حلا واعدا في تونس وباقي منطقة شمال أفريقيا، من أجل تعويض النقص في محاصيل الحبوب والغذاء.

ينظر إلى “الكينوا” كنبتة مقدسة من قبل شعوب أميركا اللاتينية وتجري زراعتها في تلك القارة منذ نحو سبعة آلاف عام في المناطق المحيطة ببحيرة تيتيكاكا المحاذية لبيرو وبوليفيا، وهي مكون غذائي راسخ في الثقافة المحلية للقبائل القديمة.

ونجحت النبتة في مقاومة الاجتياح الثقافي الإسباني في حقبة الاستعمار للمنطقة اللاتينية وظلت صامدة إلى اليوم كإحدى أقدم النباتات المغذية للإنسان.

وتشبه “الكينوا” الحبوب لكنها لا تنتمي إلى فصيلة الحبوب وهي أقرب إلى الخضار، وأوراقها شبيهة بالسبانخ والسلق.

نبتة الكينوا مقاومة للملح والجفاف وفقر التربة ودرجات الحرارة العالية ولديها إنتاجية عالية مقارنة بالزراعات الأخرى

وتجري زراعتها خلال آخر شهرين من السنة، فيما يكون موسم الحصاد في شهري مايو ويونيو. وينظر إليها على نطاق واسع في تونس ودول المغرب العربي كنبتة المستقبل.

وقال عرفات المانع، المهندس التونسي المتخصص في نبتة “الكينوا” والمشرف على الضيعات المملوكة للدولة والمنتجة للنبتة بالعاصمة، إنها “نبتة مقاومة للملح وفقر التربة ودرجات الحرارة العالية ولديها إنتاجية عالية مقارنة بالزراعات الأخرى، وهي غير مكلفة ويمكن زراعتها من دون أسمدة إضافية أو أنواع المبيدات”.

وتعد تونس من بين أكثر الدول تضررا في حوض المتوسط من آثار الاحتباس الحراري. كما تصنف من قبل منظمة الزراعة والأغذية كدولة عالية المخاطر من حيث ندرة المياه في المستقبل.

وبسبب الجفاف وطول فترات انحباس الأمطار تراجع إنتاج البلاد من الحبوب في 2023 بنحو 60 في المئة، ليبلغ 2.5 مليون قنطار بعد أن كان في حدود 7.5 مليون قنطار في الموسم السابق.

وتحتاج تونس إلى ما لا يقل عن 3.4 مليون طن للاستهلاك الوطني. وهي في العادة تستورد أكثر من 60 في المئة من حاجياتها من الحبوب.

ومن شأن هذا العجز أن يفاقم الضغوط على المالية العامة للدولة، لذا فإن حاجة البلاد إلى حل بديل على المدى الطويل أمر لا مفر منه.

النبتة نجحت في مقاومة الاجتياح الثقافي الإسباني في حقبة الاستعمار للمنطقة اللاتينية وظلت صامدة إلى اليوم كإحدى أقدم النباتات المغذية للإنسان

ويقول الخبير الزراعي عرفات المانع “هي عنصر مساعد في المجال الفلاحي للرفع من الإنتاجية االفلاحية وتحقيق الأمن الغذائي، لأننا نعيش في تونس تطورات مناخية صعبة. هناك الجفاف وانحباس الأمطار وارتفاع المعدلات السنوية للحرارة مثل ما نعيشه اليوم”.

ويتابع المانع “عندما نقول نبتة مقدسة فهذا يعني أن لها فوائد كثيرة أهمها الفائدة الغذائية. لدينا في تونس زيت الزيتون الذي يحتوي على فوائد كبيرة ويحتل المرتبة الأولى في العالم من حيث القيمة الغذائية، كذلك ‘الكينوا’ في موطنها الأصلي هي عنصر غذائي أساسي للشعوب”.

في المملكة المغربية نجحت زراعة “الكينوا” في إقليم اليوسفية، المعروف بمناخه الجاف والحار، هناك يعمل المجمع الشريف للفوسفات بموقع “الكنتور”، على تطوير وتسويق “الكينوا” كزراعة بديلة.

ووفقا لموقع “هسبرس” المغربي، تحقق زراعة “الكينوا” إنتاجا يتراوح ما بين 35 و45 طنا في الهكتار الواحد في الموسم العادي. وبفضل التجارب العلمية التي قام بها المهندسون للمجمع الشريف للفوسفات، أصبح من الممكن أن يصل الإنتاج إلى 120 طنا في الهكتار الواحد.

لكن في تونس تجري زراعة “الكينوا” في مراحل تجريبية بمساحات صغيرة، تظهر واعدة بالنظر إلى الخصائص الفريدة التي تقدمها النبتة الوافدة.

كانت ولاية سيدي بوزيد وسط غرب البلاد قد بدأت في زراعة “الكينوا” في منقطتين من الولاية في أولى التجارب عام 2017.

قال رئيس اتحاد النقابات الزراعية في سيدي بوزيد محمد حمدوني “التجربة نجحت في المنطقتين. سيدي بوزيد تعاني من نقص في المياه وملوحة التربة، وبالتالي تشكل ‘الكينوا’ بديلا فعليا يمكن الاعتماد عليه”.

بعد عام 2017 اقتفت ولايات أخرى أثر سيدي بوزيد، مثل باجة وبنزرت والقيروان وصفاقس. وتزرع النبتة اليوم في مساحات زراعية مملوكة للدولة على أطراف العاصمة.

Thumbnail

ويقول هشام الحجلاوي، مدير مركز البحوث الفلاحية بسيدي بوزيد، “تملك ‘الكينوا’ قدرة على التكيف مع مختلف المناطق البيئية والمناخية، بفضل خصائصها المقاومة للجفاف وقدرتها على النمو في الأراضي عالية الملوحة”.

تخطط الحكومة التونسية لحل إستراتيجي تحسبا لتغيرات مناخية أشد في المستقبل من أجل تأمين النقص في الحبوب والمحاصيل الزراعية، ولكن أيضا لتعميم الفوائد الصحية لـ”الكينوا”.

واختيرت نبتة “الكينوا” في عام 2013 من قبل منظمة الغذاء العالمية غذاء عاما، إذ تحتوي على البروتين والدهون والألياف والمعادن والفيتامينات.

يقول الأستاذ بالمدرسة العليا للفلاحة أحمد المرواني إنها نبتة غنية بالبروتينات والأملاح المعدنية، ولا تحتوي على الكثير من النشويات بما يجعلها طعاما متكاملا ومفيدا.

يثني الباحثون في الزراعة والتغذية في تونس على الاستخدامات المتعددة للنبتة، حيث تستعمل في صنع الخبز والبسكويت والفطائر والحلويات وعدد آخر من الأكلات. كما تستعمل أوراقها في السلطة، ويمكن أيضا استخدام مادة “الصابونين” المستخلصة منها في الصناعات الصيدلية ومعالجة آثار انخفاض مستويات الكوليسترول الشديد.

ويضيف الباحث أحمد المرواني أن للنبتة أيضا فوائد لمرضى السكري أو ارتفاع ضغط الدم، وكذلك المرضى الذين يعانون من الحساسية تجاه عدد كبير من المواد الغذائية، ويحتاجون إلى حمية مخصوصة على الدوام.

وتشمل فوائدها كذلك الجهاز الهضمي، إذ تساعد على تحسين وظائفه. كما لها فوائد لصحة القلب والوقاية من أمراض السرطان، وتقوية جهاز المناعة، وخفض ضغط الدم، والحد من الأمراض الدموية وتقوية الأسنان.

16