ميونخ تعدكم بالفرح على مدى 16 يوما وبالتاريخ على الدوام

مهرجان أكتوبر فيست يرحب بالمزيد من الزائرين حيث يمنحهم فرصة التعرف على العادات والتقاليد البافارية من خلال الأزياء، والموسيقى والأطباق المحلية.
الأحد 2018/09/30
جميلات بافاريا خلال مهرجان أكتوبر فيست

جان بيار حبيب

ميونخ (ألمانيا) – حملني إلى ميونخ، أو كما تعرف بالألمانية باسم "مينشن"، سبتمبر ليرميني من جديد في أحضان هذه المدينة التي كللت أفقها بجبال الألب المهيبة، وسمحت لنهر إيزار بالتسلل إلى وسطها وهو في رحلته نحو الجارة الجميلة النمسا.

تطل ميونخ من بين خضرة الجبال وعذوبة المياه بكامل عظمتها وأناقتها لتعرض أمام زوارها تحفها المعمارية ومبانيها التاريخية التي نُقشت بالحجر لتحولها إلى إحدى أجمل المدن الأوروبية على الإطلاق.

وميونخ هي مدينة الفرح والمهرجانات العالمية التي ينتظرها الجميع بشغف ولهفة، فعندما يلوح الصيف بالرحيل عن تلك البقعة الخضراء من الجنوب الألماني، يتسارع أهل المدينة للتحضير لمهرجان "أكتوبر فيست" الذي يستقطب أكثر من 6 ملايين زائر سنويا.

العرس الوطني

تتحول أنظار العالم إلى ميونخ كل عام بين 22 سبتمبر وإلى غاية 7 أكتوبر، حيث تحتفل المدينة بعرسها الوطني – أكتوبر فيست الذي يستحضر عرس الملك البافاري لودفيغ الأول على الأميرة تيريزا الذي أقيم في 12 أكتوبر عام 1810 وسط حشود محلية غفيرة. ولذلك يعرف الموقع الذي يقام فيه المهرجان بـ”مرج تيريزا” إكراما لأميرتهم الحلوة وتخليدا لذكراها.

ويذكر أن العرس الملكي انتهى باستعراض للخيل، ولذلك كررت المدينة الاستعراض نفسه في العام التالي، وفي ما بعد شهدت ميونخ فترات من الحروب سكت فيها صوت الفرح الذي أطل من جديد بعد سنوات طويلة من الانتظار عبر مهرجان أكتوبر فيست الذي يرحب بجميع زائريه هذا العام في دورته الـ185.

زائر ميونخ يحتار من أين يبدأ مشواره السياحي في رحاب هذه المدينة التي تنثر عبق ماضيها في الأزقة والأحياء

ويفتتح عمدة ميونخ بضربة على برميل خشبي خلال الثانية عشرة ظهرا هذا المهرجان للمباشرة ببيع المشروبات والبدء بالغناء والرقص والموسيقى.

ويهب أكتوبر فيست رواده فرصة التعرف على جزء مهم من العادات والتقاليد البافارية المتوارثة عبر الأجيال من خلال الأزياء، والموسيقى والأطباق المحلية التي تقدم في الخيام المشيدة لتلك المناسبة السعيدة. وتنتظر جميلات بافاريا هذا الحدث السنوي لارتداء الفستان التقليدي المعروف بالـ"درندل"، بينما يتسارع الشباب لارتداء الـ"ليديرهوزن" الذي يشمل سروالا قصيرا من جلد الماعز أو الغزال وجوارب طويلة، وسط أجواء حماسية بامتياز، يمضي الجميع 16 يوما في أجواء مشحونة بلوحات من الفولكلور البافاري المتجذر في حياتهم اليومية منذ زمن بعيد.

اكتشفوا المدينة

يحتار الزائر من أين يبدأ مشواره السياحي في رحاب هذه المدينة التي تنثر عبق ماضيها في الأزقة والأحياء، فأينما جال النظر هناك ما يناديه ويدعوه إلى اكتشاف ما تخبئه زواياها العتيقة من مآثر عمرانية تفنن ببنائها من مر على أرضها، بدءا من ساحة كارلز بلاتز التاريخية وساحتها المزينة بنافورة دائرية للمياه.

ويمكن لزائريها دخول المدينة عبر بوابة مزدانة بالطراز القوطي الحديث والتمتع بمقاهي الأرصفة والمطاعم والمتاجر المترامية على جانبي شارع المشاة ناي هاوزير شتراسيه الذي يلتقي في وسطه بشارع كاوفنغر شتراسيه، وتشكل نهاية الشارع أحد المداخل إلى ساحة مارين بلاتس التي تخطف القلوب بمبانيها التي برع بنحت كل حجر فيها أبرز النحاتين الألمان. يعلو وسطها عمود طويل يربض في أعلاه تمثال ذهبي للسيدة العذراء شُيد عام 1638 للاحتفال بانتهاء الاحتلال السويدي للمدينة.

وعبر طريق متفرعة من هذه الساحة يصل الزائرون إلى أحد أقدم مصانع البيرة في ألمانيا، إنه هوفبراوهاوس الذي يعود الفضل في تأسيسه إلى دوق بافاريا وليام الخامس الذي أنشأ ذلك المصنع عام 1589 لإنتاج البيرة لأسرة فيتلسباخ الملكية. وبمرور الزمن تحوّل المصنع إلى أحد أهم مطاعم المدينة التقليدية، ولا تزال تحتفظ أسرة فيتلسباخ بطاولتها الخاصة فيه.

هكذا تتراقص المياه في ساحة كارلز بلاتس
هكذا تتراقص المياه في ساحة كارلز بلاتس

ولكي يتعرف الزائر على تاريخ بافاريا الملكي عليه بالانضمام إلى قافلة السياح والمقصود هنا قصر نيمفنبورغ، حيث يختال الماضي بكامل عظمته ويقف بهيبة ووقار أمام أعين السياح ليقدم لهم قصرا لا يزال يعيش فيه فرانز دوق بافاريا، آخر المنحدرين من سلالة فيتلسباخ الملكية التي حكمت مملكة بافاريا على مدى 700 عام أي إلى غاية انضمام بافاريا رسميا إلى جمهورية ألمانيا الاتحادية عام 1918.

وتبرز في القصر مظاهر الثراء والترف وخاصة على الجدران والنوافذ والأبواب والأسقف المشغولة بنقوشات ملفتة للنظر، ولسنوات خلت، كان هذا المكان المقر الصيفي لملوك بافاريا.

ولا تتوقف مآثر فيتلسباخ المعمارية هنا، بل تمتد إلى قصر ميونخ ريزيدانس الذي يسرد الكثير من التفاصيل الدقيقة عن حياة تلك الأسرة العريقة التي عشقت مظاهر الثراء والتي سيكتشف الزائر بعضها في باحاته العشرة، وغرفه التي يصل عددها إلى 130 غرفة، وبذلك يكون أكبر قصور أوروبا ويتسم بواجهة مثيرة للإعجاب، فهذا البناء شديد التميز يضم مسرحا ضخما، ومتحفا، وخزينة أموال، وصالة للعملات النقدية التي جُمعت خلال فترة حكم الملك لودفيغ الأول.

ومن قصور ميونخ العريقة ينتقل السائح إلى كاتدرائية السيدة العذراء فراونكيرشه التي يمكن رؤية قبتيها المميزتين من بعيد.

وترقد الكاتدرائية بين ساحتي مارين بلاتس واوديون بلاتس وتشتهر ببرجيها ذوي الشكل البصلي اللذين يقفان بكل شموخ ليداعبا سماء ميونخ الصافية.

وتبقى “الحديقة الإنكليزية” الوجهة المفضلة لمحبي الارتماء في أحضان الطبيعة وخاصة في الأيام المشمسة.

وتحمل الحديقة اسمها الحالي لأنها مصممة على غرار الحدائق الإنكليزية، ففي عام 1789 سمح الأمير كارل تيودور لعامة الناس بالتنزه في أرجائها التي تمتد على مساحة 375 هكتارا من المروج الخضراء، وعندما يهبط الليل ويطل القمر في جوف السماء مشرقا وبهيا، يتسارع محبو الفن والموسيقى إلى دار الأوبرا في ولاية بافاريا لحضور أي من العروض الفنية التي تقدم على مدار السنة.

ويرجع تاريخ تقديم عروض الأوبرا في ميونخ إلى عام 1653 لأن ابنة حاكم بافاريا آنذاك الأميرة هنريات اديلايد اوف سافوي كانت من عشاق الموسيقى وكانت تدعم الشركات الفنية العاملة في ذلك المجال. وتصدح في دار الأوبرا في ميونخ اليوم الأعمال الموسيقية لعباقرة الموسيقى العالميين أمثال موتسارت وفاغنر وهاندل ومونتيفيردي لتقف شاهدة على أن ميونخ طبعت اسمها عاليا كمدينة للفن والثقافة والعطلات الجميلة.

اخترنا لكم

أنشطة متنوعة تغمر الحضور بالفرح
أنشطة متنوعة تغمر الحضور بالفرح

يبرز من بين وفرة الفنادق الفاخرة في العاصمة البافارية اسم بايريشرهوف الذي يعد واحدا من أهم فنادق البلاد ومن أكثرها استقطابا للشخصيات العالمية، ولذلك يستقبل كل عام مؤتمر ميونخ للأمن الذي يشارك فيه حوالي 500 مشارك رفيع المستوى من جميع أنحاء العالم بينهم العشرات من رؤساء الحكومات ووزراء الخارجية والدفاع والمئات من خبراء الشؤون العسكرية والأمنية.

ولضمان مكانة الفندق المرموقة تسعى مالكة الفندق فولكهارت بشكل دائم إلى تحديثه وإضفاء اللمسات العصرية على هذا الصرح العريق المشيد عام 1841، ففي ربيع 2016 استعانت بمهندس الديكور الداخلي البلجيكي أكسل فرفورت وطلبت منه إضافة 29 غرفة جديدة، منها 23 غرفة ديلوكس، و5 أجنحة صغيرة، وجناح آخر يحتل الطابق الثامن بأكمله من الفندق بمساحة 350 مترا مربعا، يحمل اسم بانتهاوس غاردن سويت.وكم يبدو أنيقا هذا الجناح بحديقته الغناء المترامية حوله وبأرجائها المغروسة بشتى أصناف الزهور والنبات والأشجار، هنا ستكون في متناول الضيف غرفة رحبة للاستقبال، وأخرى لتناول الطعام تزينهما مدفأة، وغرفتا نوم مع حمامات، ومطبخ مجهز بأحدث التجهيزات والمعدات الكهربائية، ومنتجع صحي يشمل على غرفة للسونا والبخار، وغرفة للتدليك، وصالة للاستراحة، وناد للتمارين الرياضية، وحوض للمياه الدافئة بجوار المنتجع الصحي تصل درجة حرارة مياهه إلى نحو 42 درجة مئوية وفقا لطلب الضيف.

أنفقت ما يقارب 12 مليون يورو خلال حملة التحديث الأخيرة التي أسدل الستار عليها في نهاية يناير من العام الحالي. وتتراوح تعرفة الإقامة في بايريشرهوف من 495 يورو إلى غاية 20 ألف يورو، وبالإمكان أن تشمل خدمة السائق والساق (باتلر).

وسيلاحظ النزلاء روعة وجمال الأجنحة الحديثة من خلال تلاعب فرفورت بالظل والضوء، فجميع الغرف المنيرة الواقعة في القسم الجنوبي منه تتسم بديكور ملون ومشرق، بينما طغت الألوان القاتمة والداكنة والديكور الهادئ على الغرف الرابضة في القسم الشمالي لكي تتماشى مع النور الخجول الذي لا يصلها كثيرا.

وبذلك توج بايريشرهوف غرفه التاريخية التي يصل عددها إلى 337 غرفة، وأجنحته المترفة التي تصل إلى 74 جناحا، بمجموعة من أحدث وأروع الغرف والأجنحة في ميونخ ليهب نزلاءه فرصة معايشة فصل بارز من فصول الفخامة والرفاهية.

ميونخ في سطور

جمال نُحت في الحجر في ساحة مارين بلاتس
جمال نُحت في الحجر في ساحة مارين بلاتس

  • تشتهر ميونخ عالميا بأنها مدينة ثقافية عالمية الطابع، وتمتلك المئات من المتاحف والمعارض الفنية، والقصور الأثرية والكنائس، والكثير من الكنوز الثقافية والفنية التي تجعل من مدنها مميزة على مستوى العالم.
  • تلقب بعاصمة ألمانيا الخفية ولكنها بالفعل عاصمة ولاية بافاريا وتستقطب الكثير من السياح العرب.
  • يتميز أهلها بلطفهم وبانتمائهم القومي إلى ولاية بافاريا أولا ثم إلى ألمانيا، فبافاريا كانت في الماضي مملكة مستقلة.
16