نازحون يمنيون، مرة بسبب الحرب ومرة تحت تأثير التغير المناخي

استئناف القتال سيزيد أعداد النازحين بدلا من تسهيل عودتهم إلى ديارهم.
الأربعاء 2024/07/17
السلام كفيل بحلحلة الأزمة الإنسانية

لا تلقى محنة النازحين اليمنيين اعترافا دوليا كبيرا، حيث أجبر أكثر من 4 ملايين شخص على ترك منازلهم ويعيشون في حرمان شديد ويواجهون مستقبلا غامضا في بلد لم يتوصل إلى اتفاق سلام يضع حدا لحوالي عقد من الحرب الأهلية.

صنعاء – أصبح نزوح السكان قضية إنسانية واجتماعية رئيسية في اليمن لم يتناولها السياسيون بشكل جدي. ونزح أكثر من 4 ملايين شخص خلال فترة تقارب العقد واضطرت الأغلبية إلى اتخاذ هذا القرار بسبب الحرب.

وتقول الباحثة هيلين لاكنر في تقرير على عرب دايجست إن السنوات الأخيرة شهدت كذلك النزوح نتيجة للاحترار العالمي والظواهر الجوية المتطرفة، وخاصة الفيضانات المدمرة التي تخلف تأثيرا واضحا فوريا، عكس الجفاف المستمر والتصحر، إضافة إلى ندرة المياه التي تدفع إلى تحركات سكانية أقل دراماتيكية ولكنها لا تقل أهمية، حيث لا تُحسب هذه الفئة ضمن الإحصاءات نظرا لطبيعتها، فهي تظهر تدريجيا لا فجأة.

وانطلق النزوح المسجل خلال القرن الحالي مع الحروب بين الحوثيين ونظام الرئيس اليمني السابق عبدالله صالح. وأدت إلى خروج الآلاف من محافظة صعدة، وانتهى طريق معظمهم في محافظة حجة وفي مخيمات قريبة من البحر الأحمر. ثم توسعت عملية النزوح مع الحرب الحالية، ونزح معظم السكان بين 2015 و2022 مع انطلاق الهدنة بوساطة الأمم المتحدة.

وسُجّل بحلول نهاية 2023 نزوح 2.8 مليون شخص وعودة 1.9 مليون شخص إلى مناطقهم الأصلية. وبينما تقيم الأغلبية (72 في المئة) في القرى والبلدات القائمة، بما في ذلك مع العائلات والأصدقاء، ينتشر حوالي 2300 مخيم وموقع في جميع أنحاء البلاد.

وتنقسم محافظتا مأرب وتعز إلى منطقتين؛ واحدة تسيطر عليها الحكومة المعترف بها دوليا والأخرى يسيطر عليها الحوثيون، حيث يوجد نازحون في كلتا المنطقتين. ونزح بعض هؤلاء داخل المحافظة نفسها وأكثر من مرة. واستقبلت مأرب أغلبية النازحين حاليا (58 في المئة) في 125 موقعا كبيرا وفي مواقع أصغر أيضا.

حخح

ويفسر هذا الزيادةَ الهائلة في عدد السكان في تلك المحافظة، التي قفزت من حوالي 300 ألف قبل الصراع إلى أكثر من مليونين اليوم. وارتفع عدد سكان مدينة مأرب من 40 ألفا في 2014 إلى 680 ألفا في 2024، مع كون النازحين 93 في المئة منهم.

واكتسبت المدينة باعتبارها المدينة الرئيسية في أقصى شمال البلاد تحت سيطرة الحرس الثوري الإيراني، وبفضل الدعم الدولي، بنية تحتية مادية واجتماعية جيدة، بالإضافة إلى مطار دولي واهتمام سياسي كبير من القيادة والمجتمع الدولي.

وكانت تُعرف في الماضي بأمرين: مواقعها القديمة بما في ذلك سد مأرب التاريخي، وكونها أول منتج رئيسي للنفط والغاز في البلاد. وسُجّل النزوح إلى مأرب خلال السنوات الأولى من الحرب، حيث كان السكان يفرون إليها من الغارات الجوية التي شنها التحالف الذي تقوده السعودية على المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون. وجاءوا لذلك من صنعاء وحجة وأماكن أخرى مجاورة.

ولم يعودوا إلى ديارهم بسبب عدة عوامل تشمل الخوف من العيش تحت حكم الحوثيين، ونقص الفرص الاقتصادية في مجتمعاتهم، وتدمير أصول أسرهم. كما توفر مأرب، التي كانت المحور الرئيسي للدعم الإنساني الدولي، وصولا أفضل إلى هذا الدعم.

الحرب هي التي شردت جل النازحين، غير أن الأسباب البيئية أصبحت من أبرز العوامل الدافعة إلى الرحيل

أما تعز فهي ثاني أهم منطقة نزوح (14 في المئة) وتليها عدن والحديدة. وانخفضت أعداد النازحين بعد تراجع القتال إثر هدنة 2022، مع تتبع المنظمة الدولية للهجرة ما يقرب من 60 ألف نسمة 2023 في المنطقة الخاضعة لسيطرة الحرس الثوري الإيراني، وكثير منهم في حضرموت التي كانت وجهة معظم النازحين بسبب الكوارث البيئية.

ولا يفكر بعض أفراد مجتمع المهمشين من بين النازحين منذ فترة طويلة جديا في العودة إلى مناطقهم الأصلية. ومنهم أصحاب البشرة الداكنة الذين يمنعهم العرف من امتلاك الأرض.

وكان العديد منهم يعيشون في ملاجئ واهية غير مستقرة وأماكن إقامة في الخيام قبل الحرب، وكانوا مضطرين إلى النزوح بحثا عن دخل من العمالة العرضية ذات المكانة المتدنية. ويجدون في المخيمات التي تقدم الدعم الإنساني تحسنا مقارنة بوضعهم السابق مع تسهيل الوصول إلى المرافق الطبية والتعليمية. لكنهم يواجهون التمييز داخل المواقع التي يقيمون فيها.

وعاد حوالي مليوني شخص إلى ديارهم، وخاصة في عدن (36 في المئة) وتعز (33 في المئة). ويرجع ذلك إلى إمكانية تحسين الفرص الاقتصادية والتعليم والمرافق الصحية، إضافة إلى وجود المنظمات الإنسانية المشاركة بالفعل مع السكان المهاجرين من القرن الأفريقي.

ولا يمكن افتراض عودة العائدين إلى ظروفهم المعيشية “الطبيعية” قبل النزوح. ومن المرجح أن وظائفهم اختفت، أو تضررت منازلهم وأصولهم الأخرى أو دُمّرت. ويمنعهم افتقارهم إلى التمويل من بلوغ الاستثمارات اللازمة لاستعادة سبل عيشهم. وتُسجل أيضا حالات نزوح متعددة أو تشريد تليها رحلات عودة في دورة تعتمد على حالة الجبهات العسكرية.

ولئن شردت الحرب جل النازحين فإن الأسباب البيئية أصبحت من أبرز العوامل الدافعة إلى الرحيل. وتتزامن فيضانات مدمرة متكررة مع التغير المناخي. ومن الأمثلة الرئيسية الحديثة عدن في 2020 و2021 وصنعاء في 2022 وحضرموت في 2022 و2024.

وخلّفت الفيضانات العديد من الوفيات ودمرت المنازل وسبل العيش وتسببت في تشريد الآلاف من الأشخاص خلال السنوات الأخيرة. كما يبقى أغلب النازحين بسبب الفيضانات غير قادرين على العودة، حيث دُمّرت منازلهم وأراضيهم الزراعية وأشجارهم، ولا يوجد دعم كاف لإعادة الإعمار.

خخ

وبالإضافة إلى ذلك يعيش الكثير من نازحي الحرب في ملاجئ هشة ضمن المناطق الأكثر عرضة للفيضانات، ويصبحون هم أول الضحايا. فخلال الفيضانات التي شهدتها حضرموت سنة 2024 على سبيل المثال أكدت الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين في اليمن أن 1.335 أسرة نازحة تقيم داخل مخيمات في سيئون والمكلا والعبر واجهت أضرارا كاملة أو جزئية في ملاجئها وإمداداتها الغذائية وغيرها.

ويعاني دعم النازحين، مثل المسائل الإنسانية الأخرى، نقصا في التمويل وسوء التسيير، باعتباره مشتركا بين عدة ممولين وخاضعا لإدارة الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية.

ومع بلوغ إجمالي التمويل الإنساني 23 في المئة فقط من الاحتياجات السنوية في النصف الثاني من العام، كان الدعم المحدد للنازحين واللاجئين أسوأ حالا؛ إذ لم يتجاوز 15 في المئة من الاحتياجات.

وإذا أمكن التوصل إلى اتفاق رسمي بين المملكة العربية السعودية والحوثيين، فسيترك ذلك الحرس الثوري الإيراني ضعيفا في التفاوض مع الحوثيين لوضع حد للصراع. وسيؤدي إلى استئناف القتال الذي سيزيد أعداد النازحين بدلا من تسهيل عودتهم إلى ديارهم.

7