ناشط بيئي يستخدم الخردة لمد "جسور الأمل" في المناطق الفقيرة بتونس

الآلاف في المناطق الريفية يتركون الدراسة بسبب صعوبة التنقل إلى المدارس لتواجدها على مسافة بعيدة من مساكنهم.
الخميس 2025/02/20
صديق المهمشين

تونس - من ولاية إلى أخرى ينتقل الناشط البيئي كريم عرفة مثل الأسطورة روبن هود، من أجل بناء جسور مصنوعة من الخردة لإنقاذ الأطفال الفقراء في القرى النائية من خطر الهلاك في السيول والأودية عند هطول الأمطار.

ففي عام 2019 كانت الطفلة مهى القضقاضي (11 عاما) تشق طريق العودة من المدرسة إلى منزلها في المنطقة الريفية ببلدة فرنانة التابعة لمحافظة جندوبة شمال غرب البلاد، ولكن السيول حالت دون وصولها إلى المنزل ليكون ذلك اليوم الأخير الذي ودعت فيه مدرستها وعائلتها.

بعد وفاة مهى تولى الجيش تشييد جسر وترميم المدرسة التي كانت تدرس بها الطفلة. وأصبحت المدرسة تحمل اسمها تخليدا لذكراها. لكن كريم لم ينس الحادثة المأساوية ولم يكتف بما قامت به المؤسسة العسكرية. بدأ بعد فترة قصيرة في جمع الخردة والتخطيط للمساعدة في تشييد جسور في عدة قرى أخرى يتربص فيها الموت بالأطفال.

على الرغم من النسب العالية للتمدرس في تونس، فإن هناك حوالي 100 ألف طفل يغادرون الدراسة مبكرا، ومن بينهم الآلاف في المناطق الريفية التي ينقطعون فيها عن الدراسة بسبب صعوبة التنقل إلى المدارس لتواجدها على مسافة بعيدة من مساكنهم.

100

ألف طفل يغادرون الدراسة مبكرا ومن بينهم الآلاف في المناطق الريفية التي ينقطعون فيها عن الدراسة بسبب صعوبة التنقل

وفي شهر فبراير 2025 يستعد الناشط البيئي لتدشين الجسر العاشر من بين “جسور الأمل” التي بناها منذ العام 2019. وبقول كريم “سيكون الجسر وسط مدينة عيدن دراهم. سيربط بين نصفي المدينة وسيساعد الأطفال وكل الأهالي في الجهة على التحرك دون خوف من الأمطار والسيول.”

وعين دراهم هي من بين الكثير من المناطق الريفية والجبلية بجهة الشمال الغربي التي تعاني من نقص شديد في بينتها التحتية ومن صعوبة التضاريس الجبلية التي تحول دون تنقل السكان بسلاسة إلى المدارس ومقرات العمل وتعطل سلاسل التزويد بسبب المناخ.

ويضطر الأطفال في هذه الجهات الى قطع عدة كيلومترات يوميا للوصول إلى المدرسة. وتتحول هذه المهمة الشاقة إلى معاناة حقيقية في فصل الشتاء بسبب برودة الطقس وصعوبة المشي في طرق طينية ووسط السيول.

ويقول كريم "هذه مناطق صعبة التضاريس وعندما تهطل الأمطار والثلوج يصبح مصير الكثير من القرى هو العزلة. لا يمكن للأطفال أن يذهبوا إلى المدارس كما لا يستطيع الناس قضاء حاجياتهم أو الذهاب إلى العمل."

ويقول الأهالي في منطقة البطان الريفية بمحافظة منوبة قبل تشييد جسر صغير بطول 17 مترا يعبر الوادي نحو الطريق الرئيسي، إن ارتفاع مستوى الوادي في فصل الشتاء يتسبب في تعطل الدروس وعمليات الدفن لموتاهم وفي توقف أنشطة الرعي. لكن الجسر أنقذ القرية من العزلة وأعاد الحياة إليها مع سهولة الوصول إلى الطريق الرئيسي.

 

ويقول كريم بعد أن شيد 10 جسور “أتلقى يوميا المكالمات في الجهات. يشكرونني باستمرار ويتذكرونني عندما يسوء الطقس. الجسور وفرت لهم الحلول.” ويخطط كريم الآن بتحديد الجهة التالية لبناء جسر جديد. ويضيف "لا يمكنني التوقف. كلهم ينتظرونني في الولايات الداخلية وعلي الاستمرار بما هو متوفر من مواد."

بدأ كريم الذي يدير مؤسسة مقاولات بناء صغيرة، مع اثنين من معاونيه في التطوع لمد الجسور منذ العام 2019 مستخدما بقايا هياكل سكك الحديد القديمة وبقايا الأخشاب والمعادن. ولم يكتف في مشروعه بمد الجسور فقط ولكنه أيضا يعمل على إعادة تدوير الخردة لتحسين ظروف الدراسة للأطفال في المدارس، بصناعة كراسي وطاولات وإعادة تهيئة الأقسام وفضاءات للترفيه والمطالعة.

◙ كريم يبدي إصرارا على التمسك بأحد أحلامه الرئيسية في أنشطته الخيرية
◙ كريم يبدي إصرارا على التمسك بأحد أحلامه الرئيسية في أنشطته الخيرية

وتدعم هذه الجهود مشروع أطلقته الدولة لترميم الآلاف من مدارس في الجهات الفقيرة التي تعاني من تداعي بناياتها. لكن يشعر كريم بالإحباط بسبب التعقيدات الإدارية في الحصول على التراخيص عند الانطلاق في بناء جسر جديد أو عند استخدام الخردة وبقايا التجهيزات المكدسة في المدارس والمستودعات الحكومية.

ومن أجل تبديد هذه العراقيل أرسل الناشط رسالة إلى رئيس الدولة قيس سعيد يطلب فيها تدخله وإصدار قرارات لتيسير أنشطته التطوعية. ويقول كريم “المواد الأولية متوفرة في المدارس لكن الدولة تكتفي بالفرجة. البيروقراطية تمثل العائق الأكبر في جهودنا."

وتتكبد الدولة خسائر بملايين الدولارات بسبب تكدس الخردة في مستودعات المؤسسات العمومية وصعوبة التصرف فيها. وعلى سبيل المثل تناهز ديون شركة صناعة الحديد 20 مليون دينار سنويا (حوالي 6 مليون أورو)، وفق وزارة الصناعة.

وفي العام 2023 انتقد الرئيس قيس سعيد في زيارة له إلى مصنع الفولاذ في مدينة منزل بورقيبة بولاية بنزرت، تكدس ملايين الأطنان من الحديد التابع للشركة التونسية للسكك الحديدية في مستودعات الخردة، دون الاستفادة منها.

ويتابع الناشط البيئي في تعليقه بيأس "نحتاج إلى من يصنعون القرارات لأن الموظفين في الدولة يخشون اتخاذ أي إجراء حتى لو كان صالحا خوفا من الملاحقات أو العقوبات الإدارية." مع ذلك يبدي كريم إصرارا على التمسك بأحد أحلامه الرئيسية في أنشطته الخيرية، وهو إطلاق ورشة كبيرة لإعادة تدوير الخردة.

ويشدد في دعوته “نحتاج إلى أن تلتفت الدولة إلى هذا العمل لإنساني وتساعد بتيسير الحصول على الخردة وإخراجها من المستودعات." ويقول بثقة "التدوير هو السبيل الوحيد الذي سيساعدنا لأن نخلق الحلول."

 

16